يقول د. إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الدور السياسي للمثقف يختلف من دولة إلي أخري وذلك وفقا للبيئة والظروف السياسية وشكل نظام الحكم ومدي التوجه الديمقراطي في النظام, ولذلك فإن الدور السياسي للمثقف يتزايد ويزدهر في حالة النظام الديمقراطي ويتراجع ويضعف في ظل النظم السلطوية ويمكن تفسير ذلك في حالة النظم السلطوية بأن تلك النظم تنظر للمثقف نظرة تتسم بالشك والريبة وتحاول قمع الدور السياسي للمثقف وينحصر دور المثقف الذي يريد ممارسة السياسة والإنغماس فيها في الدور التبريري لممارسات وسياسات النظام وذلك بدلا من ممارسة الدور التنويري الذي يفترض أن يمارسه المثقف في مجتمعه. وتصدق هذه الأفكار في مراحل مختلفة من مراحل تطور النظام السياسي المصري, ففي العهد الليبرالي(3291 2591) تزايد الدور السياسي للمثقف في مصر سواء علي المستوي النظري والإبداعي ووضح ذلك في الأعمال الإبداعية المختلفة من رواية ومسرح ومقالات سياسية, أو علي مستوي الممارسة السياسية الفعلية في شكل نشاط سياسي وحزبي أو عضوية البرلمان وممارسة فعلية للدور الرقابي والتشريعي وبأعلي درجة من الكفاءة والإقتدار ويمكن الإشارة إلي العملاق محمود عباس العقاد, كما أن مجلس النواب كان يضم العديد من المثقفين وكذلك مجلس الوزراء حيث تولي المنصب الوزاري عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين, كما كانت خطب العديد من السياسيين في تلك المرحلة تعتبر قطعا أدبية وتعبر عن مقدرة وموهبة أدبية وثقافية إضافة الي اهميتها السياسية. وحدث تغير في ملامح هذه الصورة في فترات الحكم السلطوي وبصفة خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة حيث تراجع الي حد كبير الدور السياسي للمثقف ويمكن القول إنه كانت هناك سياسة ممنهجة لاستبعاد وإقصاء المثقفين من ممارسة الدور السياسي بمستوياته المختلفة سواء من المؤسسة التشريعية أو الوزارة ويمكن تفسير ذلك بعدة عوامل من أهمها الهرم الاجتماعي المقلوب والذي أدي إلي أن تصبح الكلمة العليا لأصحاب رأس المال علي حساب قيم العلم والثقافة والكفاءة, فكانت عضوية البرلمان متاحة للأثرياء علي حساب المثقفين حيث يمكن لأصحاب الأموال حشد البلطجية لتزوير الانتخابات والإنفاق علي الدعاية الإنتخابية وهو مالا يستطيعه المثقف, وحدث التزاوج بين المال والسلطة علي حساب المثقفين وفي ظل هذا الجو الاقصائي للمقفين وفي ظل تجريف وإنكماش الطبقة الوسطي والتي ينتمي إليها أغلب المثقفين وتراجع الاهتمام بالثقافة والمثقفين وعدم رغبة السلطة في الاستماع لأفكارهم كان من الطبيعي أن يكون الدور السياسي للمثقف شديد المحدودية إلا لنوعيات معينة علي هوي السلطة. ومن المتوقع نتيجة للتغيرات السياسية والإجتماعية التي تشهدها مصر عقب ثورة52 يناير أن يتزايد الدور السياسي للمثقف في مصر وأن يعود مرة أخري الي ممارسة دوره الصحيح والمفترض في تنوير المجتمع وقد يكون أحد المداخل المهمة لتحقيق ذلك هو وجود تمثيل ملائم للمثقفين في اللجنة التأسيسية للدستور والتي من المتوقع أن تمثل فيها مختلف فئات وقطاعات المجتمع المصري وأطيافه السياسية. الدستور وجهة حضارية ويشير الدكتور محمود حمدي عبد الغني أستاذ الانثربولوجيا بكلية الآداب جامعة الاسكندرية إلي أن الدستور لم يكن في يوم من الأيام مفردة مادية أو دينية أو شرعية كما يفهمه البعض, ولكن الدستور مفردة إنسانية عامة في معناها ومقصدها, لاعتبار مهم وهو أن الدستور لاينتهي أبدا إلي الصفوة الدينية أو القانونية أو النخبة التي في أيديها مقاليد البلاد كما يظن البعض ولكنه ينتهي عند المحكومين, ويتداخل الدستور في مقصده العام وفي عمله مع الحضارة والتاريخ البشري باعتبار أن مواد الدستور يجب أن تكون مواد حضارية من الطراز الأول, تخدم اللحظة المعاصرة التي نعيشها, لأنها تنسق لمفاهيم الحقوق والواجبات للأمة بأكملها وتربط بينها, ومن هنا فمن الواجب ان يكون القائمون علي صياغة الدستور من الصفوة المجتمعية ككل, من العلماء في كل التخصصات حتي التخصصات الدقيقة كالتخصصات الطبية أو التكنولوجية, حتي يناقش ويصيغ كل المسئوليات, ولايمنع الحريات, وإلا عدنا إلي الوراء عشرات السنين, ومن هنا وجب أن يشارك في صياغته الصفوة العلمية والفكرية والقانونية والسياسية, ذلك ضمانا لكسب الجماهير, وإلا فسنجد الدستور يخدم فئة علي حساب فئة, فالمواطن العادي