لا تفارقني لحظة سماء بلادي ولا همومها، حتي لو كنت في كندا. أكتب لكم من كندا حلم المهاجرين، حيث جئت إلي تورونتو أكبر مدنها وكندا من حيث المساحة تأتي في المرتبة الثانية بعد روسيا وداخل كندا يمكن أن ينتقل إنسان من مدينة إلي أخري عبر أربع وربما خمس ساعات بالطائرة! أكتب في العاشرة والنصف صباحا والموبايل الذي أحمله معي يشير إلي الخامسة والنصف في مصر بعد الظهر. وقد كنت أظن أن كندا في الصيف جميلة المناخ ولكني اكتشفت أن شتاء كندا الثلجي يتناسب مع صيفها القاري الملتهب. ولكن كندا تختلف كلية عن أمريكا رغم أنهما أشقاء والمسافة بين تورونتو ونيويورك 40 دقيقة بالطائرة. كندا بلا عنف، فالحياة تمضي فيها هادئة والدولة تتكفل بالذين بلا عمل ومن هنا لا حوادث ولا فواجع، "أبيض". ولكن هناك حادثة معنوية يستعدون لها من الآن ويأتي إليها عينة خاصة من "الرجال" و"النساء". إن المناسبة تتم بعد أسابيع حيث "يسير كرنفال" الشواذ لساعات في شارع بونج، أطول شارع في العالم. وتتصدر شلالات البشر من الشواذ لافتات أهمها "اتركونا نستمتع بحياتنا بطريقتنا". وكرنفال الشواذ، إحدي مناسبات كندا السياحية، "أسود". والحريات في كندا لا حدود لها وبين قوسين فإن كندا من الدول التي تعطي حقوق الإنسان مساحة كبيرة. من بين هذه الحريات رغبة النساء الكنديات أن يسرن في الطرق عاريات الصدور مثل الرجال! وبعد مناقشات ومداولات، حصلت نساء كندا علي هذا الحق. السير عاريات الصدور! "أسود". ولكن المناقشات داخل البرلمان لا تكف بسبب الموافقة علي إيقاف نوع من الدواء ثبت تأثيره السيئ علي المرضي والأطباء يقفون مع إبطال الدواء ولكن الصيادلة يشكلون تيارا مضادا للأطباء قائلين إنها مشكلة الجرعة. ولكن البرلمان تيقن من خطورة هذا الدواء فأوقفوه وحذروا الناس منه لأن كندا كعالم أول تضع صحة الإنسان في المقام الأول والأخير "أبيض". وفي نفس الوقت أصدر مجلس الصحة الكندي تحذيرا للآباء والأمهات بملاحظة عدد الساعات التي يجلس فيها أطفال دون العاشرة أمام التليفزيون خوفاً علي الاحتفاظ بقوة ابصارهم التي تضعف تدريجيا. "أبيض". وفي مجال الأطفال اكتشفوا أن الطفل شديد الشقاوة يحتاج إلي قرص واحد للعلاج من عدم التركيز وثبت ان الطفل الهيبر، اما تكوين أو جينات. "أبيض". وقد تنبه الناس في كندا للأطفال الهيبر. دخلت كندا فوجدت اضرابا لعمال النقل واجهته الحكومة الفيدرالية من اللحظة الأولي حين قدم التليفزيون الكندي تقريرا ضافيا مع الناس يشكون من تلبك الحياة بسبب الاضراب وأصيبت الحركة التجارية بالشلل. وبسرعة احتوت الحكومة المشكلة وطوقتها وجلست مع ممثلي العمال وتم العلاج دون وعود وعاد عمال كندا للعمل بعد اضراب 12 ساعة كان الكنديون يستخدمون سياراتهم حتي صار الطابور الطويل مدته 4 ساعات ليتحرك خطوة. كانت الحكومة سباقة للحل دون تأجيل أو اهمال وعادت الحياة الطبيعية لكندا، "أبيض". وكندا كما تعلمون شرائح سكانية مهاجرة قادمون من شتي بلاد العالم حيث هناك 72 لغة متداولة في كندا. ولا يوجد مجتمع كندي متآلف متناغم له هموم روحية واحدة، بل ان كندا لا هموم روحية واحدة لها، "أسود". هناك الألمان المهاجرون لهم مجتمع ألماني واحد بكل طقوس الألمان حتي بنوع الخبز الذي يأكلونه. هناك الإنجليز المهاجرون "مجتمع تورونتو" يحيون حياة إنجليزية بكل عاداتها من شاي الخامسة إلي الجولف. وهكذا فكل مجتمع في كندا له همومه وكندا بوتقة لكل هذه الهموم ولكنها لا تعاني من أجل هم واحد! وأفراح كندا مختلفة تماما. فالكاهن يعقد الصلاة في الكنيسة في الواحدة من ظهر الأحد وفي السابعة يلتقي الجميع في إحدي الصالات المؤجرة للاحتفال بالمناسبة ويلقي والد العريس كلمة مكتوبة وتلقي والدته كلمة مماثلة، ثم يطلبون من والد العروس أن يلقي كلمة.. وكلما سمع العروسان دقات مثالية علي طبق فارغ، قام بتقبيلها علنا! وهذه الحفلات تصدح فيها الموسيقي ويملؤها الفرح والسرور ولا تكلف الألوف لمطربين أو مطربات.. حتي العائلات اللبنانية الثرية تطلب مطربة لبنانية لوصلة واحدة وبقية الحفل يتم علي الطريقة الكندية، "أبيض". وأقباط المهجر في كندا تشحنهم وتحرضهم معلومات مغلوطة ومشوهة تظهر في مواقع علي النت علي سوء معاملة المسلمين للأقباط في مصر "أسود" وعندما يكتشفون الحقيقة عبر مناقشات هادئة في صحن الكنيسة يشعرون بالندم ويتراجعون. ولم أكن أعظ ولا أخطب خطبة عصماء ولكني كنت اتكلم بهدوء وبمنطق وعندما كانوا يقترحون أن أهاجر أنا وأسرتي الصغيرة، كنت أرد "أسرتي الصغيرة وأنا سعداء، ان تظلنا سماء مصر التي انفقت علينا لنتعلم ونتربي في احضانها وتحملنا بعض أذي حركة يوليو ثم انفرجت اساريرنا وتذوقنا مناخ الحرية رغم أوجاعها ومازلنا نرد الدين الذي علينا نحو مصر ولا قبر لي خارج مصر".