اقتصاد نفسي أثق أن الفنان عبدالمنعم كامل يفخر بموظف يعمل معه هو عباس سيد سلامة، وعباس هو إنسان دارس لفن تنظيم المعلومات والمكتبات، وهو أول من فكر في صيانة كل ما ينشر أو يكتب أو يصور عن دار الأوبرا المصرية، وهو واحد من أبناء الاحياء الشعبية، وأنا أعرفه نتيجة أن والده "الحاج سيد سلامة" قام بتربية وصيانة جيل بأكمله من كتاب ورسامي دار روزاليوسف، فقد كان معاونا للدار، واختارته لتلك الجليلة الكريمة الكبيرة السيدة روزاليوسف، وكان يحرص علينا كأننا إخوته الصغار، منه نقترض لنلتقي بحبيباتنا، ومنه نسمع عمن تطارده المباحث وتتلصص علي اخباره، ومنه يمكن ان نتعرف علي مزاج السيدة فاطمة اليوسف قبل أن نطلب منها طلبا، وكان يعامل الجميع علي اساس انهم إخوته الصغار الاكثر نزقا، ولكنه يحبهم بلا حدود. دارت الأيام دورتها ليحب ابنه عباس مهمة التوثيق، ودخل الأوبرا الحديثة علي هذا الأساس، وكان يعاني بطبيعة الحال من أن فناني الاوبرا ومسئوليها يغرقون في عمق لحظات الاداء الفني وينسون انهم يتعاملون لا مع النجاح اليومي لما يقدمونه من اعمال فنية، بل هناك ما يسمي "التاريخ"، هذا التاريخ الذي سيتذكرونه من بعد ذلك، عندما يبدأ مخرج آخر، أو مصمم باليه آخر في البحث عن جذور عمل فني سبق تقديمه علي الأوبرا.. أو تبحث ادارة الاوبرا نفسها عن جوهر تريد أن تقدمه لتاريخها أو حصرا لحفلاتها المختلفة، لأن أي إدارة تريد أن يكون لها مستقبل، لابد لها من ان تقف علي ارض من تاريخ قد سبق. وهكذا يصبح التأريخ لذاكرة المكان مهما علي نفس مستوي الاهمية لما يقدمه من أعمال فنية. ولمن شاهدوا الأوبرا القديمة التي احترقت في اوائل السبعينيات يشعرون بحجم الخسارة الفادحة التي أكلت ذاكرة هذا المكان الجميل.. وكم تمنيت أن تكون هناك تسجيلات لما قدمته علي سبيل المثال لا الحصر فيلم مصور عن رقصات مايا بلستكيا أعظم راقصة باليه في النصف الثاني من القرن العشرين، قد شاهدت كل حفلاتها علي دار الاوبرا القديمة حين حضرت البولشوي وكانت علي رأس الحضور جالينا أولينوفا، الراقصة العظيمة الاكبر سنا، ولكن لم نحفظ حتي ألبوم صور تلك الحفلات. ومنذ أن تولي عباس سيد سلامة مكتبة الأوبرا المعاصرة، وهو يحاول بكل ما في وسعه من طاقة ان يحفظ لنا وللاجيال القادمة كل تفاصيل ما يدور علي مسرحي الأوبرا الكبير والصغير وايضا المسرح الصيفي، فوق كل ذلك من ندوات ومناقشات مع كبار البشر المفكرين. ولان عباس سيد سلامة يحترف العمل في صمت لذلك قررت أن احييه، لأنه متوهج بقدرات مبدعة تحفظ لنا اللحظة كي نعيشها ونستفيد منها في القادم من الأيام.