تعيش تونس حالة خاصة تتركز فيها الجهود علي التنمية وتحقيق الاستقرار والتطوير، ووسط ذلك بدا وكأنها أنقذت نفسها بنفسها من رياح العولمة المتسارعة التي وصفها "هيرفي دي شاريت" وزير خارجية فرنسا السابق بأنها أصبحت تسونامي يعبث بكل العالم، ومن ثم بدت تونس واحة للعمل البناء، فلقد استفادت ما أمكن من إيجابيات العولمة وبكل ما يحقق مصلحة الوطن والمواطن ونأت بنفسها بعيداً عن مخاطرها. دور طليعي.. إن أي زائر لتونس يستطيع أن يري بنفسه كيف أنها نجحت في ترسيخ دور طليعي للدولة لدعم سياسات التنمية والاستقرار السياسي وحماية التوازنات الاقتصادية والاجتماعية فأثبتت وبجدارة قدرتها علي تطوير دورها وباتت بذلك أكثر قدرة علي التنافس في مجال تعزيز قدرة مؤسساتها الاقتصادية وبناء الإنسان، نجحت تونس منذ الاستقلال وحتي الآن في أن تحقق استقراراً سياسياً وتطوراً مجتمعياً انعكس في مناح كثيرة كان منها ما رأيناه في مجال المساواة بين المرأة والرجل وما رأيناه في مجال التعليم وفي كسب المعركة مع التنمية. قمة المرحلة الثانية.. واليوم الاربعاء تفتتح في تونس وحتي الثامن عشر من الشهر الحالي القمة العالمية لمجتمع المعلومات في مرحلتها الثانية التي تأتي بوصفها قمة الحلول لقضايا ظلت عالقة منذ انعقاد المرحلة الأولي في جينيف سنة ،2003 قمة تونس تشكل حدثاً كبيراً حيث يشارك فيها 67 رئيس دولة وحكومة بالإضافة إلي أحد عشر ألف شخصية، ويعقد علي هامشها معرض تشارك فيه مؤسسة ميكروسوفت وجل الشركات الأمريكية واليابانية والفرنسية وعلي رأسها "فرانس تليكوم" والبريطانية وتتصدرها "بريتش تليكوم" ومن مصر تشارك "أوراسكوم"، وتطرح هذه الشركات اكتشافات علمية وتكنولوجية جديدة في مجال المعلومات والحواسيب والإنترنت، وإذا كانت قمة "جينيف" قد سلطت الضوء علي الاشكاليات في مجال المعلومات فان قمة تونس تعقد من أجل تقديم الحلول بالإضافة إلي أنها تولي أهمية بالغة بالقطاع الخاص بالتعاون مع الاتحاد العالمي للاتصالات. تمويل تونس.. لقد شاهدت علي الطبيعة التحضيرات اللوجستية والمادية لقمة المعلومات والمساحات الشاسعة التي خصصت لها وللمعرض الذي سيقام خلال انعقادها حيث تم تجهيزه بأحدث الإمكانيات وزودت قاعاته بكل ما تحتاجه، أما التمويل فاعتمد علي ميزانية الدولة حيث رصدت تونس من أجل القمة ميزانية ضخمة تبلغ مئات الملايين وبالتالي لم تحصل علي أي تمويل من الأممالمتحدة أو من الاتحاد العالمي للاتصالات. ردم الهوة الرقمية يكتسب انعقاد القمة العالمية للمعلومات أهمية خاصة بالنسبة لتونس صاحبة الفكرة ولاشك أنها من خلال احتضانها هذا الحدث سيتم تسليط الضوء عليها كدولة قادرة علي التواصل مع العالم وعلي مواكبة كل جديد، ولعل أحد أهم ما يتضمنه جدول أعمال القمة هو قضية ردم الهوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، وذلك أن وسائل الاتصال الحديثة والتطور التكنولوجي المذهل الذي تتمتع به الدول المتقدمة والمعروف اختصاراً بمجتمع المعلومات قد منح هذه الدول سلاحاً يمكنها من امتلاك ناحية العلوم والتكنولوجيا الحديثة وبالتالي توظيف المعلومة في تحصيل المزيد من المكاسب والمصالح في اقتصاد عالمي مفتوح مما يزيدها ثراءً، وما من شك في أن احتضان تونس لهذه القمة سيمكنها من الاستفادة من التحولات العالمية والتطور العلمي والتكنولوجي بصورة تدعم جهود التنمية داخلها وتعزز فرص الاستقرار فيها وتقطع الطريق علي مشاعر اليأس والاحتقان والحقد وهي المشاعر التي تولد الحرمان والفقر والتهميش. موقع علي الخريطة.. إن قمة تونس العالمية للمعلومات ليست إلا معلماً علي أن الدولة بدأت تعكس مكانة مرموقة في المحافل الدولية، وجاء انعقادها اليوم غداة الاحتفال بالذكري الثامنة عشرة للتحول في السابع من نوفمبر لتكون بمثابة مناسبة تختزل في طياتها قرابة عقدين من القرارات والإجراءات المتواصلة لبناء تونس المستقبل والأخذ بيد الشعب التونسي للانطلاق نحو احتلال موقع متميز علي خريطة العالم المتحضر، ولا أدل علي ذلك من أن الأممالمتحدة واعترافاً منها وتقديراً لقدرات تونس قد أقرت استضافتها للقمة العالمية لمجتمع المعلومات في دورتها الثانية في أحد أهم وأكبر الأحداث علي المستوي الدولي. قمة الحلول والبدائل تعد القمة امتداداً لجهود تونس في إرساء مفاهيم التنمية والتضامن وفرصة لتسليط الضوء علي تونس دولياً وإبرازها كنموذج في مجتمع المعلومات، لقد شقت تونس طريقها بعيداً عن الارتجال والمغامرة نحو عقد قمة عالمية للمعلومات فجاءت لتبدد عتمة عالم تسوده الفوارق التنموية بين الدول ولتعكس رؤية استراتيجية لايجاد الحلول والبدائل لكثير من القضايا والتي يأتي في مقدمتها الفجوة الرقمية بين دول الشمال والجنوب وتذليل العوائق التي تحول دون ذلك، جاءت القمة من أجل ترسيخ مفهوم ناجح لمجتمع المعرفة وللتأكيد علي حرص تونس علي التواصل مع العالم كله، ولعل الهدف الرئيسي من وراء ذلك كله هو بناء مجتمع معلومات عادل يساهم في خدمة المجتمع والتنمية مع تبسيط وتسهيل استخدام تكنولوجيا المعلومات.