غداً الثلاثاء 14 فبراير "عيد الحب". وقد عشت أجمل لحظات العمر مرتين مرة في أمسية الخميس في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر حين كانت الجامعة الامريكية تحتفل بمحمد البرادعي في احتفال مهيب منظم يتسم بالرقي، وكنت سعيدا بالتصفيق لابن مصر وهو يقف بهامته يتكلم بعذوبة ويهدي قلادة النيل لوالدته ويهدي الدكتوراه الفخرية لزوجته عايدة الكاشف التي تخرجت من الجامعة الأمريكية، رأيت السعادة في عيون الآباء والأمهات وهم يفرحون بخريجيهم الأولاد والبنات، رأيت عيد حب حقيقياً لاذرة واحدة فيه من حقد أو بغض يشوه نضارته والمرة الثانية التي أمتعتني فوز مصر بكأس الأمم الافريقية وانا لست كرويا ولكني انتمي لمصر في البداية والنهاية واشعر اني واحد من 74 مليون انسان، كانت فرحتهم بحجم امتداد الأفق، كان الفوز هو الأمل، ربما لأني حلمت بفرحة للناس خصوصا ان افراحنا شحيحة. ذلك هو "عيد الحب" الذي أحلم به لبلدي، أن نفرح لبعضنا، وأن نعيش الفرحة من قلوبنا حين يأتي هذا الفرح، ذلك أننا في أوقات أخري ينهشنا الحد والحقد ونحجب الحب في ضلوعنا، لأ أدري لماذا! هل الضغط الاقتصادي هو السبب؟ هل الفرص صغيرة؟ هل النجاح في بعض الأحيان فهلوة؟ عيد الحب الذي أتمناه ليس رومانسياً ليس لحظة عاطفية وتبادل وردود وأزهار ملوثة، وإن كان هذا مظهراً جميلاً ليس صلحا بين زوجين بعد خصام طال، وان كان هذا ايضا صفاءا مطلوبا في العلاقات الانسانية، ولكن الحب الذي أحلم به به هو "الحب العام" لا الخاص، الحب الذي يتحول إلي طاقة تدفع إلي الأمام. ان جمهور قاعة المؤتمرات في ليلة الجامعة الامريكية ظل يصفق لابن مصر البرادعي وهو يقف بهامته سعيدا إلي حد الدمع الذي غافل خده وجمهور استاد مصر ليلة الجمعة لا يمكن وصفه ولا ترجمة مشاعره الا بكلمة واحدة: مصر. مصر كانت علي شفاة الملايين بشكل منظم ومتحضر وكأن الناس التزمت بالقواعد واحترمتها حتي تعطي مساحة لهذا الحب الجارف، ان وجود 120 ألف انسان في الاستاد ليس شيئا هينا ولكن لحظة الفوز، لحظة غالية ولذلك حافظت هذه الكتلة البشرية علي النظام اللائق بمصر، هذا حب عام، حب قوي وأحلم ان يسود أجهزتنا وحكومتنا واحزابنا وصحافتنا هذا الحب. فوز البرداعي بجائزة نوبل ودكتوراه الجامعة الامريكية، "عيد حب" وفوز مصر بكأس الأمم الافريقية "عيد حب". أعياد حب جاءت بنبل الكفاح وروعة العمل المتواصل والإيمان والثقة بالذات وليست بالفهلوة أو الصوت العالي أو التسلق. عيد الحب الحقيقي هو انتصار للذات المصرية في أي مكان وتحت أي سماء رغم ما يعترينا من معاناة تعكر الصفو. عيد الحب الحقيقي هو استثمار أجمل وأعمق ما في حضارتنا من قيم وهكذا أستقبل غدا "عيد الحب" وهذه المرة في فبراير 2006 وأشعر ان "الانتماء" ليس كلمة نرددها بل "سلوك يسكننا" واجمل ما سمعته في الجامعة الأمريكية التي احتفلت بالبرادعي في قاعة المؤتمرات عندما قال "انه يهدي كل ما وصل إليه لأمه وزوجته" انها قيمة الامتنان وأجمل ما سمعته في الاستاد العبارة التي ترددت علي السنة نجوم مصر الذين حصدوا الكأس، "اننا نهديه للجماهير التي وقفت معنا هذه الوقفة" انها قيمة الامتنان. عيد الحب يمجد قيمة "الامتنان" علي ارفع المستويات، إنها مصر الأم التي تحتوينا بين ضلوعها وتبكي من الفرح وتكتم دمعتها في أحزاننا.