الرئيس السيسي: سيناء ستظل شاهدة على قوة مصر وشعبها وجيشها    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم 25 أبريل 2024    طريقة تغيير الساعة بنظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي خلال ساعات)    أسعار السمك تتراجع 50% .. بورسعيد تواجه جشع التجار بالمقاطعة    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ البنية الفوقية لمحطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط    قطع المياه عن سكان هذه المناطق بالقاهرة لمدة 6 ساعات.. اعرف المواعيد    عيد تحرير سيناء.. جهود إقامة التنمية العمرانية لأهالي أرض الفيروز ومدن القناة    قيادي في حماس: إذا قامت دولة فلسطين مستقلة سيتم حل كتائب القسام    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    في حماية الاحتلال.. مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى    الأهلي يختتم مرانه اليوم استعدادا لمواجهة مازيمبي    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    متى تنتهي الموجة الحارة؟.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجة الحرارة اليوم وغدًا (الأمطار ستعود)    بسبب ماس كهربائي.. نشوب حريق بحوش في سوهاج    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مصنع بالوراق    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    كيفية الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الافتاء توضحها    6 كلمات توقفك عن المعصية فورا .. علي جمعة يوضحها    حكم الحج بدون تصريح بعد أن تخلف من العمرة.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    «الاتحاد الدولي للمستشفيات» يستقبل رئيس هيئة الرعاية الصحية في زيارة لأكبر مستشفيات سويسرا.. صور    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    إزالة 7 حالات بناء مخالف على أرض زراعية بمدينة أرمنت في الأقصر    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    إعلام فلسطيني: شهيد في غارة لجيش الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    عائشة بن أحمد تتالق في أحدث ظهور عبر إنستجرام    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: هناك موافقة أمريكية على دخول القوات الإسرائيلية لرفح    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختارات من تراث الفكر النهضوي الإسلامي

في منتصف القرن التاسع عشر استطاع رفاعة الطهطاوي فارس التجديد والإصلاح في الفكر العربي والإسلامي بمساعدة بعض الأمراء استصدار أمر الخديو سعيد بطبع مختارات من الكتب العربية علي نفقة الحكومة من أجل الانتفاع بها في الأزهر وغيره من المؤسسات التعليمية‏. فكان بذلك أول من أسس مشروعا لإحياء التراث العربي الإسلامي في مصر وكان ضمن هذه الكتب‏:‏ تفسير القرآن للرازي‏,‏ ومعاهد التنصيص علي شواهد التلخيص لعبدالرحيم العباسي‏,‏ وخزانة الأدب والمقامات الحريرية وغيرها من الكتب التي لولا رفاعة الطهطاوي لما كنا عرفنا عنها شيئا الآن‏.‏
