لا أحب الجلسة الافتتاحية لأي مؤتمر، أيا كان موضوع المؤتمر أو مكان انعقاده، لانها تكون في الأغلب الأعم جلسة "علاقات عامة"، حيث يتباري المتحدثون في إلقاء الخطب المزدحمة بعبارات المجاملة والنفاق واجترار "الانجازات" الحقيقية والوهمية علي حد سواء. حتي الجمهور الذي يشارك في هذه الجلسة الافتتاحية والذي يتم اختياره في معظم الحالات من بين صغار كبار البيروقراطيين والشخصيات العامة، يكون مشغولا بالظهور في الصورة أمام المسئول الكبير الذي "يقص الشريط" ويعلن بدء المؤتمر ويلقي كلمة بلا لون أو طعم أو رائحة. وما إن يغادر المسئول الكبير مكان الاجتماع حتي يهرول أغلب الحاضرين ويتركوا قاعة المؤتمر شبه خاوية فما يهمهم هو أن يراهم المسئول الكبير وليس موضوع الاجتماع. لذلك لم أكن سعيدا وأنا اتجه إلي قاعة الاجتماعات التي ستشهد وقائع افتتاح المؤتمر الثالث عشر لاتحاد غرف التجارة والصناعة والخدمات لمجموعة الخمسة عشر، وقمة مجتمع الأعمال لبلدان المجموعة ذاتها، الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الماليزية كوالالمبور. وبقدر كبير من الفتور أعددت نفسي للاستماع إلي الكلمة التي ستلقيها رفيدة عزيز وزير الصناعة والتجارة الخارجية الماليزية في افتتاح هذا المؤتمر. لكنها ما إن بدأت في الحديث حتي استعدت كامل تركيزي وكل اهتمامي بمتابعة حركاتها وسكناتها وكل كلمة وكل حرف في خطابها المفاجئ وغير المألوف في مثل هذه المناسبات. بدأت الوزيرة كلمتها الافتتاحية قائلة لقيادات القطاع الخاص في بلدان مجموعة الخمسة عشر، ممثلا في اتحاد التجارة والصناعة والخدمات توقفوا عن ترديد تلك الكلمات الرنانة والتي أصبحت مستهلكة وفارغة من أي معني جدي من قبيل "الأجندة" و"خطط العمل" و"الاستراتيجية" و"خارطة الطريق". كفاكم كلاما وثرثرة عن أمنيات وينبغيات، وبدلا من الحديث عن خطط ابدأوا في تنفيذ هذه الخطط التي تم "اللت والعجن" فيها خلال السبعة عشر عاما الماضية منذ إنشاء مجموعة الخمسة عشر في سبتمبر 1989 علي هامش قمة دول حركة عدم الانحياز التي عقدت وقتها في بلجراد عاصمة يوغوسلافيا قبل تمزقها إلي أشلاء فيما بعد. وقالت بصريح العبارة: "دعونا نبتعد عن ثقافة مجموعة الخمسة عشر، القائمة علي الكلام ثم اجترار الكلام عن كل أنواع الخطط التي لا يجري متابعتها ولا يتم تنفيذها". هذه إذن نغمة جديدة غير مألوفة في مثل هذه المحافل والأهم أنها تصدر عن وزيرة مسئولة عن الصناعة والتجارة الدولية في ماليزيا، وهي وزيرة حققت انجازات حقيقية حيث واصلت التجارة قوتها الدافعة في ظل توليها للوزارة ووصلت في العام الماضي أي في عام ،2005 إلي 8.967 مليار رنجت (الدولار = 6.3 رنجت) بنسبة نمو 9.9% عن عام 2004 ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه وأن يكسر رقم إجمالي التجارة الماليزية حاجز التريليون رنجت هذا العام. وواصلت الصادرات الماليزية عام 2005 صعودها الصاروخي بنسبة 11% لتصل إلي 8.533 مليار رنجت بعد أن كانت 7.480 مليار رنجت عام ،2004 بينما زادت الواردات بنسبة 5.8% لتصل قيمتها إلي 434 مليار رنجت. ونتيجة لذلك حقق الميزان التجاري فائضا لصالح ماليزيا قيمته 8.99 مليار رنجت بزيادة نسبتها 7.23% عن عام 2004 حيث كان الفائض 7.80 مليار رنجت. والأهم أن هذه كانت السنة الثامنة علي التوالي التي يتحقق فيها فائض في الميزان التجاري. فما سر هذه الوزيرة؟ وما هو سر نجاحها؟ وماذا يكمن وراء تلك الكلمات غير التقليدية وغير المألوفة التي ألقتها ببساطة وتلقائية في خطابها أمام قادة القطاع الخاص بمجموعة الخمسة عشر (والتي لم تعد تضم في عضويتها 15 دولة كما كان الحال في البداية بل أصبح عدد أعضائها 19 دولة من آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية هي مصر والجزائر والأرجنتين والبرازيل وشيلي وكولومبيا والهند واندونيسيا وإيران وجامايكا وكينيا وماليزيا والمكسيك ونيجيريا وبيرو والسنغال وسري لانكا وفنزويلا وزيمبابوي). بعد انتهاء وقائع الجلسة الافتتاحية وقبل انصرافها توجهنا إليها أنا والزميل والصديق أسامة غيث وطلبنا موعدا للحديث معها. بكل بساطة أخرجت التليفون المحمول من حقيبتها وألقت نظرة علي جدول مواعيدها الموجود علي التليفون، وقالت إن الموعد المناسب لها هو الثامنة صباح اليوم التالي بمكتبها وأن ذلك سيضطرها إلي الحضور قبل نصف ساعة من الموعد حتي تستعد لمقابلتنا.