النص علي حرية مطلقة للفن والإبداع عبارة «وفقا لأحكام القانون» تؤدي إلي الجحيم وإفراغ الحق من مضمونه ما هي ملامح الدستور القادم، بعد أن تم استبعاد معظم عناصر الأمة بتياراتها الفكرية المتباينة في لجنة صياغته؟ وما هو الدور المنوط بالمثقفين تجاه صياغة الدستور؟ وهل يمكن أن يشارك المثقفون في إرساء قواعد دستورية تتعلق بالشأن الثقافي؟ وماذا ينتظر المبدعون من الدستور الجديد؟ وما هي الضمانات التي يكفلها الدستور لحماية حقوق المصريين، وحقوق المرأة، وحرية الإبداع؟ وهل هناك سبل حماية التراث الحضاري والثقافي؟ وهل سيتم الاعتماد علي الدساتير السابقة التي أقرت في مصر منذ عام 1923، حتي دستور 1971؟ هذه التساؤلات نطرحهاب عدن سيطرة التيار الإسلامي علي تلك اللجنة، ومن ثم ينتهي الحال لما هو اخطر وأسوأ مما كان؟ في التحقيق التالي، أسئلة وتخوفات مشروعة، وأمنيات بدستور يضمن الحريات الشخصية والفكرية والعقائدية والسياسية. المخرج السينمائي الدكتور علي الغزولي يقول إن دستور 71 يتضمن في أبوابة الأربعة الأولي مبادئ الحقوق والحريات العامة وهي معظم ما نصت عليه المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان، وهي بالطبع لا يختلف عليها أحد لأتها تحمي التراث والثقافة والآثار والإبداع، وأخشي ما أخشاه بعد إسقاط الدستور وتصريحات السلفيين التي نادت بتغطية التماثيل، وتجريم أدب نجيب محفوظ، والاتهامات الموجهة للفنان عادل إمام، ووقف السياحة الشاطئية، أن تمس تلك النصوص التي تكفل حرية الإبداع لذا يجب أن تضم لجنة المائة نسبة لا بأس بها من الفنانين والمبدعين للحد من التوجهات السلفية ولحماية الدستور من أفكار التيارات الرجعية، وللتصدي لأي محاولات من جانبهم لإصدار أي تشريعات ضد الثقافة أو الإبداع، والتأكيد علي عدم المساس بالمنجزات الحضارية وكل ما يتعلق بالانفتاح والتنوير. في ظل دولة مدنية حديثة، تجرم الطائفية، وتؤمن بحق المواطنة، علي أن تكون هناك حرية مطلقة للفن والإبداع. عناصر المجتمع صاغ دستور 54 أساطين وأئمة الفكر القانوني والثقافي في مصر ومن بينهم عبد الرزاق السنهوري أحد أعلام الفقه والقانون، وعميد الأدب العربي طه حسين، والمفكر عبد الرحمن بدوي، والمحامي اليهودي المصري زكي عريبي، هذا ما أكده شيخ النقاد الدكتور عبد المنعم تليمه، وأضاف كان يجب أن ندقق بعناية في اختيار لجنة المائة، لأن الخطوة الأولي هي تلك الجمعية التي ستضع الدستور، وكان يجب ألا يغيب عنها عنصر واحد من عناصر المجتمع، تحديدا المجتمع المدني والأهلي يجب أن يكونا في الصدارة، فضلا عن الأحزاب السياسية والمنظمات الديمقراطية المستقلة، والجمعيات التأسيسية المنتخبة، والمؤسسات الرسمية الحكومية في صدارتها الجامعات والمؤسسات الدينية الإسلامية والقبطية، والمؤسسات العسكرية والشرطية والقضائية، لتعبر عن كل عناصر الأمة وتياراتها الفكرية. وحول المحتوي ومضمون الدستور يقول د. تليمه إنه الأمر الأخطر، لأنه يجب الاهتمام بالتأكيد علي مجتمع التوافق، وعلي إقامة دولة مدنية ديمقراطية عصرية حديثة، وذلك بالطبع يتنافي مع ضيق الأفق والتكتلات التي تسعي إلي شق صفوف الأمة، مشيرا أن الدستور القديم به باب كامل يتعلق بالحريات الشخصية والعامة والسياسية مرورا بحرية الإبداع والاجتهاد والبحث العلمي، وحرية التنظيم وتأسيس المنابر الحرة وحرية التفسير والتأويل. ثوار يناير يعد الدستور بمثابة تجلي للحالة السياسية، وحصاد للنشاط السياسي والاجتماعي، هذا ما أكده الكاتب والمفكر والمترجم شوقي جلال، وأضاف: يعبر الدستور عن طبيعة الحياة الفكرية والقوي المتصارعة من أبناء هذا الوطن. مشيرا إلي أن جوهر المشكلة يكمن في أن مصر عاشت من دون حياة سياسية، حيث كانت الكلمة العليا لصاحب السلطة، وذلك الأمر استمر لأكثر من نصف قرن من الزمان!! إنها المرة الأولي في تاريخ مصر التي يصاغ فيها الدستور بعيدا عن أيادي السلطة، لكن السؤال الحائر الذي يطرح نفسه بقوة عن من سيعبر هذا الدستور؟ خاصة حينما نقارن بين وضع مهيض سياسيا واقتصاديا وثقافيا في مصر الآن، وتطلعات سابقة عاشتها مصر في ظل حراك سياسي أدي إلي دستور 23 و54، علاوة علي النظر إلي بعض البلدان المتقدمة، وما يتاح فيها من قواعد دستورية راسخة. يري جلال أن ما يضاعف من الأزمة أن القوي التي بات لها الغلبة في البرلمان لها رؤيتها الخاصة التي تتنافي مع ما كانت علية مصر إبان دستور 23، وعن آمال القوي التقدمية في المجتمع, بالتالي فإن الصراع الآن بين المؤسسة الوحيدة المنظمة وهي السلطة العسكرية من جانب وما تراه من ضرورة تأسيس دستور لدولة مدنية، والاتجاه صاحب الغلبة في مجلس الشعب والذي يقتصر طموحه علي صورة اجتماعية مغايرة تماما للرؤية التنويرية المتقدمة. يشدد جلال علي أهمية دور المثقف في المرحلة الراهنة، وأن تكون وظيفته هي تنوير المجتمع وإرشاده نحو آفاق التقدم والحرية، لأن بعض المثقفين تقع عليهم مسئولية النكسة الحضارية التي عاشتها مصر نظرا لخضوعهم لأهواء السلطة علي مدي العقود الخمسة الأخيرة، وأتصور أن هناك ضرورة حتمية لمشاركة ثوار 25يناير في وضع الدستور وأن تتاح لهم حرية التنظيم الحزبي، فهم حملة الراية نحو التغيير، وأري أنه بفضل الجهود الثقافية التنويرية يصبح المجتمع مهيئا لتحولات جديدة، منها وضع دستور ملائم، مثلما كان الحال في اليابان والصين، وأوروبا قبل ذلك. حتي لا نجد أنفسنا في واقع لا يختلف عما هو في السودان أو العراق أو أفغانستان. حرية التعبير المونتيره والناقدة صفاء الليثي تقول كان يجب أن يشارك المبدعون والمفكرون في قلب لجنة صياغة الدستور، علي سبيل المثال لا الحصر الأديب الكبير بهاء طاهر، والمخرج داود عبد السيد، والدكتور حسام عيسي، وكان يجب أن تشارك المرأة بنسبة جيدة في لجنة المائة سواء كن أديبات أو شاعرات أو ناشطات، خاصة أن دور المرأة أخذ في التراجع في الحياة السياسية وفي النقابات والبرلمان، علي الرغم من أن مشاركة المرأة الايجابية في الانتخابات، والتي جاءت أعلي من مشاركة الرجل! لذا فأنا مع الكوتة. وأري ضرورة الاهتمام بالنصوص التي تتعلق بحرية التعبير والاعتقاد، وبالشأن الثقافي وحرية الإبداع، وضرورة أن تدرج الفنون في التعليم، علي سبيل المثال نجد العراق تدرس السينما في مدارسها، وهناك نجد المخرجين المصريين يدرسون الإخراج السينمائي! الأمر ذاته في ايطاليا وفي العديد من البلدان الحريصة علي تقدم وتطور ورقي أبنائها. الإرادة الشعبية يصف دكتور صلاح قنصوه أستاذ علم الجمال بأكاديمية الفنون المشهد السياسي الراهن بأنه مسرحية مكتوبة ومرسومة بدقة بما فيها غلبة التيار الإسلامي، مؤكدا أن ما يحدث في الشارع المصري بعيدا كل البعد عن الإرادة الشعبية، وفيما يخص الدستور يقول: كان يجب أن تضم لجنة المائة كبار فقهاء الدستور وفي مقدمتهم الفقيه القانوني ثروت بدوي، وممثلون عن النقابات المهنية، والسينمائية والمسرحية، والجمعيات النسائية، وممثلو الاتحادات وعلي وجه الخصوص اتحاد الكتاب، نحن ندافع عن كل ما يحرر الإبداع من أي سلطات قمعية. لذا يجب أن نضمن عدم الانحراف عن المقاصد الأصلية للدستور، وأتمني أن تحذف من الدستور عبارة "وفقا لأحكام القانون" لأنها مدخل للجحيم والديكتاتورية، ومن خلالها ترتكب الكوارث، وتستغل لصالح الحكام، ويترتب عليها إفراغ النص الدستوري من مضمونه.