ليس فى البلد شخص يطالب بالبدء فى إصلاح الأحوال، إلا ويضع تعديل الدستور على رأس ما يطلبه، وفى كل مرة يستجيب من خلالها النظام الحاكم لمثل هذه المطالبات، يأتى التعديل على عكس المتوقع.. ومع ذلك لايزال المطالبون بالتعديل مستمرين فى الإلحاح! ولو جاز أن يكون لى رأى فى هذا الموضوع، فسوف أقول: أرجوكم لا تعدّلوا الدستور! أرجوكم لا تعدّلوا الدستور، لأن أول تعديل له، خلال الثلاثين عاماً الماضية، كان فى المادة 77، فى مايو 1980، فقبل هذا التاريخ، كانت المادة تنص على أن رئيس الدولة لا يجوز له أن يبقى فى منصبه أكثر من 12 عاماً، على فترتين.. فلما جرى تعديلها، أصبحت المادة مفتوحة بلا حدود، وأصبح من حق الرئيس أن يبقى، بنص الدستور، مدى حياته، ولذلك، فقد ثبت أن التعديل يؤدى إلى الأسوأ، وليس إلى الأفضل بالضرورة، كما قد يتصور أصحاب النوايا الحسنة من المطالبين بالإصلاح! أرجوكم لا تعدّلوا الدستور، لأن المرة الثانية التى جرى فيها تعديل إحدى مواده، كانت فى فبراير 2005، عندما أعلن الرئيس مبارك تعديل المادة 76 بما يتيح اختيار رئيس الدولة بالانتخاب، من خلال الاقتراع الحر المباشر، وليس بالاستفتاء كما كان من أول قيام ثورة يوليو 1952 إلى 2005 ثم تبين عند التطبيق على أرض الواقع، أن المادة 76 لو كانت قد بقيت على أصلها، لكان أفضل، لأن جوهر الأمور لم يختلف كثيراً بعد تعديلها، عنه قبل تعديلها، ولايزال اختيار رئيس الدولة، أقرب إلى الاستفتاء فى حقيقته منه إلى الانتخاب الذى يعرفه العالم الحر! أرجوكم لا تعدّلوا الدستور، لأن المرة الثالثة والأخيرة التى جرى فيها تعديله، خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، كانت فى ديسمبر 2006، عندما طلب الرئيس تعديل 34 مادة، دفعة واحدة، ثم اتضح بعد التعديل، أن الأحوال قبلها، كانت أفضل منها، بعدها، وليس أدل على ذلك، من أن القضاء على سبيل المثال، كان يتولى الإشراف على كل صغيرة وكبيرة فى الانتخابات، قبل تعديل 2006، فإذا به بعدها، يجرى رفع إشرافه على اللجان الفرعية كلها، ويجرى إبقاؤه فقط، عند حدود اللجان العامة، وهو إبقاء لن يؤدى إلى شىء، ولن يمنع أى تزوير لإرادة الناخبين، وسوف يكون إشرافاً فى حدود الشكل لا أكثر! ومع أننا نردد يومياً، أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، إلا أننا فيما يبدو، نريد أن نلدغ من الجحر ذاته ثلاث مرات، وأربع مرات، وربما عشر مرات، فلانزال نطالب بتعديل الدستور، ولانزال نطالب بتعديل هذه المواد الثلاث على وجه التحديد، ونحن نعرف ونرى، أن الأجواء المحيطة بنا، سوف تؤدى إلى أن يجىء التعديل، إذا جاء، على عكس ما نحب ونتمنى تماماً! وبطبيعة الحال، فإن هذه ليست دعوة إلى الإحباط، ولا هى يأس من أن يكون هناك تعديل يستجيب لرغبات الناس فى يوم من الأيام، وإنما هو تعبير عما فى نفوس كثيرين، ولكن على طريقة الإعلان القديم الشهير الذى كان ينصح الناس ويقول: «لا تستخدموا ديكسان»، وكان العكس وقتها هو المطلوب، بأن نستخدمه، ونستخدمه، ونستخدمه لقتل الحشرات.. أو على طريقة بعض الصحف قديماً، التى كانت تنشر خبراً تحت عنوان ثابت هو «لا تقرأ هذا الخبر» وكانت تعرف جيداً أنه أول خبر سوف يطالعه قارئ الصحيفة.. وربما يعيد قراءته مرة ومرتين! نرجوكم.. لا تعدّلوا الدستور!