منذ عدة شهور دارت مشاورات أمريكية وإسرائيلية حول افضل بديل للرئيس السوري بشار الأسد بعد أن صارت الادارة الأمريكية تفكر في التخلص من الرئيس السوري. لكن المفاجأه ان الحكومة الأسرائيلية والاجهزة الأمنية والمخابراتيه الإسرائيلية تحفظت علي هذه الرغبة الأمريكية، خشية ان يقفز إلي السلطة في سوريا من ينتمون إلي تيار اسلامي متطرف يمكن ان يصبح اكثر خطرا علي إسرائيل، واقترح الإسرائيليون علي واشنطن ان تتخلي عن فكرة التخلص من بشار الأسد حاليا، وتكتفي بوضع الرئيس السوري تحت ضغط مستمر ومكثف لإجباره علي الانصياع لما تطالبه به الادارة الأمريكية. وهذا الشهر أعادت إسرائيل التأكيد علي هذا الموقف مع واشنطن، بعد ان إجري اريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي مشاورات مع عدد من المسئولين الأمنيين في إسرائيل حول هذا الأمر، وقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت احد نوت ان هذه المشاورات التي اشترك فيها وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس مجلس الأمن القومي وقادة اجهزة المخابرات انتهت إلي أن الوضع الامثل والافضل في سوريا بالنسبة لإسرائيل هو استمرار بشار الأسد في الحكم مع تكثيف الضغوط الأمريكية عليه... ويري هؤلاء المسئولون الإسرائيليون ان ازاحة بشار الأسد الآن من شأنه، كما تقول ذات الصحيفة أنه يزعزع المنطقة ويهدي حكم سوريا إلي عناصر اسلامية متطرفه ستدفع في اتجاه التصعيد في منطقة الحدود السورية الإسرائيلية التي سادها هدوء ملموس منذ تطبيق اتفاقية فصل القوات السورية الإسرائيلية بعد حرب اكتوبر. صحيح ان تقديرات اجهزة الأمن الإسرائيلية تعتقد ان السوريين سيحاولون تصعيد الجبهة الشمالية مع لبنان لتخفيف الضغوط الأمريكية الفرنسية عليهم، غير ان إسرائيل مستعده لمواجهة هذا التصعيد الذي سيكون من وجهه نظر قادة أمنها اقل خطورة من التصعيد علي الحدود السورية. كما ان استمرار الضغوط الدولية علي سوريا دون اسقاط رئيسها سيمنح إسرائيل فرصة للتخلص من الدخول في أيه مفاوضات مع سوريا للتوصل إلي ا تفاق سلام قد تضطر بموجبه اعادة الجولان إلي سوريا. ولذلك.. يعتقد الإسرائيليون ان الافضل بالنسبة لهم هو الاحتفاظ بالأسد، في حكم سوريا، مع الحرص علي بقائه في حالة ضعف دائما، وكان عنوان صحيفة يديعوت أحرونوت موحيا بالفعل حينما قال "أسد ضعيف مريح لنا"! وهنا كما تقول ذات الصحيفة، ان قادة الاجهزة الأمنية والمخابراتيه الإسرائيلية انتبهوا إلي أنه "محظور تأييد إسرائيل أولئك الذين يطالبون في واشنطن بازاحة الأسد.. ولكن يتعين علي إسرائيل ان تحرص علي ان يكون الأسد تحت ضغط مستمر". وهكذا.. يسعي الإسرائيليون لإنقاذ الأسد من محاولات الإطاحة به التي يدبرها له بعض الأمريكين الذين يعتقدون ان الرئيس السوري مسئول عن عدم الاستقرار في العراق وتأزم الموقف الأمريكي فيه بسبب تشجيعه لمدبري ومنفذي التفجيرات والاغتيالات في العراق، او علي الاقل عدم ملاحقتهم ومنعم من التسلل عبر الأراضي السورية إلي العراق، وهو ما أدي إلي زيادة الخسائر البشرية الأمريكية في العراق. ولكن.. في ذات الوقت سعي الإسرائيليون