والآن وبعد مرور أكثر من قرن ونصف القرن نعيد إحياء فكرة رفاعة الطهطاوي من خلال مشروع ضخم لإعادة إصدار كتب التراث في الفكر النهضوي الإسلامي‏,‏ هذا الفكر الذي أصبح مجهولا لدي الشباب‏.‏
إن علاقة الشباب الحالي بتراثه الإنساني والفكري في حاجة لمراجعة جدية لتكون لديه مادة أكبر في التعامل مع هذا التراث وإبداء ما لديه من رؤي حوله خاصة مع أحادية المادة التي تقدم له عبر بعض الفضائيات ومواقع الإنترنت‏.‏
من هنا بادرت مكتبة الإسكندرية بمشروع إعادة نشر مختارات من تراث الفكر النهضوي الإسلامي‏,‏ والتعريف بأهم كتابات التجديد والنهضة وأعلامها‏,‏ في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين‏(19‏ 20‏ م‏)‏ ويتوجه إلي قطاع عريض من طلاب الجامعات والمعاهد العليا من أجل تعريف أفضل بأفكار هؤلاء الأعلام وأعمالهم‏,‏ والأعمال والأيام هنا ليست مجرد استعراض لتاريخ مضي‏,‏ وإنما هي تأكيد هوية قائمة‏,‏ وإحياء لقيم المواطنة والحفاظ علي الذات والتواصل البناء مع الآخرين‏.‏
لقد سبق أن نظمت المكتبة مؤتمرا عن الإمام محمد عبده رائد الإصلاح والتجديد بمناسبة المئوية الأولي لرحيله‏,‏ ومؤتمرا حول اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث‏,‏ هذا بالإضافة للعديد من الندوات والمحاضرات التي تناولت تراث الفكر الإسلامي ورواد النهضة والتجديد‏,‏ كما قامت المكتبة بإنشاء مشروع ذاكرة مصر المعاصرة الذي يحتوي علي أكبر مكتبة رقمية للمواد ذات القيمة الثقافية والتاريخية المتعلقة بتاريخ مصر المعاصر بداية من عهد محمد علي ونهاية بعهد الرئيس أنور السادات‏,‏ من أجل أن تكون هذه المكتبة المصدر الرئيسي للمواد التاريخية المتعلقة بتاريخ مصر‏.‏
إن كل هذه المحاولات وغيرها تأتي من أجل تطويع قدراتنا للاستفادة من هؤلاء الرواد وإسهاماتهم والمضي قدما من أجل تفعيل رؤيتهم بنقلها من حيز الأماني إلي مجال التطبيق العملي‏.‏ وقد سبق أن أشرت في مقال سابق إلي أننا لكي نخرج بوطننا العربي من حالة الجمود الراهنة لابد من إيجاد جيل جديد من الشباب يؤمن بأهمية التكامل والتنوع الثقافي والاجتماعي‏,‏ ولكن كيف لهذا الجيل أن يقوم بهذا الدور المنوط به وهو لا يعرف تراثه‏.‏
ومن يقرأ التراث يجد أن التاريخ يعيد نفسه‏,‏ فهؤلاء الرواد في تراثنا عانوا وكابدوا من أجل توصيل أفكارهم حيث تعرضوا لاضطهاد أفكارهم وكبت حرياتهم‏,‏ والتعرض للسجون أحيانا‏,‏ والنفي أو العزل من الوظيفة في حالات أخري‏,‏ فوجود الرقابة وتكميم حرية التعبير ليست اختراعا حديثا وإنما هي مشكلات تعاني منها المجتمعات علي مر الأزمنة‏,‏ وتحمل مشقتها كل مفكر مجدد أراد أن يقدم الجديد من أجل مصلحة وطنه ودينه‏,‏ وهو ما عرضنا له في مؤتمر عقد أخيرا بمكتبة الإسكندرية تحت عنوان آليات الرقابة وحرية التعبير ولاقي صدي كبيرا لدي المثقفين في أنحاء الوطن العربي‏.‏
إن من يقرأ للإمام محمد عبده هذا الرائد الفذ من رواد الإصلاح والتنوير والتجديد ليس في مصر وحدها وإنما في العالمين العربي والإسلامي‏,‏ يجد أنه وبعد مرور قرن كامل من الزمن علي وفاته لا تزال أغلبية أفكاره واجتهاداته في الإصلاح والتجديد تنبض بالحياة كأنها بنت الأمس القريب ولا تزال النخب الفكرية والثقافية والسياسية مشغولة بالقضايا ذاتها التي انشغل بها الإمام محمد عبده‏.‏
