عرفنا قديماً أن العاقل من تعلم من أخطاء غيره فليس ضرورياً أن تخطئ لكي تتعلم ولكن أخطاء الغير كفيلة لكي تعلمك هذا إذا كنت عاقلاً. كما عرفنا أيضاً أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فماذا نقول عن الذي يلدغ مرات!.. عزيزي القارئ أعرف أن ما قلته في تلك السطور ألغاز ولكني بيني وبينك متغاظ من هذا الذي حدث وسجلته مباحث الأموال العامة بالقاهرة في محضر أحوال رقم 4 في السادس من مايو من هذا العام.. وأرجو أن تحتفظ بأعصابك عزيزي القارئ وأنت تستعرض معي ماذا حدث. لا أعتقد أن طفلاً أو شاباً أو امرأة أو رجلاً لا يعرف أو لم يعرف ما حدث مع شركات توظيف الأموال الريان والسعد وغيرهما والتي مازالت بعض مآسيها وآثارها باقية حتي كتابة هذه السطور.. إنها مآس قد هزت المجتمع المصري بأكمله لفرط ما وقع فيها من عجائب ومآس وكنا نعتقد أن المجتمع قد استوعب هذه المآسي وتعلم منها الكثير ولكن يبدو ان الدرس قد انتهي ليس في مسرحية محمد صبحي فقط والتي ظل فيها سطوحي يحاول ان يستوعب الدرس ولم يفعل حتي انتهي الدرس.. ها هي نفس المآسي تطل برأسها من جديد بعزبة الوالدة بحلوان نفس السيناريو يتكرر فالرجل وشركاه يرتدون الجلباب الأبيض ويواظبون علي الصلوات ويحثون الناس علي التمسك بمبادئ الدين الإسلامي والمحافظة علي الصلاة وتعرف عليهم الشيخ خالد الذي نزح من الفيوم من خمسة وعشرين عاماً ليستقر بعزبة الوالدة بحلوان وتعرف الرجل علي جماعة من رجال الأعمال الذين لهم صلة بأعضاء جماعته ممن يدعون إلي الله والذين كونوا شركة أسموها رجال الأعمال الصالحين التحق بها صاحبنا في البداية كعامل بسيط ثم عرضوا عليه بعد ذلك أن يصبح شريكاً معهم وان يجمع لهم الأموال من معارفه وأقاربه وإخوانه واستخدم الرجل تدينه وما يقوله من آيات وأحاديث وسير في اكتساب ثقة الناس به وجمع الأموال وكان يحرص علي صرف ارباح شهرية خيالية تجاوزت أحياناً ما كان يدفعه الضحايا من أموال فوصلت إلي 300% وبمرور الوقت اكتملت الخديعة فوقع الضحايا فالبعض باع منزله أو سيارته أو محله التجاري وسلم قيمتها لصاحبنا ولم يهتم حتي بأن يحصل علي إيصال لثقته الشديدة في الرجل الذي يتودد إليهم ويعظهم ويخطب فيهم ويؤمهم في الصلاة وذاعت شهرة الرجل وجماعته وجاء إليهم الناس من حلوان ودار السلام ومصر القديمة ومدينة نصر وشبرا والجيزة وغيرها وتوالت السنوات وأصبح لدي صاحبنا السيارات الفارهة وأصبح موكبه مثل موكب ذوي السلطان والنفوذ وجاءت إليه الأموال محمولة في الحقائب تسعي إليه ليلاً وجمع الرجل حوالي 300 مليون جنيه من أكثر من 1000 شخص من عزبة الوالدة وضواحيها من بينهم أطباء ومهندسون ورجال أعمال وتجار ومشايخ كما أن من بينهم أيضا أيتام وعجزة وموظفون علي المعاش.. والرجل حتي يوم الجمعة 5/5/2006 كان يتقابل مع عملائه أو زبائنه أو أصحابه ويرد علي تليفوناتهم وبعد هذا التاريخ اختفي الرجل واختفي أعوانه ومساعدوه واختفت شركة رجال الأعمال الصالحين وجن جنون الضحايا وجابوا شوارع القاهرة وفتشوا عزبة الوالدة يسألون ويستفسرون ويبكون ويلطمون وانتهي بهم المطاف إلي مباحث الأموال العامة بالقاهرة ليحرروا المحضر 4 أحوال.. تلك هي القضية عزيزي القارئ وهي قضية لا تثير الشفقة بأكثر مما تثير الغضب ولا تثير الدهشة بأكثر مما تثير الحيرة.. إنك حتي لا تملك التعاطف مع الضحايا هنا فالكارثة تتكرر وبنفس السيناريو وكأن الناس لا تريد أن تتعلم شيئا وكأن كل محتال يستطيع بسهولة أن ينصب علي الناس وأن يجعلهم يبيعون حتي بيوتهم ليعطوا لهم أموالهم ليتاجر لهم فيها ولم يسأل أحد نفسه أين هذه التجارة التي تدر هذا الربح الوفير ولم يتوقف الضحايا لكي يعرفوا أين موقع هذا البيزنس وأين المتعاملون معهم لقد كان الرجل يقول لهم إن الله يدافع عن الذين آمنوا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون ولم يفهم الناس معني الآية الكريمة ولا حتي اهتموا بأن يفهموا.. ولكن السؤال المهم هنا: هل كان هذا الرجل يمارس هذا النصب في السر والخفاء هل كان يعمل تحت الأرض مع الجان والشياطين؟. نعم القانون لا يحمي المغفلين ما في ذلك شك ولكن أين المجتمع المدني وأين العقلاء في عزبة الوالدة وحلوان ومدينة نصر ودار السلام والجيزة وغيرها من الأماكن التي جاءت إليها تسعي علي قدم.. أيها السادة علينا أن نتذكر جيداً تلك الكارثة وعلينا أن نضع هذا العنوان عزبة الوالدة محضر 4 أحوال وان نكتب عنه ولا ننساه وأن نحتفظ بغضبنا عما حدث وعما يمكن أن يحدث مرة أخري بنفس السيناريو في أماكن أخري قد تكون عزبة الوالد أو عزبة العمة أو عزبة الخالة أو أي عزبة أخري فكلها عزب وكلها عذاب وأن يحدث هذا بهذا الشكل المتكرر عندنا أمر لابد أن نتوقف عنده ولابد أن يقول لنا علماء الاجتماع ماذا حدث لنا وفينا.. لقد تعالت أصوات من خسروا في البورصة وعرفنا كيف نواجههم وقلنا لهم ليست البورصة مكانا للمغامرات ولكنها لها قواعد وأصول فماذا نقول لضحايا عزبة الوالدة وأي والدة تلك التي جعلت النصابين والأفاقين يتلاعبون بمجموعة من المغفلين.. أيها السادة أفيقوا يرحمنا ويرحمكم الله.