مدفوعا بخطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش عن حالة الاتحاد الذي قال فيه إن الشعب الأمريكي "مدمن" للبترول في إشارة إلي الاستهلاك العالي للأمريكيين خصوصا في السيارات كشف رئيس الوزراء السويدي جوارن بيرشون النقاب عن أنه قد أصبح هناك علي الأقل من يفهم المشكلة، مشيرا إلي أن النموذج السويدي ربما يوفر مثالا للدول الأخري التي تعاني من مشكلة الاستهلاك العالي. فالسويد تعد من مصاف الدول التي تدعم جهود حماية البيئة ووعدت بعدم الاعتماد تقريبا علي البترول بحلول عام 2020 واستغل بيرشون الظرف ليدعو قائدي المركبات والسيارات والدراجات البخارية لاستخدام البترول بدرجة أقل أو التوجه لاستخدام طاقة بديلة مثل الإيثانول واستهلاك أساليب في التدفئة المنزلية ليكون من شأنها الإضرار بالبيئة. ومثل بوش أعرب بيرشون عن قلقه بشأن اعتماد بلاده علي إمدادات البترول الأجنبية القابلة لعدم الاستقرار، مؤكدا علي أن الاعتماد علي البترول في حد ذاته يمثل مشكلة ليس فقط فيما يتعلق بالبيئة وإنما أيضا لما له من أضرار اقتصادية وأحيانا سياسية جمة، وما له من تأثيرات سلبية لا حدود لها علي الأسعار خصوصا مع صعودها في أقل من عام بنسبة 40%. وتعاني دول صناعية كثيرة وأخري نامية من الارتفاع الحاد في الأسعار بما ينذر بتعطيل قاطرة الاقتصاد العالمي ناهيك عن التلوث الذي تحدثه ناقلات البترول مثلما حدث في أعقاب حرب الخليج الثانية وما تبعه من تلوث في مياه الخليج خصوصا قبالة سواحل الكويت وأدي إلي القضاء علي الحياة البحرية فضلا عن جنوح ناقلة للبترول قبالة سواحل فنزويلا إلا أنه لم يحدث تسرب لو حدث لوقعت كارثة بيئية كبيرة. وقال بيرشون إن نموذجنا قد يصلح مع الولاياتالمتحدة أو يوفر بعض الحلول لها، وضرب مثلا علي بعض مناطق ستكهولم العاصمة السويدية مثل المدينة القديمة القريبة من حديقة الملك والممرات المائية وأساليب استخدام الوقود فيها. وبعكس الولاياتالمتحدةفالسويد التي لا يزيد عدد سكانها علي 9 ملايين نسمة وتمتليء بالجزر وتمتد شمالا إلي المحيط المتجمد الشمالي فهناك مصدران للطاقة الأول المساقط المائية والمفاعلات النووية ولا يعتمدان علي البترول.. وكلاهما ينتجان الطاقة الكهربية دون أن يتسببا في إطلاق الغازات السامة التي تسبب التلوث. وقال بيرشون إن رؤيته في استخدام المزارع لإنتاج المواد الأولية للطاقة البديلة مثل الطاقة المصنعة من القمح والأشجار والحطب والمواد الأخري لا يمكن للولايات المتحدة دائما الاعتماد عليها.. وأضاف: في النهاية فكل الأمر يتعلق بالمياه لإمكانية وجود قطاع زراعي يصلح لتوليد مواد بديلة. وأضاف أن السويد هي الدولة الوحيدة التي لا تحتاج إلي إمدادات اصطناعية من الماء بعكس الصين والهند والولاياتالمتحدة ولذلك فربما لن يمكن أن يتم استنساخ كل شيء من السويد، وأشار إلي أن الأسباب السابق ذكرها تدعو السويد إلي أن تعرض نفسها كنموذج يحتذي به في مجال استخدام الطاقة. وفي أكتوبر الماضي علي سبيل المثال قالت مني سالين وزيرة التنمية المستدامة إن بلادها لديها الفرصة لتصدير الطاقة البديلة. والهدف هو تقليل الاعتماد علي الوقود بحلول عام 2020 وبحلول هذا الوقت لن يحتاج منزل إلي الوقود التقليدي للحصول علي التدفئة وبذلك لن يحتاج قائدو السيارات والدراجات البخارية إلي البترول وهو المصدر الوحيد الاَن وأشارت إلي أنه هدف جميل. وقال بيرشون إنه لو أمكن الانتهاء من الاعتماد علي البترول في 2023 فلن يتم اتهامنا بشيء. وبعكس بوش ولكن شأن معظم الزعماء الأوروبيين يخشي بيرشون من التغييرات المناخية وتأثيراتها المدمرة ما لم تنجح الصناعات في خفض العوادم والانبعاثات الضارة الناجمة عن ثاني أكسيد الكربون السام. وفي نفس السياق يعرب بيرشون عن اقتناعه من أن المصادر المجددة للطاقة ستكون مصدر ربح جيد للذين سيأخذون زمام المبادرة في إنتاج مصادر بديلة للطاقة. وأكد بيرشون أنه متشدد مع التغييرات المناخية في حين لا يفعل بوش ذلك بل لا يكترث. وعبر أوروبا تسعي الدول الأوروبية جاهدة لتقليل الاعتماد علي استخدامات البترول، ومن بين الاستخدامات البديلة توليد الطاقة من الرياح كما تجددت المناظرات في بريطانيا بشأن العودة لاستخدام الطاقة من المولدات النووية التي يعتبرها البعض تفتقد إلي معايير السلامة ولا يجب التوسع فيها كما أن لها نفايات.. إلا أن هذا الأمر أيضا غير اَمن فلا أحد يستطيع أن ينسي كارثة تشيرنوبل في أوكرانيا عندما تسرب المفاعل وأدي إلي كارثة بيئية لاتزال عواقبها موجودة حتي الاَن، كما أن الولاياتالمتحدة لم تقدم علي بناء مفاعل نووي منذ الثمانينيات لوقوع كارثة مماثلة في نفس العقد. ولذلك يمكن تقسيم الطاقة البديلة إلي بدائل اَمنة وبدائل غير اَمنة، أما الأولي فهي بالغة التكاليف علي المدي القصير علي الأقل، وأما الثانية فهي مكلفة أيضا فضلا عن كونها غير اَمنة. والأهم أن كلا من شركتي سابا وفولفو السويديتين المملوكتين لجنرال موتورز قامتا بتقديم سيارات تستخدم وقودا مصنعا من طاقة متجددة كما شرعت الكثير من شركات السيارات العالمية إلي إنتاج سيارات خلايا الوقود والسيارات المهجنة "الهجين" التي تستخدم الهيدروجين والماء إلا أن الأسعار لاتزال مرتفعة وهي تجارب في قيد التنفيذ تحتاج لبعض من الوقت. والأكثر خطورة أنه في الوقت الذي يدعو فيه الرئيس بوش إلي التوسع في استخدامات البترول بحجة ارتفاع الأسعار واَثاره الضارة يرفض التوقيع علي معاهدة "كيودو" الرامية إلي الحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض ومواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري التي تنذر بكارثة.