قلبت كثيرا.. قرأت اكثر من 35 دراسة امريكية لباحثين ومراكز بحثية، تتحدث عن استراتيجية للخروج الامريكي Exit Strategy من ورطة العراق.. جميعها يربط في تحليله مباشرة بين الحربين: العراق، وفيتنام.. ويطالب بتطبيق الدروس المستفادة من هزيمة امريكا في فيتنام، علي الوضع الراهن في العراق، حتي لا يتحول الي هزيمة شنيعة Ignominious اخري، تحتل غرفة مظلمة في بدروم التاريخ الامريكي!. ... الا باحث واحد، طلع في دراسته بنتيجة مختلفة تماما، مبناها: حرب العراق ليست حرب الشعب لتحرير الصين.. حرب ماوتسي تونج لدحر تشانج كاي تشيك وفك اسر الصين من المحيط للمحيط.. وهي النموذج التاريخي المقاس لحروب الشعوب، مثلها مثل حرب فيتنام.. اما حرب العراق، في مآلها الاخير، فمجرد حرب اهلية طائفية.. ولذلك فإن تطبيق قواعد "الفتنمة" عليها تحت اسم "عرقنة" Iragization انما هو ضلالة كبري سوف تقود تلك الحرب الي حضيض اسوأ! وتحت هذا التصور الاستراتيجي الفريد، يواصل الباحث رسم حل لقضية حرب العراق بأسلوب داهية مختلف.. يفاجئك في كل سطر وكأنه ميكيافيللي عاد حيا ليصوغ مبررا قويا للوسيلة.. ايا كانت الغاية داعرة او عديمة الخلق.. وهو يملي شروطا تفاوضية عجيبة علي الحوار السري الدائر الان بين زلماي خليل زاد السفير الامريكي في بغداد، وطوائف السنة والشيعة والاكراد، لصياغة "حل دستوري" توفيقي يجنب العراق الانزلاق الي حرب اهلية شاملة.. والاهم: حل يفك اغلال 150 الف جندي امريكي ليعودوا الي احضان الاباء الذين طال بهم الفني وارهق قلوبهم التوجع والقهر! ... هي دراسة مثيرة للغاية، وكاشفة للمسات الاخيرة للحل في العراق.. صاغها ستيفن بيدل الزميل الاول في سياسة الدفاع، بمجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف الكتاب المرجع القوة العسكرية Military Power.. احتضنت دراسته ونشرتها كاملة مجلة "الفورين افيرز، في عددها الصادر مارس ابريل 2006. ... دعنا نقلب في المضمون.. ................................... فيتنام عام 1969.. اعلن ريتشارد نيكسون خطته المتفق عليها مع الفيتناميين الجنوبين بسحب قواته المحاربة، واحلال عبء الحرب علي القوات الجنوبية بالتدريج.. وقال فيها: "هذا الانسحاب سوف يتم من مركز قوة.. وليس من مركز ضعف"! واستراتيجية بوش للانسحاب من العراق تكاد تحاول ان تكون صورة مشابهة.. هي ثلاثية المسار: مسار سياسي وثان اقتصادي، والثالث امني، الاول ظاهرة اجراء اصلاح ديمقراطي. والثاني لاعادة اعمار ما خربته الحرب ليجذب ولاء الشعب للحكومة المنتخبة. والثالث بناء قوات عسكرية وامنية تحمل عبء الدفاع ضد المقاومة كشرط معلق لانسحاب القوات الامريكية. لكنها خطط وامان، اما الواقع علي ساحة العراق الآن، شيء اخر! والمشكلة في اعادة انتاج ثوب فيتنام ليناسب مقاس حرب العراق الان ان استراتيجية حرب الشعب People's War تحرير الصين فيتنام لا تناسب حربا اهلية طائفية مثل حرب العراق.. بل انها قد تقود الي نتائج مدمرة! طوائف الشعب في العراق تتعرض لاستقطاب شديد، يتهددهم العنف الضاري المتبادل بينهم.. كل منهم يمسك بعنق اخيه.. السنة يتعطشون لعودة السلطان.. بينما يسعي كثيرون من الشيعة والاكراد الي تصفية حساباتهم الاليمة مع رموز نظام صدام! ... والمساعدات الاقتصادية واعادة الاعمار، مهما بلغت نفقاتها، لا تشفي هذه الضغائن الدفينة ولا تعالج احقاد السنين! القهر.. علي التفاوض ؟! وينتقل ستيفن بيدل في دراسته مباشرة الي سياسات ادارة بوش الراهنة المعروضة علي المائدة.. يري انها تجمدت ولم تعد تكفي للانتقال من "الدفاع التكتيكي"، الي "الدفاع".. وانها بذلك قد تؤدي الي تفاقم الاوضاع! والعنف المتبادل بين الاطياف العراقية، والمتوقع اندلاع المزيد منه، يحتاج لقوات هائلة لردعه وايقافه.. والقوات الامريكية لا تكفي للقيام بالمهمة.. ولابديل الا بالاعتماد علي القوات العراقية.. وان كانت في حد ذاتها ستكون سببا لمزيد من الخلاف والشقاق وليست عنصرا لحل النزاع بين الطوائف المتحاربة communal strife! ويبقي وجود القوات الامريكية في العراق ضروريا لمساندة مفاوضات الوضع الدستوري بين الطوائف التي يجريها السفير الالماني خليل زاد الان.. ومجرد سحبها، او البدء في سحبها طبقا لجدول زمني صارم، قد يقوض احتمالات بناء سلام في العراق، يحيا بعد انفضاض مشاهد الحرب ورجع صدي انفجارات السيارات الملغمة!