تعددت المذابح اليومية والانتهاكات التي تقوم بها أمريكا ضد أبناء الشعب العراقي وما "جري" في حديثة وأودي بحياة أربعة وعشرين مدنيا عراقيا ليس إلا جزءا من الحقيقة المؤلمة التي يعيشها المشهد العراقي اليوم علي يد القوات الأمريكية التي ترتكب جرائم حرب يوميا، فخلافا لحديثه جرت مذابح في مدن كثيرة منها المذبحة التي وقعت في الاسحاقي شمال بغداد في مارس الماضي والتي كشف النقاب عنها مؤخرا وراح ضحيتها أحد عشر عراقيا بينهم خمسة أطفال وقبلها الفلوجة والقائم وسامراء والرمادي والأنبار... الخ. قتل عمد أما ما شجع القوات الأمريكية علي الاستمرار في ارتكاب هذه المجازر فهو عدم تعاون الجهات الرسمية العراقية التي مالت إلي تجاهل ما يقع من أحداث وبالتالي لم تتحرك لادانتها الأمر الذي شجع المؤسسة العسكرية الأمريكية علي التعتيم علي كل المذابح وابقائها في نطاق السرية حتي إذا اكتشفت سارعت بتبرئة قواتها من ارتكابها بزعم أن القتل تم عن غير قصد وهو ما أسفرت عنه التحقيقات الأمريكية في شأن مذبحة الاسحاقي يوم الجمعة الماضي!! غياب المعايير القانونية صورة قديمة جديدة تتكرر يوميا في الساحة العراقية يسقط المدنيون بنيران أمريكية حتي إذا كشف المستور وانبرت منظمات حقوق الإنسان تتحدث عن الانتهاكات والجرائم بادر المسئولون الأمريكيون فوعدوا بمعاقبة كل من يقف وراءها مثلما تعهد بوش مؤخرا بمعاقبة كل من تثبت ادانته وتصحيح الأخطاء! بل سارعت قيادة عسكرية أمريكية لتتحدث عن أن الجيش الأمريكي أصدر الأوامر بتدريب الجنود علي المعايير الأخلاقية والقانونية التي يتعين الالتزام بها!! لقد رأينا ما الذي أسفرت عنه وقائع فضيحة أبو غريب فلقد جرت محاكمات فردية علي أدني المستويات لجنود أمريكيين حُمِّلوا مسئولية ما حدث وهي محاكمات صورية لم ترق إلي المساءلة القانونية الضرورية التي تفرضها اتفاقيات جنيف لعام 1947 وملحقاتها وبالتالي لم يترتب عليها أية عقوبات رادعة كان يتعين تقديم هؤلاء إلي المحاكم الراية أو إلي المححاكم الجنائية الدولية علي خلفية الأعمال التي قاموا بها والتي تشكل في مجموعها جرائم حرب. من يتحمل المسئولية؟ كان من الضروري كشف النقاب عن الحقيقة التي حاولت إدارة بوش الالتفاف عليها ألا وهي أن الجنود الأمريكيين لم يكن ليفعلوا ذلك إلا تلبية لتعليمات تلقوها من مسئولين أعلي في البنتاجون خاصة وأن القضية تكررت واستمرت دون توقف وبالتالي كان من الضروري مساءلة لقيادات والتي لا يمكن اعفاؤها من تحمل تبعة ما حدث ويحدث في العراق لاسيما أن هذه الجرائم خطيرة ولا تسقط بالتقادم، فالعمليات التي تتم تنبع من عمل منظم داخل وزارة الدفاع الأمريكية وليست فردية وهذا هو السر في تبرئة المتورطين من الجنود الأمريكيين ممن أمروا بتنفيذ هذه الجرائم ومن ثم لم يكن غريبا صدور قرارات هيئة المحلفين باعفاء ضباط أمريكيين تورطوا في ممارسة التعذيب في سجن "أبو غريب" من عقوبة السجن! رأس الأفعي لقد رأينا كيف أن رامسفيلد نفسه هو الذي أوعز لبعض القيادات بممارسة عمليات التعذيب ضد من أسماهم بالارهابيين ولا غرابة فهو الذي تبني منطقا أعوج في السجون سواء في باجرام أو أبو غريب أو جوانتانامو تجاوز فيه عن عمد مواثيق جنيف الخاصة بمعاملة الاسري والمعتقلين فشاع التعذيب والانتهاكات الجنسية والفضائح. رامسفيلد هو رأس الأفعي وأدت سياساته إلي أن ينقلب عليه بعض جنرالاته وينتقدوه بوصفه الديكتاتور الذي يقود البنتاجون ولا يقبل برأي أحد وبوصفه هو الذي رسم سيناريوهات التعذيب التي تم تطبيقها في سجون أفغانستان والعراق وجوانتانامو. الحصانة لمن؟! ولعل السبب الذي أعان علي استشراء هذه الجرائم تحت سمع وبصر المجتمع الدولي هو الحصانة الدولية التي منحت لقوات الاحتلال علي أساس أن العراق بموجب قرار مجلس الأمن يعتبر تحت مظلة ما أسموها كذبا بقوات متعددة الجنسية هذا بالاضافة إلي أن الجندي الأمريكي لا يقاضي إلا أمام محاكم أمريكية وبالتالي لا يمكن مساءلته قانونيا أمام محاكم عراقية أو دولية وفقا للأمر الاداري رقم 15 الذي كان بول بريمر قد أصدره ومنع بمقتضاه المحاكم العراقية من نظر أي شكوي ضد أي أمريكي. أين المنظمة الدولية؟ لقد غرقت إدارة بوش في مستنقع الجريمة عبر المذابح اليومية التي تقوم بها في العراق ويتم التعتيم عليها، وعبر التعذيب والمعاملة غير الانسانية التي تقودها في مراكز الاعتقال التي تديرها في أفغانستان والعراق وكوبا ومناطق أخري والتي تتم في إطار إجراءات وأساليب استجواب مجازة رسميا من قبل البنتاجون أما الغريب والمستهجن فهو أن كل ما يجري من مذابح وتعذيب يتم علي مرأي من المجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكنا ويكفي أن منظمة "حامورابي" لحقوق الإنسان أبلغت مكتب الأممالمتحدة في بغداد في ديسمبر الماضي عن فظائع مذبحة حديثة التي وقعت في نوفمبر بيد أن مكتب المظمة الدولية التزم الصمت ولم يحر جوابا حتي الآن..!