الحديث الشائك
الحديث الآن عن التجديد في الخطاب الديني أو في الفكر الديني أو في الرافد الديني في تكوين الخطاب الثقافي الغالب للمجتمع المصري العربي أصبح حديثا شائكا‏,‏ حيث يصور البعض هذا التجديد وكأنه محاولة استبدال الإسلام بدين آخر أو تغيير بعض الأحكام القطعية الثابتة أو إحداث أمور في الفهم أو التطبيق مخالفة للدين وقواعده ومقاصده‏,‏ إلا أن العلماء والمفكرين المسلمين عندما تصدوا لموضوع التجديد في الفكر الديني أو في الخطاب الديني سواء في العصر الحالي أو في العصور السابقة‏,‏ من منطلق أهمية مواكبة العصر والتصدي لتحديثه مع تقديرهم التام لأهمية التأصيل مع التجديد‏,‏ وجاء هذا التأصيل للجديد برد الشريعة إلي مقاصدها والفكر الديني إلي منابعه مع نفي ما ليس من الإسلام في شيء والرد إلي الله والرسول عند الفهم والاستنباط وعند الاختلاف والتنازع والاستجابة لمستلزمات المسايرة والمعاصرة بإرادة قوية وعلم نافع واجتهاد أصيل‏,‏ ولرفع هذا الالتباس يسعي كثير من الباحثين إلي التأكيد علي أن التعبير بعبارة التجديد فيما يخص الدين أو الخطاب الديني أو الفكر الديني إنما يتحدد بحسب المحتوي والمضمون‏,‏ فإذا كان يراد بالتجديد الإحياء والتفعيل والإعمال والنفع فلا بأس‏,‏ إذ ان دين الإسلام لم ينزل إلا لإحياء النفوس به ولدفعهم نحو الخير والنماء والإبداع وتفعيل دور الإنسان المسلم وإعماله لا إهماله وتغييبه‏.‏
ويؤسفني أن تقف قوي الجمود ورفض التغيير محاولة تصوير هذه المحاولات لتجديد الفكر الديني المعاصر والخطاب الديني المنبثق منه وكأنها دعوي تبديل الأصول والقواطع وتعطيل الثوابت والروابط وتبطيل الإسلام جملة وتفصيلا تحت هذه الدعوي‏,‏ والخلاصة أن التجديد في الدين الإسلامي حقيقة شرعية وضرورة حياتية وحاجة إنسانية وذلك إذا روعيت فيه ضوابطه وعمل في مجالاته وقام به أهله وأصحابه‏.‏
لقد شجع الإمام محمد عبده علي الاستمرار في تجديد الخطاب الديني سعيا إلي تجسيد الطابع الحضاري والتنويري للدين بما يقتضيه ذلك من إطلاق الحريات الفكرية وفتح أبواب الاجتهاد علي مصاريعها في قضايا المجتمع للعلماء والباحثين‏,‏ تحقيقا لخير الفرد والمجتمع‏,‏ ومواجهة لكل صور التشدد والحرفية الجامدة في فهم النصوص الدينية والابتعاد بها عن مقاصدها ومبادئها الكلية‏,‏ ويستلزم ذلك أن يمضي إصلاح الخطاب الديني في اتجاه يتسق وروح العلم وحكم العقل والمتطلبات العصرية‏,‏ وهو الاتجاه الذي يزيل التناقض الضار بين حرية الفكر والإبداع والوصاية التي يفرضها البعض باسم الدين‏,‏ تلك الوصاية التي يجب رفضها تماما لأن الدين يدعو إلي المجادلة بالتي هي أحسن ولا يفرض إرهابا فكريا علي المختلفين‏.‏
