زرت كندا في فصل الشتاء.. وما أدراك ما هو شتاء كندا.. البرد الذي يكاد يسقط الأنوف من الوجوه.. والثلوج التي تهب كالعواصف فتجعل أية مدينة كندية وكأنها بساط أبيض شديد البياض.. ولو تركت هذه الثلوج دون نزعها من الشوارع لتوقفت حركة البلاد والعباد تماماً!! جو يكاد يرعب القلوب ويذهل العقول.. ومع ذلك هل تتوقف الحياة في كندا نتيجة لهذا الجو القاسي الذي يستمر ثلاثة أو أربعة أشهر علي الأقل؟! أبداً.. الحياة تسير طبيعية وكأن شيئاً لم يكن.. العاملون من الرجال والسيدات يذهبون إلي عملهم منذ السابعة صباحاً.. والطلاب والطالبات يذهبون إلي مدارسهم.. وحتي الأطفال لا يتخلفون عن الذهاب إلي الحضانة. والسؤال: كيف تسير المواصلات من سيارات وأتوبيسات فوق الثلوج؟! وأقول انه من المستحيلات السبعة أو العشرة أن تسير أية مركبات لو تراكمت الثلوج في الشوارع خاصة ان ارتفاعها يمكن أن يصل إلي أكثر من نصف متر في عدة ساعات. ففي كل حي هناك كاسحات ثلوج تبدأ عملها علي الفور إذا بدأت تنزل.. والقطاع الخاص هو الذي يقوم بتلك المهمة وليست الحكومة.. دور الحكومة أو المجلس المحلي في كل حي هو التعاقد مع شركات القطاع الخاص التي لا تتواني لحظة واحدة عن القيام بمهمتها علي خير وجه. تقوم الكاسحات وهي كالجرافات بإزالة الثلوج من منتصف الشارع أولا بأول وتضعها علي جانبي الطريق.. ثم يتم رش ملح من نوع خاص يباع في "شكاير" ورقية مثل "شكاير" الأسمنت عندنا.. ومهمة هذا الملح إذابة بقايا الثلوج ليظهر الأسفلت وتسير المركبات باطمئنان. جميع الأماكن العامة والخاصة في كندا بها تدفئة لمدة 24 ساعة لا تنقطع أبداً.. لأن معني انقطاعها أن يموت الناس من شدة البرد.. ولذلك كل البيوت وكل المولات والمحلات والمدارس والمستشفيات وكل مكان صغر أم كبر ستجد به تدفئة.. حتي تسير الحياة ولا تتوقف. ويعجبك في كندا شيء جميل.. فكاسحات الثلوج تباشر مهمتها في وسط الشارع فقط.. أما أمام البيوت فليس من اختصاصها ولذلك هناك شركات تتعاقد مع أصحاب وسكان البيوت لازاحة الثلوج من أمامها.. وهناك بيوت يقوم أصحابها بالمهمة دون اللجوء إلي الشركات.. وما يقوم بهذه المهمة هي السيدات القواعد واللاتي ليس لهن عمل.. فتجد أمام كل بيت سيدة أو أكثر يقمن بهذه العملية إما بأداة يدوية "الكوريك" وإما بأدوات ميكانيكية تصنع لهذا الغرض. بعض الأمطار الخفيفة عندنا أحدثت شللاً تاماً في الحياة.. ولو كنا نعيش في جو مثل جو كندا لمات نصفنا من شدة البرد والنصف الآخر من شدة الجوع.. وكانت الحكومة ستفرح لأن الجو وفر عليها الجهد الذي تقوم به للحد من زيادة السكان!!