كلنا نغضب.. والحيوان حين تستبد به فورة الغضب يستعمل انيابه ومخالبه، والطبيعة تعبر عن غضبها بالعواصف والزمهرير والزلازل والبراكين.. وتبقي الحكمة من نصيب الانسان الذي يعرف كيف يتصرف مع غضبه ويستفيد منه، وكيف ينحني للعاصفة حتي تمر ليعاود الوقوف بثبات. ومن الحكمة ايضا ان نعرف ان الغضب حين يستبد بنا فانه يحدث بعد ان يتسرب اليها عبر فجوات نسميها نقط ضعف.. وهي فجوات يتعين سدها لتفادي تكرار حالات الغضب، فالغضب المتكرر سمة النفوس الضعيفة. الغضبة الاسلامية ضد الرسوم المسيئة لاشرف الخلق سيدنا محمد صلوات الله عليه كانت غضبة مشروعة مدوية اقامت الدنيا ولم تقعدها بعد. ومع ذلك يظل الغضب حالة نفسية مؤقتة قد تنتهي ان عاجلا او آجلا دون ان تزول الاسباب التي ادت اليها ولا الغايات الخسيسة التي استهدفتها. بعد الغضبة يجب ان نجلس في هدوء ونفكر في الامر بهدوء، ولاشك سنجد ان لنا ضلعا في مسئولية ما حدث، ان لم يكن علي مستوي الفعل فعلي مستوي التقصير. الذين نشروا الرسوم موضوع الغضبة قالوا انها موجهة للاطفال، وهي اسباب ذكية ومدروسة يجب ان نحملها محمل الجد، وان نسأل انفسنا هل نتوفر علي منظومة تربوية صلبة وسليمة، قادرة علي تحصين اطفالنا من كل ما يزعزع العقيدة والهوية؟ اتحدي ان يجيب اي انسان بالايجاب، او ان ينكر هذا التفسخ الخطير الذي طغي علي عقول النشء سواء علي مستوي اسلوب العيش او طريقة الملبس او التفكير او الاهتمامات، ولم لا.. حتي علي مستوي المعتقدات. اسألوا بعثات التبشير والتنصير وكم تستقطب، اسألوا برامج "ستار أكاديمي" وصرعات الموضة والاباحية وكم لها من معجبين، اسألوا الآباء والامهات والمربين وكيف فقدوا السيطرة علي اطفالهم، واسألوا معدي المناهج التربوية وكم خصصوا لحصص التربية الاسلامية والوطنية من برامج واسألوا المجالس العلمية وما جاورها عن دورها في ترسيخ وتحسين الهوية الدينية الاسلامية لهذا الجيل الذي لم يعد يعرف اوله من آخره. قصص الرسل والانبياء، التي استلهمت منها الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة حملتها الخسيسة، مازالت كما كانت ترويها لنا جداتنا.. تركز علي المعجزات والخوارق وتجعل العقل يسجلها كحالات روحية استثنائية يجب ان نؤمن بها وكفي.. وفي القرآن دعوات كثيرة الي استعمال العقل، وتفكروا يا أولي الابصار، تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذاته فتهلكوا. ونصل الي ما بدأنا به، أي انه اذا كان الغضب قد وحدنا، فان الرغبة في الفهم والاصلاح يجب ان توحدنا ايضا ولتكن البداية بما استهدفه الكاريكاتير السخيف حين ادعي انه موجه للاطفال، اي من التربية الصحيحة والسليمة فان فاتنا جيل فقد لا تفوتنا اجيال اخري لاحقة. انني اكتب ذلك وانا حزين لما حدث لنا في الغرب، ولكن بعد ان قرأت المقال القيم الذي نشرته الزميلة "المصري اليوم" الاسبوع الماضي بقلم الاستاذ سليمان جودة في عموده "الخط الاحمر" بعنوان آمين، حمدت الله ان رسامي الكاريكاتير في الغرب لا يستمعون الي ما يقوله خطباء المساجد الذين يحكون قصصا لا علاقة لنا بها.. ويبدو انهم خارجون لتوهم مع اهل الكهف حيث يتحدثون بلغة غير لغةالحاضر.. ارحمونا منهم يرحمكم الله..!