وإذا كان هذا المشروع سوف يتبني بالضرورة إعادة نشر مؤلفات كثيرة لقادة الثورة الفكرية المصرية في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين‏,‏ فكانوا بحق رواد التنوير في بلادنا‏,‏ من أمثال قاسم أمين‏,‏ وطه حسين‏,‏ وعباس العقاد‏,‏ وأحمد أمين‏,‏ وحسين هيكل‏,‏ وأحمد لطفي السيد‏,‏ فلا يجوز أن نتناسي كوكبة من العلماء الذين أسهموا في تيار الإصلاح بفكر أكثر محافظة وتأصيلا أو أقل انفتاحا علي الغرب وأفكاره وأكثر تأكيدا لقدرتنا علي أن نواكب العصر وتحدياته بالعودة للجذور دون النهل من الوافد الدخيل‏..‏ أقول هذا لأنه حتي هذه الأفكار الأكثر محافظة من أفكار أعلام التنوير المصري‏,‏ تعتبر قمة في الانفتاح والتسامح بالنسبة لما نجده في الحديث السلفي المعاصر من الانغلاق والتزمت ولنا أن نذكر من هذه الشخصيات علي سبيل المثال لا الحصر‏,‏ أنه جاء من بعد محمد عبده تلميذه رشيد رضا وما يمكن أن نسميه مدرسة العروة الوثقي‏.‏ ولكن جاء أيضا الشيخ عبدالمتعال الصعيدي الذي يعد بحق أنموذجا للعالم البحاثة الواعي والمجدد المجتهد الذي أخذ علي عاتقه مهمة تفعيل خطاب محمد عبده في النصف الأول من القرن العشرين‏,‏ ذلك الذي كان محجوبا في دائرة الظل‏,‏ رغم ارتفاع هامته في ميدان العلم‏,‏ وقوة جهاده في الدفاع عن أصول العقيدة الإسلامية‏,‏ وجدة مصنفاته وطرافتها‏,‏ وشجاعة آرائه‏,‏ وعمق نظرته‏,‏ وسلاسة أسلوبه‏,‏ والذي أثبت أن الحرية الدينية مكفولة شرعا‏,‏ وهي شرط من شروط الإيمان‏.‏
الطاهر الحداد‏,‏ صاحب كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع فقد افتتح الكتاب بجملة غاية في الأهمية وهي أن المرأة هي أم الإنسان‏,‏ فعارض بها الرؤية السائدة التي تعتبر المرأة أم البنين‏,‏ وظيفتها الأساسية هي الإنجاب وتربية الأطفال‏,‏ كما رأي الحداد أن النهضة العربية لا يمكن أن تتحقق بجهد الرجال وحدهم‏,‏ ولا يمكن أن تتحقق إذا ما بقيت المرأة مقصية عن الحياة العامة مبعدة عن مصادر المعرفة مسجونة بين حيطان البيت‏,‏ وينفي أن تكون المدنية العربية قديما قامت علي محض جهد الرجال‏.‏
ولا يجوز أن ننسي علال الفاسي الذي نادي بتطهير الدين مما علق به من خرافات في عصر الانحطاط‏,‏ قاصدا بناء الشخصية الإسلامية علي أساس المبادئ التي جاءت بها النصوص الشرعية‏,‏ حيث رأي أن الإصلاح ينطلق من المستوي الفردي‏,‏ إلي المستوي الاجتماعي‏,‏ إلي الإخاء علي المستوي الإسلامي‏,‏ وإلي المستوي الإنساني‏,‏ وذلك يستوجب كثيرا من التسامح مع المخالفين‏,‏ في الوقت الذي يدعو للوقوف صفا واحدا في الدفاع عن الإسلام وعن الأمم الإسلامية كلها‏.‏
الإسلام دين الفطرة
ونأتي للشيخ عبدالعزيز جاويش صاحب الكتاب الشهير الإسلام دين الفطرة ودوره في الإصلاح الاجتماعي وإنشائه لجمعية المواساة الإسلامية التي كانت تعول مائتين من الأسر‏,‏ والذي وجه عناية كبيرة للمسجونين وتهذيبهم‏,‏ واهتم بمحاربة أذي الخمر ومضار المسكرات‏,‏ واهتم بأمر البيت والأسرة والمرأة‏,‏ كما طالب بتحرير الاقتصاد الوطني من قبضة البنوك الأجنبية‏.‏