إلي تطويق النظام السوري بالاتهامات وإحكام هذ الاتهامات ضده، حينما ساعدوا ميليس في تعزيزشكوكة تجاه سوريا في جريمة اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء السابق، فقد قدموا له معلومات تربط اجهزة المخابرات السورية بهذه الجريمة والهدف الإسرائيلي هو تكثيف الضغوط علي سوريا وعلي الرئيس بشار الأسد حتي يظل ضعيفا ومشغولا دائما بمصيره ومصير نظام حكمه، فلا يفكر في امر الجولان الآن ولفترة طويله قادمة. وهكذا.. تصر إسرائيل دائما علي ان تساهم في صياغة السياسه الأمريكية تجاه الدول العربية ودول منطقة الشرق الاوسط. في العراق فعلت ذلك، وظلت تحرض واشنطن حتي تقوم بغزوه وتطيح بنظامه وتفقده قدراته العسكرية الكبيرة.. وها هي الآن تلعب نفس الدور تجاه سوريا ولكن بطريقة أخري، خاصة بعد ان اكتشفت ان سقوط صدام اهدي الحكم لمن تربطهم صلات وصداقات بايران، ولذلك غيرت تكتيكها هذ المرة بعدم الأطاحة بالنظام السوري، ولكن مع الاحتفاظ به ضعيفا بشكل مستمر لتموت تدريجيا قضية الجولان المحتل، او علي الاقل يتم تأجيلها لسنوات طويله، وذلك خشية ان يتكرر نفس السيناريو الذي حدث في العراق ليأتي بعد الأسد أصدقاء جدد آخرون لايران يشكلون خطرا علي إسرائيل. والمثير ان الإسرائيليين يجاهرون بذلك، ولا يخفون انهم يتدخلون لصياغة السياسة الأمريكية تجاه الدول العربية ودول منطقة الشرق الاوسط.. وها هي الصحافه الإسرايئلية تخوض في ذلك الامر بشكل دائم ومستمر، وحرصت علي ان تكشف مبكرا جدا امر المشاورات الأمريكية الإسرائيلية حول الاسماء البديلة للأسد التي تبحث عنها واشنطن ليتولي حكم سوريا، وحرصت ايضا الصحافه الإسرائيلية علي ان تكشف التحفظ الإسرائيلي علي الاطاحه بالنظام السوري في الوقت الحالي. ولا يمكن ان نفسر ذلك بأنه انفلات امني اومهاره صحفية، ولكنه علي العكس تماما أمر او تسريب متعمد لإعلام كل من يعنيه الأمر في المنطقة العربية ان إسرائيل لها كلمتها في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وعلي من يبغي ارضاء واشنطن او عدم اغضابها ان يراعي اولا ارضاء اسرائيل اوعدم إغضابها. وهذه الرسالة الإسرائيلية وصلت بالفعل لمن يعنيهم الامر في المنطقة، وعرفوا ان الطريق إلي واشنطن يمر اولا عبر تل أبيب. وهنا يمكن ان تفهم كثير من التصرفات السياسية لعدد من الحكومات العربية، واصرارها علي فتح جسور مع إسرائيل والاحتفاظ بقنوات تشاور سريه وعلنيه معها، رغم ان قرارات القمة العربية ربطت تطبيع العلاقات العربية والإسرائيلية بالتوصل إلي تسوية فلسطينية اسرائيلية، واقامة الدوله الفلسطينية وانهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية. أما بالنسبة للحاله السورية علي وجه التحديد فان ثمة هدفا اخر اضافي تبغي تحقيقه إسرائيل باعلانها انها لا توافق علي الاطاحه بالرئيس السوري بشار الأسد حاليا كما يسعي إلي ذلك البعض في واشنطن.. وهذا الهدف هو انها هي وليس غيرها التي تحميه من مصير الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهذا يمثل - اكبر الضغوط النفسيه والمعنوية علي الرئيس السوري! فهل هناك ما هو أخبث من ذلك؟!