"أحذر من خطورة الموقف الذي أراه يتصاعد بين العرب والغرب.. أعشق الفكر الإسلامي والتراث الإسلامي والطراز المعماري الإسلامي.. تتلمذت إسلامياً علي يد العالم والفيلسوف المفكر الإسلامي زكي بدوي. عنوان محاضرتي هذه في جامعة الأزهر "الإسلام والوحدة الإنسانية" لأنني أؤمن بأن الإسلام يمكن أن يسهم في أن يكون جسراً للتفاهم بين الشرق والغرب، لأن الغرب يدين للإسلام والمفكرين المسلمين بالكثير لا أحبذ التركيز من جانب البعض علي أوجهه الخلاف بدلاً من البناء علي النقاط المشتركة بين الإسلام والغرب. أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا فكلنا من مصدر واحد كلنا من إبراهيم عليه السلام، وكلنا نتبع نفس الطريقة إلي الروح الإلهية". هكذا عبر الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا المثقف ثقافة رفيعة والموضوعي والذي يمتلك روحاً صافية وصلبة عن علاقته بالدين الإسلامي وليست هذه هي المرة الأولي الذي يتناول فيها الإسلام بشرح قل أن يفهمه كثير من المسلمين كما فهمه الأمير تشارلز، وكان الأمير تشارلز قد القي ثلاث محاضرات منذ عشر سنوات تناول فيها سماحة الإسلام وحث المجتمعات الغربية علي تفهم مبادئه. وقف الرجل لينفي عن الإسلام تهمة التطرف والتعصب ويقول أمام مواطنيه إنه دين عظيم، بل ويتهم العالم الغربي بمعاداة هذا الدين دون مبرر، ويهيب بالغرب أن يهتدي بتعاليم الإسلام لإزالة أي لبس أو غموض في العلاقات بين العالميين. إن الرسالة الذي وجهها الأمير تشارلز تتجسد في تلك الطريقة التي استطاعت الحضارة الإسلامية من خلالها الاحتفاظ برؤية متكاملة لا تتجزأ عن قدسية العالم من حولنا، إن الخطر في تجاهل هذا الاتجاه الأساسي في حياتنا ليس فقط مجرد حالة عقلية وإنما يكمن أيضاً في هذا الانقسام الخطير بين الإسلام والعالم الغربي، إن حظر أن تتسع الهوة بين الإسلام والغرب هو خطر حقيقي إذا لم نجد معاً طرقاً ووسائل عملية للتكامل بين ما هو مقدس وما مادي في كلتا الثقافتين حتي يمكننا أن نقدم إسهاماً حقيقياً للقرون القادمة. ولست مما يؤمنون بوجود مؤامرة إسلامية عالمية ولكنني في نفس الوقت لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي ما قاله "ويللي كلايس" السكرتير العام السابق لحلف الناتو والذي قال ذات مرة أنه بعد انهيار الشيوعية لقد أضحي الإسلام الآن عدو الغرب الأول. إن ما يجعل محاولات الأمير تشارلز الوصول إلي قدر من التناسب والتأريخ الصحيح لرؤية الغرب عن الإسلام تبدو محاولات تتسم بدرجة كبيرة من الشجاعة، وتزداد هذه المحاولات أهمية فيما تعيشه اليوم من صراع يخيم علي العلاقة بين الشرق والغرب. وبينما يقول الأمير تشارلز هذا الكلام المتوازن عن الإسلام تطالعنا التقارير الإخبارية والبرامج الدينية بفتاوي تعيدنا للقرون الوسطي بل للجاهلية، ونتذكر ما حدث في الجزائر من وحشية وما يحدث اليوم في العراق ومن قبل في أفغانستان والمحاولات الإرهابية في معظم الدول العربية والإسلامية ولهذا فانني أهدي ما قاله الأمير تشارلز عن ديننا الإسلامي لهؤلاء الجهلة والذين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، وكان شعارهم الأوحد الثعبان الأقرع والمرأة خطيئة وغيرها من التفاسير والفتاوي علي منوال "ندخل الحمام بالرجل اليمين أو اليسار" كما أهدي محاضرة الأمير تشارلز لفضيلة مفتي الديار المصرية الذي قال إن تزيين البيوت بالتماثيل حرام وقال في فتواه التي تحمل رقم 68 رداً علي سؤال لأحد المواطنين أن اقتناء التماثيل رجس من عمل الشيطان؟! نحن نهدي ما قاله الأمير تشارلز عن ديننا الإسلامي لهؤلاء الإرهابيين عليهم يتوقفون عن سفك الدماء، كما نهديه للعالم الغربي الذي فتح ذراعيه للخارجين عن القانون والمتطرفين حتي احترق من لعبهم بالنار. واللافت للنظر أيضاً أن الأمير تشارلز قد وضع أصبعه علي مشكلة مصر الحقيقية وعبر عنها تماماً عندما قال: "علي رجال الأعمال المصريين التركيز علي تدريب الشباب وصقلهم بالمهارات المطلوبة في سوق العمل خاصة في مجال السياحة.. هذا هو لب الموضوع: سد الفجوة بين مؤهلات العاطلين وبين المهارات والخبرات التي يتطلبها سوق العمل.. إذن المشكلة في عدم الكفاءة وليست في وجود فرص عمل.. فالوظائف موجودة ولكن المؤهلين لشغلها ليسوا موجودين. وخالص الشكر والامتنان للأمير تشارلز الذي يعد إلي حد كبير من أكثر أعضاء الأسرة المالكة فكراً وثقافة والذي تزداد محاولاته هذه أهمية في الأجواء التصادمية التي تخيم علي العلاقة بين الشرق والغرب هذه الأيام.