ومن بين محاضرات جاويش التي يسجلها له التاريخ محاضرته في المؤتمر المصري المنعقد في أبريل مايو‏1911‏ بعنوان وجوب مراعاة أحوال الزمان والمكان في تطبيق أحكام الشريعة الغراء أشار فيها إلي وجوب الاجتهاد بما يلائم ظرفي الزمان والمكان ويفيد درك المصالح في إطار ما لا يخالف ما أمر الله به ورسوله‏,‏ ووجوب تطهير الشرع من بعض الأحكام الاستنباطية التي قررها نفر من أهل العلم دون رعاية المصلحة العامة‏,‏ وكان جاويش قد ألف كتابه الإسلام دين الفطرة هذا وهو في بلاد الإنجليز يقوم بتدريس اللغة العربية في جامعة اكسفورد‏,‏ وقد اشتق اسمه من قول أحد طلابه في المحاورة التي أثبتها في أول كتابه‏:‏ يخيل إلي أيها الشيخ أن هذا الدين لا ينافي الفطرة في شيء‏.‏
ولنا أن نتأمل كيف تضافرت هذه التيارات الإصلاحية المختلفة في نسيج مشروع نهضوي كبير‏,‏ أوجد مناخا من الحرية وتوجها للانفتاح والتزاما بالإصلاح‏,‏ وإذا تطرقنا إلي نبوية موسي التي نادت بحق التعليم للمرأة وتعليم الفقيرات ومناصرتها الجمعيات الخيرية‏,‏ وهي أول من دعت للتبرع لإنشاء مدارس لتعليم الفتيات بدلا من التبرع لمدارس تعليم الفتيان‏,‏ وكم عانت نبوية موسي لتوصيل أفكارها البناءة الإصلاحية وكيف تعرضت للاضطهاد والظلم‏.‏
ومن أهم مفكري هذه الفترة أيضا عبدالرحمن الكواكبي الذي ألف كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد وهو كتاب رائد في موضوعه وطريقة كتابته وبحثه استطاع فيه أن يضع قضية للحرية علي قمة أولويات البحث في الفكر العربي والإسلامي‏,‏ لقد كان الكواكبي مصلحا إسلاميا من دعاة الإصلاح الديني والسياسي والتنوير يستحق أن يكون قدوة في فكرنا المعاصر‏.‏
كما كان مصطفي عبدالرازق صاحب مدرسة خاصة في الإصلاح والتجديد الديني وقائد حركة الإصلاح الأزهري‏,‏ وكان أول أستاذ جامعي مصري يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية بعد أن كان يقوم بتدريسها مجموعة من المستشرقين الأجانب‏,‏ وكذلك أخوه علي عبدالرازق الذي فصل من الأزهر بسبب كتابه الإسلام وأصول الحكم بعد المحكمة التأديبية التي عقدها له الأزهر فخرج بمقتضي القرار من زمرة العلماء‏,‏ لقد كان كتابه ثورة فكرية علي رؤي تقليدية من أجل تأسيس مسار مدني للدولة الشرقية التي كانت لا تزال خارجة لتوها من فك الصيغة الإمبراطورية‏.‏
ومثلهم أحمد فارس الشدياق الذي شارك معاصريه من قادة الفكر وأعلام النهضة العربية الحديثة في دعوتهم إلي الحرية والعدالة والمساواة وتحرير المرأة‏,‏ بل شاركهم في الدعوة إلي تجديد المناهج التربوية ونشر التعليم والإصلاح الاقتصادي عن طريق تحديث وتطوير تقنيات الزراعة والصناعة والتجارة‏,‏ وكان حريصا علي رد أسس المدنية الحديثة إلي الأصول الإسلامية‏,‏ وأكد أن الإسلام هو دين الحرية والمدنية والعدالة والمساواة‏.‏
إن الأمثلة كثيرة ولا يمكن أن نعددها في مقال واحد أو حتي عدة مقالات‏,‏ ولذلك كان اللجوء لهذا المشروع المهم الذي تبنته مكتبة الإسكندرية ويجتمع من أجله بصورة دورية علماء من جميع الدول العربية والإسلامية لمناقشته وعرض بعض نتائجه ودفعه إلي الأمام‏,‏ كان آخرها في يومي‏23‏ و‏24‏ ديسمبر‏2009‏ وأرجو أن يكون هذا المشروع بداية جديدة لشباب هذه الأمة لمعرفة تراثهم العربي والإسلامي المجهول‏.‏

المزيد من مقالات د‏. إسماعيل سراج الدين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.