الاستبداد السياسي همش دور النخبة المثقفة عبدالفتاح البشتي أديب وناشط سياسي ليبي، صدرت له عدة أعمال أدبية منها ثلاثة دواوين شعرية هي «قسمات الرمل والورود» و«تباريح» و«هوة الورد» بالإضافة إلي روايتين هما «فرس ديلة» و«حارس العدم». وقد شارك البشتي في الثورة الليبية - بفاعلية - مع أبناء الشعب الليبي، هنا حوار معه حول الأوضاع الراهنة في ليبيا من وجهة نظره كمثقف ومشارك في الأحداث. كيف تري الوضع السياسي والاجتماعي في ليبيا - بعد الثورة؟ - أعتقد أن الوضع السياسي والاجتماعي في ليبيا شديد التعقيد، وذلك كنتيجة أساسية لما تميزت به الثورة الليبية عن غيرها من ثورات الربيع العربي باعتبار أن الثورة في مصر وفي تونس علي سبيل المثال مرت بمراحل إصلاحية ومازلت تخضع لتطورات تدريجية يفرضها ضغط الشارع، أما بالنسبة للثورة الليبية فقد كانت ثورة جذرية بكل معني الكلمة حيث دخل الثوار في مواجهة عسكرية شرسة مع كتائب النظام، واستمرت الحرب بين الطرفين حتي تم اقتلاع النظام اقتلاعا. الأمر الذي نتج عنه فراغ سياسي كامل، هذا الفراغ السياسي إضافة إلي انتشار السلاح بشكل واسع وضعف أداء المجلس الوطني الانتقالي في «مرحلة ما بعد التحرير» وبروز نزعة جهوية عصابية، كل ذلك أدي إلي تعقيدات وإشكاليات عميقة نأمل أن نتمكن من حلها في الفترة المقبلة. الإسلام السياسي هناك - بعد الثورات العربية - ومنها الثورة الليبية حالة من صعود الإسلام السياسي إلي سدة الحكم، كيف تقيم هذا الأمر؟ - أنا أنطلق في وجهة نظري من تحليل استراتيجي ملخصه أن القوي الغربية تري في هذه المنطقة الاستراتيجية مكمن خطر علي مصالحها، وبالتالي فبعد الحرب العالمية الثانية وعند صعود الأفكار التحررية والاشتراكية والتقدمية بوجه عام عملت هذه القوي علي دعم الجيوش والعسكرتارية للقيام بالثورات العربية في تلك المرحلة والتي تبنت نفس شعارات الشارع وكانت النتيجة إجهاض تلك الشعارات جملة، وأوصلتنا تلك الأنظمة العسكرية إلي حضيض الحضيض. الآن: وبعد أن تآكلت تلك الأنظمة وصارت الثورة عليها حتمية تعمل هذه القوي نفسها علي خلق ظروف تسمح لأقل القوي السياسية خطرا عليها لاستلام السلطة. أنا لا أقول إن الضباط الذين قادوا انقلابات في الخمسينيات والستينيات كانوا متواطئين مع الغرب - بشكل مباشر - ولا أقول هذا أيضا - علي قوي الإسلام السياسي الصاعدة الآن - ولكني أقول إن القوي الدولية - دائما - تراهن وتشجع التيارات الاجتماعية والسياسية التي لا تشكل خطرا استراتيجيا علي مصالحها، رغم أنها - بالتأكيد - ستكون هناك تناقضات تكتيكية فيما بينها كما كان الأمر في الخمسينيات والستينيات. غياب النخبة ولكن هذا الصعود جاء نتيجة انتخابات في شكل ديمقراطي، هل تري أن الأغلبية من أبناء تلك الشعوب - كان وعيهم - مغيبا أم أن هناك عاملا أساسيا علي اختفاء دور النخبة المثقفة؟ - الأمر شديد التركيب إذ أن دعم القوي الإمبريالية لأنظمة الاستبداد والفساد هو في الواقع تفريغ للمجتمع من دور النخب المدنية والديمقراطية، وإذن فإن ما نشهده اليوم من تقدم قوي الإسلام السياسي هو في الواقع نتيجة - ولو غير مباشرة - لدعم الغرب لأنظمة الاستبداد، هذا من ناحية، من ناحية أخري فإن مناخ الاستبداد والفساد الذي ساد لأكثر من نصف قرن والتضييق والقمع المتواصل للنخب الوطنية أرجع المواطن العربي إلي عوامله الأولية، الأمر الذي أدي بدوره إلي نشوء أرضية من الجهل والوعي الزائف جعل من غير المتيسر للطرح الحداثي والديمقراطي أن ينمو في مناخ كهذا، وسمح من ناحية أخري لطرح الإسلامي التبسيطي للنمو والازدهار في هذا المناخ من التجهيل والتغييب. هذا يستلزم من النخب المثقفة - في هذه المرحلة والمراحل التالية - تنشيط العمل والنزول إلي الشارع.. كيف تري هذا الأمر؟ - أعتقد أن الشرط الأول والأساسي لإحداث نهضة ديمقراطية حقيقية يتمثل في وحدة القوي الديمقراطية في كل بلد علي حدة وفي الوطن العربي بوجه عام. ذلك أن التشرذم علي الساحة السياسية المصرية علي سبيل المثال كان أحد الأسباب المهمة في عدم حصولها علي نصيب أكبر من الأصوات ومن ثم إحداث توازن داخل البرلمان المنتخب، وبدون تجاوز نقطة الضعف هذه فإن أي جهود أخري ستكون بدون طائل. الأمر الآخر المهم هو أن تترك الساحة للشباب ذلك أن تمترس قيادات من الستينيات بل ربما من الخمسينيات في قيادة هذا التيار الديمقراطي الواسع سبب نوعا من التكلس وفيه افتقاد للخيال وأيضا شييء من روح المغامرة التي يتطلبها العمل السياسي الثوري. صراعات وحلول وماذا عن النخبة الآن في ليبيا في ظل الصراعات الدائرة؟ - من المعروف أن الأحزاب في ليبيا كانت ممنوعة منذ الاستقلال وفي عهد «الطاغية» كان القمع شرسا ودمويا، وبالتالي فإن في ليبيا علي وجه التحديد لا نستطيع الحديث بشكل علمي عن نخبة سياسية، هناك نخبة ثقافية نعم، ولكن ليس لدينا نخبة سياسية بالمعني الحقيقي وللمفهوم السياسي. الواقع السياسي الليبي الآن محكوم بالتشرذم وانعدام الرؤيا وسيطرة النوازع الشخصية، حيث نجد أن كل عشرين شخصا يلتقون ليشكلون حزبا سياسيا ليس له من وجود إلا في أذهانهم، وفي المكتب الصغير الذي يختارونه مقرا لهذا الحزب الوهمي. والنتيجة لكل ذلك ستكون تقدم القوي المنظمة والتي لديها الدعم المالي والسياسي من الخارج وهي معروفة لدي الجميع في ليبيا. كيف تري الحالة الإبداعية في ليبيا بعد الثورة خاصة مع عودة كثير من الطيور المهاجرة؟ - في الحقيقة نحن مازلنا في أعقاب حالة حرب شرسة وبالتالي فإن الأمور لم تستقر بعد لنري كتابات إبداعية تعبر عن الثورة. فأنا علي سبيل المثال لم أستطع أن أكتب قصيدة واحدة عن هذه التجربة التي عشتها بكل عمق ربما لأن الحدث أكبر وأروع من أن يكتب، ولكن بالتأكيد ستظهر كتابات ربما بعد حين.