إكرام يوسف منذ تفكك الاتحاد السوفيتي لم يمنع التحول الاقتصادي نحو الاقتصاد الرأسمالي روسيا من التطلع إلي الحفاظ علي مكانة دولية وإقليمية مؤثرة كانت لها، الأمر الذي وضعها في أحيان كثيرة موضع المنافس المثير للقلق أمام الدول الفاعلة ذات الوضع المستقر تاريخياً سواء في قيادة العالم الغربي أو العالم كله، ولم تعدم روسيا الأسلحة التي تستخدمها بين حين وآخر لتكريس المكانة التي تطمح إليها، ولعل من بين هذه الأسلحة، سلاح البترول الذي كان العرب أول من استخدموه بفعالية خلال حرب ،1973 ولما كانت روسيا كما يعرف الجميع ثاني الدول المنتجة للبترول في العالم، فان تحركاتها في هذه الساحة تبعث القلق لدي جميع اللاعبين بداية من الولايا المتحدة التي تستهلك جميع إنتاجها من البترول كما تعد أكبر مستورد له في العالم، ودول أوروبا وانتهاء بأعضاء منظمة أوبك، ومن ثم يري المحللون أن روسيا تقف وراء أزمة البترول الحالية، سواء روسيا الدولة أم الشركات، أم تقاطع مصالح الطرفين. قمة البترول ووفقاً لنظرية "قمة هوبرت" (التي تعرف أيضاً باسم قمة بترول، وهي محل خلاف فيما يخص الإنتاج والاستهلاك طويل المدي للزيت وأنواع الوقود الحفرية الأخري، وتفترض أن مخزون البترول غير متجدد، وتتوقع أن إنتاج البترول المستقبلي في العالم يجب حتماً أن يصل إلي قمة ثم ينحدر بعدها نظراً لاستمرار استنفاد مخزون الزيت) فقد لاحظ "إم. كينج هوبرت" أن الاكتشافات في الولاياتالمتحدة وصلت لقمة في الثلاثينيات من القرن العشرين، ومن ثم توقع وصول الإنتاج إلي قمته في السبعينيات من القرن العشرين، الأمر الذي اتضحت صحته، وبعد وصول الولاياتالمتحدة لقمة الإنتاج في عام 1971 بدأت في فقدان السعة الإنتاجية وقد استطاعت الأوبك وقتها الحفاظ علي أسعار البترول مما أدي لأزمة الزيت عام ،1973 ومنذ هذا الوقت وصلت مناطق عديدة لقممها الإنتاجية، مثل بحر الشمال في التسعينيات من القرن العشرين، وأكدت الصين أن اثنتين من أكبر مناطق الإنتاج لديها بدأت في التراجع، كما أعلنت الشركة القومية لإنتاج البترول بالمكسيك أن حقل "كانتاريل" يتوقع أن يصل لقمة إنتاجه عام ،2006 ثم يكون معدل انحداره 14% سنوياً، إلا أن روسيا لم تعلن بعد وصولها لقمة الإنتاج، ولعل هذا ما يسمح لموسكو حتي الآن بهامش أكبر للمناورة. وفي الشهر الماضي اتهمت روسيا حكومة أوكرانيا بسرقة ما قيمته 5_ مليون دولار من صادرات الغاز الروسي إلي أوروبا، وذلك بعد أن قررت موسكو قطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، وجاء الاتهام الروسي بعد أن أعلنت النمسا وسلوفاكيا انخفاض إمدادات الغاز القادمة إليها من روسيا عبر الأراضي الأوكرانية بنحو الثلث، وكانت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا قد بدأت عندما أعلنت شركة جازبروم الروسية المملوكة للدولة أنها سترفع سعر إمدادات الغاز من 50 دولاراً إلي 230 دولاراً لكل ألف متر مكعب (والمعروف أن روسيا تمد أوكرانيا بنحو 30% من احتياجاتها من الغاز كما تمد دول غرب أوروبا بنحو 25% من احتياجاتها، الأمر الذي يعني وجود أوراق ضغط قوية في يد الدب الروسي مما دفع بأحد الباحثين للقول "عندما تدفأ روسيا يبرد الغرب")، ورغم أن الاحتجاج الأمريكي الأوروبي علي روسيا كان حاداً، إلا أن الإنصاف يدفعنا إلي اعتبار ما قامت به روسيا حقاً شرعياً لها، فقد قررت وهذا حقها التوقف عن تدليل أوكرانيا بعد تمردها علي العلاقة الخاصة معها، وتعديل السعر التفضيلي الذي كانت تبيع به الغاز لأوكرانيا ليتساوي مع سعر السوق العالمي، فضلاً عن حقها في منع أوكرانيا من سرقة الغاز الروسي المار في أراضيها، فموسكو لن تسمح بالطبع لأوكرانيا أن تسرق الغاز الروسي لتنفق علي تجهيز نفسها للانضمام لحلف الأطلسي المعادي لموسكو. تأديب وعبرة فلاشك أن الرئيس بوتين يري أن ما أسماه الغربيون "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا كان بمثابة طعنة قوية موجهة لروسيا يضاف إلي ذلك تسارع مساعي دول أوروبا الشرقية للانضمام إلي حلف الأطلسي، الأمر الذي يزيد من مخاوف دفع هذه الدول بين حين وآخر للتحرش بالدب الروسي التي كانت يوماً ما ضمن رعاياه لإعاقة حركته نحو استعادة مكانة لائقة علي الساحة الدولية. ويري الباحث الدكتور عادل سمارة أن "بوتين" اعتبر فصل الشتاء القارس الذي تظهر فيه أهمية البترول في أقصي صورها فرصة كي "يعرف المتهالكون علي الغرب أن الغرب لا يقيم غائلة البرد، وأن الغرب وجد لكي يأخذ وليس كي يهب". وهكذا، تراجع ضخ الغاز الروسي مؤخراً من 20-40% وفق التقارير الصحفية، الأمر الذي أثر بالطبع علي أوروبا الوسطي والشرقية بل وكل أوروبا، وبدورها أعلنت أوكرانيا أنها سوف تسرق الغاز الذاهب إلي أوروبا الغربية إذا ما وصلت درجة الحرارة نقطة التجمد. وكانت تقارير أفادت مؤخراً تدهور الأوضاع الاقتصادية في أوكرانيا، بعد أن فاحت روائح فساد النظام الجديد الموالي