كتبت قبل عدة أسابيع أدعو للتوقف قليلا عن التركيز علي الجوانب السلبية في مجتمعنا ومحاولة بث روح الأمل والتفاؤل حتي نستعيد بعض الطاقة التي تمكننا من الاستمرار وأشرت إلي أن هناك ضوءا في نهاية النفق المظلم وأن هناك طاقات وابداعات في هذا البلد يمكنها أن تعبر بنا هذه الحالة المتردية التي وصلنا إليها. وردا علي ما كتبت وعبر البريد الالكتروني (الإيميل) وصلني تعليق غاضب صارخ حانق لم يترك من عبارات التهجم والسباب والسخرية شيئا لم يذكره حيث قال كاتبه إن كل الأشياء أصبحت سلبية وإننا أمام حالة ميئوس منها تماما وأعاد كاتب الرسالة تكرار عبارة "مفيش فايدة" أكثر من ثلاث مرات وهو يصف من يدعي بغير ذلك بأنه متخلف عقليا ولا يدري شيئا عن أحوال البلد التي أصبحت علي حد قوله سيئة للغاية من كل النواحي وأنها تنهار تماما..! ولن أعقب كثيرا علي هذه النظرة التشاؤمية المحبطة التي عبرت عنها الرسالة والتي تعكس في حقيقة الأمر انطباعا سائدا لدي الكثيرين والتي يمكن ملاحظتها كذلك في الكثير من كتابات وموضوعات وتعليقات الصحف المستقلة وصحف المعارضة وحتي في الصحافة القومية الحكومية نفسها فالواقع أن كل القوي السياسية الموجودة في ساحة العمل الوطني حاليا هي التي أوصلتنا إلي هذه الحالة وهي التي دخلت في صراعات وخلافات أوجدت حالة من عدم الثقة في المجتمع وأوجدت مناخا من اليأس والإحباط واللامبالاة! فمن الصعب حاليا قراءة ما يدور حولنا من أحداث قراءة سليمة أو استشراف آفاق المستقبل في هذا الوطن ومعايير التحولات السياسية والاقتصادية ولا يمكن التأكد من حقيقة واحدة مما يجري حاليا إلا أن هناك حالة من الهيجان السياسي في صراع لاظهار القوة والنفوذ دون أن يكون ذلك مرتبطا بحراك سياسي حقيقي من أجل الإصلاح والتحديث. فهناك اعتقاد لدي البعض ان النظام يواجه ضغوطا خارجية من أجل الإصلاح وأن المناخ أصبح ملائما للتحرك لابتزاز هذا النظام في مراحل تردده وعدم قدرته علي اتخاذ قرارات سريعة حاسمة. وهناك من لا يتوقف عن مغازلة الأمريكان وتقديم نفسه علي أنه البديل المطروح في الساحة السياسية والذي يتوافق مع أفكار العالم الجديد. وفي هذا الجو المضطرب تكثر عناصر الانتهازية وتنمو وتتكاثر بسرعة هائلة وهي تدرك أن النظام في حاجة إليها وأن المكافأة ستكون سريعة ومجزية ولذلك فإن هذه العناصر بكل ما أوتيت من قوة ومهارة تساهم في زيادة مساحة الخلاف والتباعد بين النظام ومعارضيه حتي توجد الأرضية المناسبة للعمل وكلما ازدادت الخلافات والصدامات ازدادت نجوميتها ولمعانها وحالات الحوار الكئيبة والمملة التي تصدرها للرأي العام..! ولكن هؤلاء جميعا ينسون أن كل هذه المعارك الدائرة إنما تدور رحاها بعيدا عن الرأي العام العازف والممتنع والمترفع أيضا عن كل هذه السفسطة والغوغائية السياسية لأنه علي ثقة من أن هؤلاء جميعا هم مجموعة من أصحاب الياقات البيضاء الذين يريدون أن يتاجروا به وأن يحركوه لمصالحهم الخاصة وأن يجعلوا منه وقودا لمعركة ليس طرفا مستفيدا فيها..! وحتي الحزب الوطني الحاكم الذي ينبغي أن يكون تعبيرا عن الرأي العام والجماهير العريضة مازال هو أيضا عاجزا عن الوصول إلي هذه الجماهير والتعبير عنها ومازال يتحدث بلغة النخبة والصفوة التي تتداول خطابا سياسيا وإعلاميا مليئا بالآراء والنظريات والتحليلات القائمة علي مقومات وافتراضات نظرية بعيدة تماما عن أرض الواقع وعن اهتمامات ومصالح ولغة هذه الجماهير التي لم تعد تهتم بما سيحدث غدا لأن لديها قناعاتها الخاصة بأن شيئا لن يتغير لصالحها وأن الأغنياء سيظلون أغنياء والفقراء سيزدادون فقرا..! ولأن شيئا لم يتحقق علي أرض الواقع يبشر بأن هناك إصلاحات حقيقية وتطويرا يستمد شرعيته من رجل الشارع العادي فإن أحدا لذلك لا يعتقد بأن هناك أملا أو أن الحالة قابلة للشفاء والنجاة. ويصبح السؤال المطروح دائما.. وكيف يمكن أن نصنع الأمل؟ وكيف نعيد الثقة في النفوس اليائسة، وكيف يكون هناك حراك سياسي وطني حقيقي من أجل الوطن لا من أجل أفراد أو أحزاب أو جماعات مشروعة أو غير مشروعة..! والأمل يبدأ بمؤتمر قومي عام للحوار الوطني تشارك فيه كل القوي السياسية بهدف رسم معالم الطريق وتحديد أولوياتنا والتركيز علي مشروع وطني تلتف حوله الأمة في سلسلة مشاريع تبدأ بمحاولة القضاء علي الفقر والتقليل من أزمة البطالة وزرع الأمل لدي شباب الوطني..! والطريق لابد أن يحدد شكل ومستقبل وأشخاص المرحلة السياسية القادمة، فلا يجب أن يظل الغموض هو السمة السائدة في التعاملات السياسية لأن هذا الغموض ستكون له انعكاساته السلبية الكثيرة التي قد تهدد أمن واستقرار بلادنا وتعرضنا لهزات وتقلبات ومغامرات نحن في غني عنها..! اننا لا يجب أن ننتظر من يأتي ليحدد لنا مستقبلنا وخطواتنا، ويجب أن تتسارع خطواتنا لكي نتخذ قراراتنا وسياساتنا من واقع مصالحنا الوطنية لنكتسب ثقة وإيمان جماهير عريضة مازال الأمل قائما لديها ومازالت ترفض الانحياز للمجهول ومازال يمكن الاعتماد عليها..! Seyed elbebgy@hatmail. com