ونحن نودع عام 2005 لنستقبل عاماً جديداً بدايته الأحد القادم نستدعي الأحداث التي تسارعت خلال العام الذي يلملم أوراقه، البداية استهلها محمود عباس بفوزه برئاسة السلطة الفلسطينية بيد أن تجربة عباس خلال عام كامل أثبتت أن وعوده لم يتحقق بالنسبة لحفظ الأمن والأمان واعطاء المواطن كل حقوقه وحفظ النظام العام، سادت الفوضي وشاع الانفلات الأمني وجمد التفاوض مع إسرائيل وأطلعتنا الأحداث علي أن قيادة عباس لدفة الحكم لم تكن سهلة، وبعد شهرين من تولي عباس السلطة طالب المجلس التشريعي باستقالة الحكومة خاصة أنها لم تفز بالثقة، فبادر أحمد قريع بتشكيل حكومة من التكنوقراط. تفاهمات القاهرة في محاولة للقضاء علي ظاهرة تدهور الوضع الأمني جاءت تفاهمات القاهرة كي تعطي بصيص أمل لتحسن الوضع، فعقدت قمة شرم الشيخ في 8 فبراير وتم خلالها تثبيت وقف اطلاق النار واتخذ قرار بإعادة سفيري مصر والأردن إلي تل أبيب تعزيزاً للثقة، ليعقبها ما سمي بتفاهمات القاهرة في الحوار بين الفصائل الفلسطينية الذي عقد في 17 مارس الماضي وتم خلاله الاتفاق علي التهدئة حتي نهاية العام وتزامن معه وصول السفير المصري إلي تل أبيب، غير أن الوضع علي الأرض لم يتحسن والسبب ان اسرائيل ظلت علي ممارساتها في اجتياح المدن الفلسطينية واغتيال عناصر المقاومة من رجال حماس والجهاد وفي مقابل إخلاء أربع مستوطنات في الضفة قامت اسرائيل بتوسيع المستوطنات كعامل تعويضي عما تراءي لها بأنها فقدته. نجاحات حماس شهد عام 2005 قبل نهايته نجاحات منقطعة النظير لحماس في الانتخابات المحلية ولهذا سارع البيت الأبيض وسارعت معه الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي ليحذروا جميعاً من فوز حماس في الانتخابات البلدية التي جرت مؤخرا وهددوا بقطع المعونة إذا حدث وأدرجت حماس في السلطة أو شاركت في الانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها حتي الآن في 25 من الشهر القادم فيما لو لم يتخذ قرار بإرجائها، وما من شك في أن محاولة ضرب الانتخابات الفلسطينية ستمثل إجهاضاً للشرعية السياسية الفلسطينية والولوج في شريعة الغاب. علام القلق؟ لاشك أن حركة فتح اليوم تخشي الهزيمة إذا ما واجهت حماس بسبب النزاعات والصراعات الداخلية خاصة مع ما نشرته بعض الاستطلاعات من امكانية حصول حماس علي ثلثي مقاعد المجلس التشريعي القادم المكون من 132 مقعداً بسبب الفساد الذي يسود أوساط فتح والانفلات الأمني الذي يتهمها البعض بتشجيعه، علي حين تدعو حماس إلي محاربة الفساد والمحسوبية المتفشية في السلطة، ولا يجب أن يدفع هذا القلق السلطة إلي تأجيل الانتخابات كما تردد مؤخراً وانما يتعين عليها اليوم اجراء الانتخابات في موعدها بوصف أن هذا سيؤدي إلي اعتدال الفصائل المتشددة وانهاء فوضي السلاح والغليان الأمني ومنع العنف ضد اسرائيل. وعليه لا يجد المرء هنا مدعاة للقلق الأمريكي حيال حماس والقلق الأوروبي الذي صاحبه التهديد بقطع المعونة. وهم باعته إسرائيل للعالم؟ وكأنما أبت حكومة شارون ألا ينتهي عام 2005 دون ان تسحب البساط من تحت الخطوة التي أقدمت عليها في سبتمبر الماضي وخدعت العالم بها والتي اطلقت عليها خطة الفصل الأحادي وبموجبها تم الانسحاب من غزة في سبتمبر الماضي، غير أن ما يحدث علي أرض الواقع يشي بالحقيقة التي تقول بأن الوضع مازال علي ما هو عليه وكأن اسرائيل لم تنسحب من غزة البتة، فلقد اثبتت انها كانت ولا تزال قوة احتلال عسكري لغزة وهي التي تتحكم عمليا وقانونيا في حياة السكان والبضائع، ومعني هذا أن خطة الانفصال من طرف واحد لم تكن إلاً تكريساً لفكرة عدم وجود شريك فلسطيني سياسي، أي أن اسرائيل باعت الوهم للعالم بما أسمته انسحاباً والذي لم يكن كذلك علي أرض الواقع، فلقد ازداد الوضع سوءاًَ حيث فصل القطاع عن الضفة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وأصبح لاسرائيل اليد الطولي علي معبر رفح بالكامل بعد أن باتت تتحكم فيه عبر أجهزة الفيديو والكمبيوتر والمراقبين الدوليين واقتصر المرور في المعبر علي حملة الرقم الوطني الذي مازال الاحتلال يتحكم فيه وبالتالي باتت اسرائيل هي التي تحدد من يدخل ومن لا يدخل عبر الممر، وأكد هذا بأن ما حدث لم يكن إلا فرية وفي ضوئه لا يمكن الادعاء بأن غزة قد تم تحريرها وبأن الاحتلال الاسرائيلي قد أجلي عنها. حل وفق الرؤية الاسرائيلية استطاع شارون بخطة الفصل الأحادي أن يصرف الأنظار بعيداً عن القضايا الأساسية في الضفة بما فيها القدس، ولا أدل علي ذلك من أنه لم يعد هناك أحد يتحدث عنها ولا عن التطهير العرقي للفلسطينيين بها ولا عن تهديدها ولا عن الجدار الفاصل الذي أصرت اسرائيل علي المضي في بنائه رغم قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم مشروعيته وهو الجدار الذي من المقرر ان يستكمل بناؤه حول القدس خلال أيام وربما قبل نهاية عام 2005 الذي لم يبق عليه سوي ثلاثة أيام، وهكذا تمكنت اسرائيل من ترسيخه كحقيقة واقعة بالاضافة إلي الاستيطان الذي يتسع رأسيا وافقياً، لقد نجح شارون في تحقيق هدفه النهائي وهو فرض حل أحادي الجانب أي حل وفق الرؤية الاسرائيلية من خلال ما سمي بخطة الانفصال طويلة الأمد التي جاءت لتفرض الوقائع التي تريدها إسرائيل علي الأرض. حزام أمني واليوم وقبل رحيل العام وافق شارون علي اقامة حزام أمني في شمال القطاع وآخر في الجنوب بذريعة وقف عمليات اطلاق صواريخ القسام باتجاه المستوطنات الاسرائيلية داخل ما يسمي بالخط الأخضر، الحزام الأمني يأتي علي غرار الحزام الذي أقيم في جنوب لبنان، بل إن البعض طالب بشن عدوان أرضي علي غزة علي غرار العدوان الذي شنه شارون علي الضفة والذي أسمته اسرائيل عملية السور الواقي، فكرة الحزام هذه قديمة كانت اسرائيل قد تحدثت عنها قبل انسحابها من غزة في سبتمبر الماضي ولاشك ان المنطقة العازلة هذه تشكك عدوانا صارخا ينتقص من السيادة الفلسطينية وتزيد من حالة الاحتقان وتعيد دوامة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي إلي نقطة الصفر.