أكثر من دعوة وجهتها منظمات حقوق الإنسان للإدارة الأمريكية لإغلاق معسكر "جوانتانامو" ووقف التعذيب في سجون أفغانستان والعراق. أما أحدث دعوة فجاءت مؤخراً من لجنة الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب والتي طالبت أمريكا بإغلاق السجون السرية التي تحتجز بها المشتبه فيهم في قضايا إرهاب وإغلاق "جوانتانامو" ووقف التعذيب في سجون أفغانستان والعراق مثل "باجرام" و"أبو غريب" والتحقيق في كل دواعي التعذيب ومحاسبة الأمريكيين سواء العسكريين أو المدنيين ومحاكمة كل من ثبت تورطه في مثل هذه العمليات. * تقرير دولي هذه هي المرة الأولي التي يصدر فيها تقرير من لجنة تابعة للأمم المتحدة وبالتالي يعد التقرير الذي صدر في التاسع عشر من الشهر الحالي تقريراً رسمياً وذا مصداقية بما يمنحه من صلاحيات تكون ملزمة أخلاقياً لإدارة بوش وإن لم تكن ملزمة من الناحية القانونية. ولاشك ان التقرير المذكور يعد موجعاً لإدارة بوش لاسيما وقد جاء لتثبيت وتأكيد دعوات أخري سبقته تقدمت بها من قبل منظمات لحقوق الإنسان، وبالتالي جاء تقرير لجنة الأممالمتحدة هذا ليضع الإدارة الأمريكية في خانة اليك ويلزمها علي الأقل بالإجابة عن تسعة وخمسين سؤالاً أدرجها واضعو التقرير. * سجل أمريكا الإرهابي الجدير بالذكر أن الولاياتالمتحدة كانت قد أوفدت ثلاثين شخصاً للمثول أمام هذه اللجنة لإيضاح الأمور التي تكتنف موضوع التعذيب والانتهاكات التي وقعت في السجون المذكورة. ولكن يبدو أن إفادات هؤلاء لم تكن كافية ولم تكن مقنعة للجنة التي مضت قدماً في تدبيج تقريرها ومطالبة إدارة بوش بالإجابة عن الأسئلة التي أوردتها. وكأنها بذلك تسلط الضوء عمداً علي ما اقترفته أمريكا من تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان ضد كل من قامت باعتقالهم وحشرهم في السجون خاصة سجون "باجرام" و"أبو غريب" و"جوانتانامو" عوضاً عن سجون سرية يعتقد أن أمريكا أقامتها في مصر والأردن ودول أوروبا الشرقية. وكأن اللجنة المذكورة تفتح عن عمد سجل أمريكا في التعذيب الذي مارسته تحت دعاوي مغلوطة أطلقت عليها الحرب علي الإرهاب. * المحاربون الأعداء..؟ واللجنة إذ تسلط الضوء علي جرائم التعذيب فإنها في الوقت نفسه تطالب بمعاقبة كل من تثبت إدانته باقتراف هذه الجرائم والكشف عن مناطق الاعتقال. أما أمريكا فلقد وقعت في تناقض كبير الأمر الذي كشف كذبها وإدعاءاتها وذلك عندما نفي المستشار القانوني للخارجية الأمريكية وقائع التعذيب التي اتهمت بها بينما أقر البنتاجون دون أن يدري ضمناً بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب، فلقد اضطر البنتاجون تحت ضغط مكثف من منظمات حقوق الإنسان إلي نشر حصر شامل للمحتجزين في "جوانتانامو" منذ أن افتتح هذا المعسكر في يناير سنة 2002 حيث ضمت القائمة سبعمائة وتسعة وخمسين اسماً مع بيان جنسياتهم. الجدير بالذكر أن القائمة الجديدة هذه تضم مائتي معتقل لم تشملهم قائمة سابقة نشرت في أبريل الماضي وكانت تضم خمسمائة وتسعة وخمسين معتقلاً أطلقت عليهم أمريكا لقب المحاربين الأعداء!! * محتجزون أشباح..! جاء نشر القائمة الجديدة بعد أربع سنوات كاملة علي اعتقالهم مارست وزارة الدفاع الأمريكية خلالها التعتيم علي الأسماء. بيد أنها اضطرت بعد دعوي قضائية رفعتها وكالة "الأسوشيتدبرس" إلي نشرها. أما القائمة فلقد أثارت تساؤلات حول وجود ما يعرف باسم المحتجزين الأشباح ممن لم ترد اسماؤهم في السجلات الرسمية وحرموا من الاتصال باللجنة الدولية للصليب الأحمر. ويظل السؤال قائماً حول ما إذا كانت أجهزة حكومية أمريكية أخري غير البنتاجون لاتزال تحتجز أناساً في "جوانتانامو"؟ وكانت الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان قد انتقدت احتجاز المعتقلين إلي أجل غير مسمي في "جوانتانامو" واتهمت السلطات الأمريكية بتعذيبهم. * القاعدة لا الاستثناء في أوائل الشهر الحالي وقبل صدور تقرير لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة اتهمت منظمة العفو الدولية أمريكا بانتهاج سياسة تقنين التعذيب في سجونها بالعالم. وأكدت بأن القيادة العسكرية الأمريكية علمت بجرائم "أبو غريب" قبل كشف الفضيحة إعلامياً. لقد تفشي التعذيب والمعاملة غير الإنسانية في مراكز الاعتقال التي تديرها أمريكا في أفغانستان والعراق وكوبا ومناطق أخري في العالم. وشاع استخدام الشرطة للقوة المفرطة وازدادت الظروف المتردية للحبس الانفرادي للسجناء سوءاً في المعتقلات وزادت المعاملة المهينة وغير الإنسانية. أما ما أكدته منظمات حقوق الإنسان فهو أن أغلب الممارسات قد تمت في إطار إجراءات وأساليب استجواب مجازة رسمياً. وفي المقابل لم يكن هناك ما يمكن تسميته بعقاب للمتورطين في التعذيب، فأقصي عقاب تلقاه من ثبت قيامهم بالتعذيب لم يتعد السجن لمدة خمسة أشهر وهي نفس العقوبة التي توقع في أمريكا علي سارق الدراجة!! ولعل السبب في عدم توقيع عقاب رادع هو أن قيادة البنتاجون علي علم مسبق بكل ما يحدث لأنها هي التي أقرت عمليات التعذيب كأسلوب أمثل في التحقيقات التي تجري مع المعتقلين وبالتالي بات عملية التعذيب هي القاعدة لا الاستثناء.