بدا منذ الخميس الماضي وكأن هناك شبه اتفاق بين حكومة شارون والسلطة الفلسطينية علي ضرورة احتواء "حماس" عندما بادرت قوات الأمن الفلسطينية باطلاق النار علي عناصر من الحركة ومنعهم من اطلاق صواريخ قسام علي المستوطنات الاسرائيلية وتزامن مع ذلك غارات قامت بها إسرائيل علي غزة ونابلس أسفرت عن سقوط قتلي وجرحي. وجاءت تصريحات أحد وزراء السلطة الفلسطينية كي تشي بالتفاهم غير المعلن بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية بالنسبة لتصنيف حماس كخطر داهم علي الجميع، لقد أعلن أن حماس تهييء نفسها لكي تصبح امارة اسلامية في غزة وأنها تسعي لتقويض السلطة الفلسطينية وتتنافس معها علي أساس مقولة مفادها أن الأرض هي للسواعد التي تحررها!! أي أن المسئول الفلسطيني بذلك أراد تصوير حماس وكأنها بصدد خوض معركة علي الأرض لتثبيت الوجود والغاء الطرف الآخر ممثلا في السلطة الفلسطينية وتحريك بوادر معركة بدأت في الظهور من أجل شحذ الفئوية وتغليبها علي الوحدة الفلسطينية. مهمة احتواء حماس لم تجد السلطة الفلسطينية أمامها إلا تحميل حماس مغبة الأحداث الأخيرة، فعندما فشلت السلطة بامكاناتها العسكرية شبه المعدومة سارعت إسرائيل فتحركت لاكمال المهمة لاسيما في أعقاب عملية ناتانيا في الثاني عشر من الشهر الحالي التي أسفرت عن مقتل خمسة إسرائيليين وهكذا انهارت حالة التهدئة وانهار معها اتفاق القاهرة بيد أن السلطة الفلسطينية تعاملت مع الموقف من خلال طرف واحد (وهو المقاومة) حاولت الضغط عليه لوقف عملياته ضد إسرائيل بينما تغاضت عما تقوم به إسرائيل بوصفها المسئول الأول عن انهيار التهدئة حيث لم تلتزم بها ومن ثم كان رد الفعل الطبيعي هو اطلاق المقاومة صواريخ القسام علي المستوطنات الاسرائيلية كحد أدني للرد علي خروقات إسرائيل الكثيرة من استيطان وحصار وحواجز واعتقالات واغتيالات بالاضافة إلي القرار الذي اتخذته حكومة شارون في العاشر من الشهر الحالي بتسريع بناء الجدار في محيط القدسالشرقية وتحديد الأول من سبتمبر القادم كحد أقصي للانتهاء منه وهو ما يعني تهويد القدس وعزلها كلية عن الفلسطينيين والمفارقة أن يأتي هذا القرار عشية مرور عام علي قرار محكمة العدل الدولية في التاسع من يوليو من العام الماضي بعدم شرعية الجدار والمطالبة بهدمه. رؤي متناغمة...! وخلافا لما بدا لكل منصف من أن المقاومة الفلسطينية علي حق ازاء حملة إسرائيل التصعيدية تلك وأنه كان يتعين عليها الدفاع عن نفسها فإن السلطة الفلسطينية كانت لها رؤية مغايرة تناغمت إلي حد كبير مع رؤية الاحتلال إلي الحد الذي خرج معه وزير الداخلية الفلسطيني من التعاطي الايجابي الخميس الماضي عندما أمر قواته باطلاق النار علي عناصر من حماس!! وجاء التحرك الأمريكي ليتناغم مع موقف كل من السلطة الفلسطينية وحكومة شارون عندما دخلت كوندوليزا رايس علي الخط واتصلت هاتفيا بالطرفين وطالبتهما بوضع حد للعنف واتخذت قرارا بزيارة المنطقة وما من شك في أن أمريكا يهمها تنفيذ خطة شارون التي تعني الانسحاب من غزة والتي تمثل صفقة مزدوجة لاسرائيل وإدارة بوش، فهي ترفع عبئا أمنيا وماليا عن إسرائيل كي تتفرغ لمشاريعها الرامية إلي تهويد القدس والضفة ومن ناحية أخري تمنح إدارة بوش واجهة للنجاح هي في حاجة لها للتغطية علي فشلها في العراق ولا أدل علي ذلك من أن الانسحاب من غزة إذا جري سيتم وفق معايير إسرائيلية وسيتم في إطار عملية منفصلة تأتي تطبيقا لخطة شارون وأبعد ما تكون عن خريطة الطريق. عباس وحق العودة نجحت إسرائيل حتي الآن في استدراج السلطة الفلسطينية إلي وضع شبه تصادمي مع المقاومة أدي إلي توسيع الفجوة بينهما في ظل الظروف والتوترات الأمنية الحالية التي يصنعها الاحتلال ويتخذ منها ذريعة لاستمرار عملياته العسكرية ضد الفلسطينيين تحت دعوي الرد علي العمليات الهجومية التي تقوم بها عناصر من المقاومة ضد المستوطنات الاسرائيلية ونجحت إسرائيل في تعبئة محمود عباس بضرورة كبح جماح المقاومة وملاحقة الأمن الفلسطيني لكوادرها واعتقالهم تحت دعوي السيطرة علي الموقف وما من شك في أنه هذا سيؤدي تلقائيا إلي تقويض دور الفصائل الفلسطينية في أية مفاوضات تتعلق بعملية السلام مع إسرائيل، فالهدف هو تنحية المقاومة كلية عن الساحة وابعادها عن أي وضع تفاوضي خاصة الذي يتعلق بأجندة مفاوضات الوضع النهائي التي تضم القدس والمستوطنات والحدود وحق اللاجئين الذي أسقطه محمود عباس دون أن يدري عندما حث العرب في الثاني عشر من الشهر الحالي علي منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين في بلادهم وكأنه يستبق الوقائع ويدعو مباشرة إلي توطين الفلسطينيين في الدول العربية التي يتواجدون بها وهو نفس ما أرادته أمريكا باستصدار القرار 1559 في الثالث من سبتمبر من العام الماضي فدعوة عباس إلي ذلك الآن لا يمكن تفسيرها إلا بأنها خطوة تأتي توطئة لاسقاط حق العودة.