اثنان بلا ثالث، هما بطلا حرب فيتنام رغم الهزيمة النهائية المنكرة، أولهما: ملفين ليرد، وزير الدفاع الأمريكي الذي نجح في سحب معظم قواته، قبل أن تحل الهزيمة علي يد الكونجرس الأمريكي الذي غدر بالحليف الفيتنامي الجنوبي ومنع عنه العون والسند فانهار! والثاني: هنري كيسنجر، وزير الخارجية الدي هندس "اتفاق باريس" لحل النزاع بالتفاوض.. لولا أن السوفييت خرقوا الاتفاق بصورة جسيمة قبل أن يجف حبر التوقيع عليه! فيتنام إذاً هزيمة مالية أكثر منها هزيمة عسكرية.. بينما المؤكد أن الهزيمة الحالية في العراق عسكرية وسياسية معا.. وان كان الاطار العسكري للحربين يتشابه لحد التماثل! من هنا حلق بجناحه، الخميس الماضي، ملفين ليرد ليصوغ الدروس المستفادة من فيتنام، لتصبح رهن التطبيق علي حرب العراق.. واليوم يمد هنري كيسنجر فكره الرائق ليرسم استراتيجية الخلاص لأمريكا من المستنقع العراقي.. بعد أن تستولده عراقا جديدا، بمخاض دستوري يستحضر كل أركان الشرعية! .. وأترك هنري كيسنجر لأفكاره، تسري علي صفحات "الواشنطن بوست" وتتدافع. ................... اختلفت التقارير نقلا عن الجنرال جورج كيس قائد القوات الأمريكية في العراق.. بعضها قال: "سوف يتم انسحاب جوهري" substantial في أعقاب انتخابات ديسمبر وتشكيل الحكومة الدستورية.. مصادر أخري أكثر دقة أضافت: "سوف يشمل الانسحاب 30 ألفا، وهو رقم يشكل 22% من عدد القوات".. مصادر رفيعة المستوي تزيدت: "تاريخ بدء الانسحاب ربما تأخر إلي صيف العام المقبل"! وفي كل الأحوال، تؤكد مصادر البنتاجون، أن الانسحاب مرتبط تماما بعنصرين: تحسن حالة الأمن.. وارتقاء مستوي تدريب القوات العراقية وكفاءتها! الوقت اذاً مواتٍ لتصميم استراتيجية مناسبة للانسحاب من العراق طبقا لشروط تضمن الحق لكل الأطراف والسلام.. وفي حرب بلا خطوط قتال - مثل الجارية في العراق - يصعب تعريف مواقف الاطراف فيها.. الخمود المؤقت Lull لا يعني نجاحا لأي من الأطراف ولا قراراً استراتيجيا للخصم!.. والانهيار في هجمات العدو قد يكون بسبب الاستنزاف وقصور الموارد.. وربما كان قرارا استراتيجيا للمقاومة بادخار القوة وتشجيع الخصم الأمريكي علي الانسحاب.. وقد يكون موقفه ملتبسا مثل الهجوم الأمريكي الرئيسي علي فيتنام في العام ،1968 الذي اعتبر في حينه نكسة أمريكية، بينما يفهم الآن علي انه كان هزيمة كبري majordefeat لهانوي! عاصرت كرب الحرب علي فيتنام في ادارة كل من جون كنيدي وليندون جونسون.. وشاركت في وضع قرار الانسحاب وشروطه في عهد الرئيس نيكسون.. واعترف ان حديث الجنرال جورج كيس عن الانسحاب من العراق أهاج في نفسي ذكريات مثيرة للمشاعر ان قرارا بالانسحاب الجوهري، مع استمرار الحرب، حدث منذر بالسوء.. يؤثر علي حسابات المقاومة العراقية ومعنويات بقية الجنود ويضائل قدرتهم علي الهجوم.. ويجعل مسير العمليات يمضي بقوة الدفع لا بقوة الحسابات الاستراتيجية.. والاخطر من ذلك انه يزيد من صعوبة رد الهجوم.. بهجوم مضاد! وساحة المعركة: كل مكان! ورغم كل هذه المخاطر والمعوقات كانت تجربة إحلال القوات الفيتنامية محل القوات الأمريكية، أو ما سمي "فتنمة الحرب" عملا ناجحا من الناحية الأمنية.. فيما بين عامي 1969 ونهاية ،1972 نجحنا في سحب نصف مليون جندي أمريكي.. وانخفضت خسائرنا في الأفراد من 400 في الاسبوع سنة 1968 إلي 20 في الاسبوع سنة 1972.. قضينا علي خطر حرب العصابات، واصبحت سايجون وغيرها من مدن الجنوب الرئيسية أكثر أمناً من مدن العراق اليوم! ووقف الجيش الفيتنامي صامدا في وجه هجمات قوات هانوي! 3 سنوات من النصر تلت، بعدها انقلب الميزان.. بسبب تدخل جيش الشمال بكل قواته التقليدية في الحرب، وهو انتهاك صارخ لكل شروط اتفاق باريس للسلام! تزامن من ذلك مع نشوء أوضاع داخلية في واشنطن بالغة الحرج: عذابات فضيحة ووترجيت المربكة، وما تبعها من تخفيض لثلثي المعونات العسكرية لفيتنام، قرار الكونجرس بحرمان الحليف الفيتنامي المحاصر من أي مساندة.. حتي بالقوات الجوية! عجز كل الدول الضامنة لاتفاق باريس عن رفع اصبع الاحتجاج ضد كل ما يجري من انتهاكات للاتفاق الذي لم يجف بعد حبر التوقيع عليه! من كل ذلك نستخلص مبدأين يتوجب تطبيقهما علي حالة الحرب في العراق.. أولهما: أن النجاح العسكري لا يمكن تحقيقه إلا بدعم من الداخل الأمريكي. والثاني: لابد من اطار دولي ديناميكي يقظ يضمن للعراق الجديد مكانه، ويرعي احتياجاته.. لابد!