سندوتش الفول الذي نأكله.. مستورد »!« 56٪ من حباته تأتينا من بريطانيا والصين.. و53٪ فقط من انتاج أرضنا.. وهي نسبة قابلة للتناقص إذا استمرت قناعتنا بمقولة: »مايمكن استيراده.. لا داعي لزراعته«! وإذا عرفنا السبب لزال العجب من زيادة الكميات المستوردة وزيادة سعر سندوتش الفول.. فالمحصول انخفضت المساحة اللازمة لزراعته إلي 091 ألف فدان في حين يشغل لب القزقزة 054 ألف فدان!.. كما ان انتاجية الفدان تدهورت لأن الأصناف المحلية للتقاوي »عفا عليها الزمن«.. وبالتالي أصبحنا مستوردين للفول بعد أن كنا في طليعة المصدرين له! تعالوا كمستهلكين نطلب حق اللجوء إلي الواقع الميداني حتي نعرف حقيقة ما يجري.. وحتي نتعرف علي »أصل وفصل« السلعة أو المحصول الذي نتعامل معه ونتعاطاه كغذاء »شعبي« منذ زمن بعيد. لكن قبل مشاهدة ملامح هذا الواقع والخوض في تفاصيله يجب التأكيد علي حقيقة مهمة.. وهي أن الأرض التي يستغلها الفلاح في الزراعة، لم ولن يجعلها »جمعية خيرية« أو »سبيلا« بمعني أنه يزرع الأرض لكي يعيش من إيراد محصولها.. وبالتالي فهو يتجنب زراعة المحصول الخاسر ويسعي إلي المحصول الرابح. محافظتا القليوبية والمنوفية كانتا من أوائل المحافظات في زراعة الفول البلدي- الذي يستخدم في التدميس- لكن المساحة المزروعة به حاليا لاتكاد تذكر.. والسبب في انخفاض المزروعة كما يذكره أحمد عبدالمجيد -مزارع- يرجع إلي انخفاض انتاجية المحصول، فإيراد الفدان لا يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه في حين أن تكلفته تصل إلي 0052 جنيه.. فكيف يحصل علي 005 جنيه كعائد من محصول فدان يستغرق 4 شهور في الأرض بواقع 521 جنيها كل شهر؟! .. هنا يكون من الأفضل له أن يعمل أجيرا باليومية!.. يشاركه الرأي جاره حسن عثمان مشيرا إلي أن مبلغ ال 005 جنيه التي تمثل إيراد الفدان يتحقق في حالة ما إذا كان المزارع هو صاحب الأرض.. أما إذا كان مستأجرا لها فهو حتما يتعرض للخسارة خاصة إذا علمنا أن ايجار الفدان يتراوح من 3 - 4 آلاف جنيه في السنة! ويضيف المزارع خالد عبدالشافي أن تدهور انتاجية محصول الفول البلدي ترجع إلي عدة أسباب أهمها أن الأراضي قديمة ومياه الري أصبحت مخلوطة بالملوثات.. كذلك زيادة أمراض النبات وعدم قدرة المبيدات الموجودة بالسوق حاليا علي مكافحتها والقضاء عليها.. ويوضح خالد أن انخفاض المساحة المزروعة بالمحصول ليس مقصورا علي القليوبية والمنوفية وحدهما، إنما يشمل كل محافظات الجمهورية، والدليل أننا نستورد الفول من الخارج. سألنا المزارع شكري عبدالله: لماذا دعوتك لعدم زراعة الفول البلدي وعلي بعد 005 متر وجدنا زراعته عند زميلك أحمد محمود، قال بابتسامة ساخرة: لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، فما بالك إذا كنت قد تعرضت لثلاث لدغات متتالية.. ثلاثة محاصيل خسرت.. أما زميلي فهو يقوم بزراعته لأول مرة.. »ربنا معاه« أما أنا واصدقائي فقد اتجهنا إلي زراعة الكنتالوب والخضراوات.. ثم تعلو نبرة صوته عندما يضيف: »شايف الطماطم عاملة إيه.. فيه أراضي الفدان فيها كسبان 05 ألف جنيه.. يا نور النبي«! لكن هناك أراضي خاسرة من الطماطم في نفس الوقت؟ - »خسارتها ضعيفة«.. وبعدين ضربة الحظ لها دورها! هل للارشاد الزراعي دور في توجيهكم إلي الحاصلات التي تحتاجها السوق وكيفية تعاملاتها الزراعية؟ - الاجابة صادمة: »إرشاد إيه؟.. أنا أسمع عن المرشد الزراعي من أبويا وجدي.. مفيش مرشدين زراعيين بنشوفهم«! سألنا أهل العلم، فماذا قالوا؟ - د. نادر نور الدين أستاذ الأراضي والموارد المائية بجامعة القاهرة يوضح أننا نستورد 56٪ من احتياجاتنا من الفول نظرا لانخفاض انتاجية الفدان.. وهو انخفاض راجع إلي تدهور الأصناف المحلية لتقاوي الفول البلدي.. هذه الأصناف أجهدت لأنها تزرع منذ سنوات طويلة، وكان يجب استبدال سلالات جديدة بها، لكن هذا لم يتم نتيجة تخفيض ميزانية مراكز البحوث الزراعية والجامعات.. ولهذا وجد الفلاح أن المحصول لم يعد مجديا فانصرف عنه إلي الخضراوات والكنتالوب، ووصل الأمر لدرجة أننا نزرع 091 ألف فدان بالفول البلدي تقابلها مساحة 057 ألف فدان مزروعة بلب القزقزة! ويضيف د. نادر نور الدين أننا أصبحنا نستورد الفول من سوريا وغيرها من الدول بعد أن كنا حتي السبعينيات من المصدرين له.. وحتي نعود للاكتفاء الذاتي فلابد من زيادة المساحة المزروعة واستنباط سلالات تقاوي محلية جديدة تعطي أعلي انتاجية.. والأهم إحكام الرقابة علي سوق المبيدات بعدما تبين أن مبيدات كثيرة مغشوشة أصبحت تبيد المحصول بدلا من إبادتها للآفات الزراعية!