مثله مثل المفكر والقانوني والعالم واجبه ان يجد في هذا الدستور مايخدم تكوينه الإنساني أولا وتكوينه المهني ثانيا, وإلا سنظل ندور في دائرة مفرغة. الدستور والمفكرون ويري الشاعر السكندري جابر بسيوني عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر أن من أهم أهداف ثورة52 يناير1102 في مصر بناء دولة مدنية تعترف بقيم المواطنة وسيادة القانون وصياغة قانون يحمي مختلف طوائف وفئات الشعب المصري.. والدستور هو القانون الأعلي الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة بسيطة أم مركبة ونظام الحكم ملكي ام جمهوري وشكل الحكومة رئاسية أم برلمانية وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.. لقد عرفت مصر دستور2881 في عهد الخديو توفيق وألغته سلطة الاحتلال الانجليزي ولكن الشعب المصري واصل جهاده حتي صدر دستور3291 وأنعقد بنا عليه أول برلمان مصري عام4291 وبعد ثورة2591 صدر أول إعلان دستوري في ديسمبر2591 وأعلن فيه سقوط دستور3291 حتي جاء عام1791 وأعلن الدستور المعمول به والذي عدل عدة مرات7002,5002,0891,.1102 ويشير إلي أن المثقفين والأدباء والكتاب هم بمثابة الكشاف للأخطاء والكاشف للإيجابي والسلبي في بلادنا وكم واجهت أعمال أدبية وإبداعية فنية لما يحدث في مصر من سلبيات, لذا من الضروري أن تمثل القوي العقلية المثقفة وتشارك في صياغة الدستور القادم.. مشيرا أنه في فترة حكم الملك فؤاد كان المفكر والأديب الكبير عباس محمود العقاد عضوا في البرلمان؟ ومن قبله محمود سامي البارودي الذي كان رئيسا لوزراء مصر واسماعيل باشا صبري الذي أبدع أيام كان واليا علي الإسكندرية ولاننسي الأديب الكبير الراحل ثروت أباظة الذي كان وكيلا لمجلس الشوري وأشتهر بحسن الأداء داخل المجلس وإبداء الرأي ودقة المشورة. ويري الفنان التشكيلي الكبير عصمت داوستاشي أن كل الأحداث منذ العام الماضي أثبتت أن الثقافة والفن والإبداع لها دور كبير في الشارع المصري وفي الحراك الثوري وغياب كامل عند الأحزاب والتيارات السياسية مما دعي المثقفين والمبدعين إلي شيئين: الأول: صياغة دستور ثقافي, والثانية: اجتماع كامل للمبدعين بنقابة الصحفييين بالقاهرة وأصدروا مجموعة توصيات وهم يريدون أن يرسلوا رسالة إلي ولي الأمر سواء كان المجلس العسكري أو مجلس الشعب والأحزاب والائتلافات الموجودة فحواها هو أن الثقافة والإبداع لهما دور لايقل عن دور الأمن والاقتصاد في المرحلة الراهنة ولكن لامجيب!! مشيرا إلي اعتقادي أن الدستور الجديد سوف تتم صياغته في غياب للمبدعين والمثقفين في مصر.. في حين أن إنقذنا من كل المهاترات التي تعيشها مصر الآن يمكن أن يأتي من المثقفين والمبدعين في مصر. يقول الدكتور بهاء حسب الله استاذ الأدب بكلية الآداب جامعة حلوان: قبل أن نتحدث عن صياغة الدستور, والجماعة التي ستصيغه, لابد أن نقول إن صياغة الدستور لم تكن في يوم من الأيام من صناعة الحاكمين أو القائمين علي أمور البلاد, أو رجال القانون والدستوريين فحسب, ولكنه صياغة مجتمعية, تصوغها الصفوة المجتمعية علي جميع درجاتها الثقافية, وسلمها الفكري فيما يخدم مصلحة الوطن, ومن هنا فإن النخبة الثقافية ممثلة في المفكرين والأدباء والرموز الجامعية الكبيرة من جميع التخصصات, لابد وأن يكون لها دور بارز في صياغة الدستور وفي صناعته, والذي قد لايعلمه الكثيرون أن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر حينما أراد أن يضع الدستور الدائم للبلاد في يوليو4591 م من القرن المنصرم استدعي ثلاثة رموز من أشهر رموز الفكر آنذاك ألا وهم: العقاد وطه حسين والدستوري الكبير مصطفي السنهوري, لصياغة الدستور فكريا وتشريعيا وحينما سئل عن ذلك في إحدي خطبه قال: إن ثورة يوليو قامت علي اكتاف المبدعين والمثقفين, ويتساءل الدكتور بهاء كيف لايشكل هؤلاء المبدعون وهم الصفوة الفكرية دستور الوطن الدائم؟ فمن هنا شكل العقاد وطه حسين والسنهوري باشا دستور45 الشهير, وصاغه طه حسين بقلمه, لافتا إلي أنه من واجبنا أن ننتبه إلي أن صياغة الدستور القادم, والذي تتعلق عليه الآمال لابد ألا يكون حبيس رموز مجلسي الشعب والشوري الذين انتخبهم الشعب مع احترامنا لهم, فلابد أن تكون صناعة الدستور صناعة جماعية لجميع طوائف المجتمع خاصة الصفوة من الرموز الفكرية والأدبية والعلمية والقانونية, حتي لاتأتي مواد الدستور مقيدة للحريات أو مانعة لها.