الجبرتي يشير لثورة يناير 1798م.. وشرارة خروج الفرنسيين من مصر كان أول عمل تقوم به الدولة الفاطمية في مصر هو إنشاء الجامع الأزهر (361ه/972م) لكي تعمل من خلاله علي نشر دعوتها المذهبية الممثلة في المذهب «الإسماعيلي الشيعي» وذلك بدلا من اللجوء إلي نشر المذهب قصرا علي شعب يتبع المذهب السني، وتأسيسا علي هذا اتجه علماء الأزهر وبتوجيه من الدولة الفاطمية إلي اتباع عدد من الوسائل لترويج الدعوة الشيعية لعل من أبرزها التعليم بالأزهر، وقد اعتمد علماء الأزهر في تأدية رسالتهم الدينية والعلمية علي موارد مالية متعددة أهمها «الأوقاف» التي كان يوقفها أصحابها علي الأزهر حتي لا يكون عرضه للتذبذب ولا يرتبط بشخص معين في أداء وظيفته عبر العصور.. يذكر أن الجامع الأزهر استغرق بناؤه قرابة العامين وأقيمت أول صلاة «جمعة» فيه في 7 رمضان سنة 361ه/972م ثم أصبح جامعة علوم يتلقي فيه طلاب العلم مختلف المعارف وقد سمي بالجامع الأزهر نسبة إلي السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول - صلي الله عليه وسلم - وزوجة سيدنا علي بن أبي طالب التي ينتسب لها الفاطميون. وفي عهد السلطان برقوق أول سلاطين المماليك البرجية عين للأزهر ناظر في عام 1383م يختار من بين كبار رجال الدولة من الأمراء والأغاوات وكان ينوب عن الحاكم من حيث الإشراف علي شئون الأزهر ماليا وإداريا وتنفيذ التعليمات والأحكام السلطانية فيما يخص أهل الأزهر، وظل الاهتمام بالأزهر ممتدا إلي عصر الدولة العثمانية (922م - 1805م) والتي فطنت إلي أهميته في إسباغ الشرعية عليها ولاسيما أنها دولة لا تتحدث العربية واهتمامها بالأزهر واعتناقها للمذهب السني وتجديد الأزهر وأروقته أضفي عليها مصداقية لدي المصريين، وما يهم ذكره أنه في عهدي المماليك والعثمانيين ونتيجة لعدد من العوامل الداخلية أهمها الاستقلال المالي والعلمي ومكانة علماء الأزهر في المجتمع أضحي الأزهر مستقلا في ممارسة دوره وليس تابعا للسلطة كما كان الحال في عهد الفاطميين مما جعل الدين يحتل مكان الصدارة في المجتمع ويصبح معه علماء الأزهر «صفوة المجتمع». العثمانيين وتؤكد المراجع التاريخية أن مشايخ الأزهر كانوا يختارون شيخهم فيما بينهم ثم يقومن بإبلاغ الوالي العثماني به. ويتحدد الدور الذي يلعبه الأزهر بصفة عامة وشيخه بصفة خاصة وكذلك طبيعة العلاقة مع الجمهور والحاكم وفقا للظروف السياسية والاقتصادية السائدة ومدي استقلالية الأزهر من ناحية وسيطرة السلطة عليه من ناحية أخري. فعلي سبيل المثال كان تقرب المماليك لعلماء الأزهر ومحاباتهم لهم يعود إلي احتياجهم إلي «سند» في حكمهم يطمئنون إليه ويستعينون به خاصة وأن المماليك كانوا غرباء علي الشعب المصري، أيضا عملت الدولة العثمانية علي التقرب لعلماء الأزهر للحصول علي تأييدهم ولم يفرض العثمانيون علي الأزهر اللغة التركية واهتموا بنظام الدراسة، أيضا تؤكد المراجع تعاظم دور الأزهر خلال الحقبتين المملوكية والعثمانية نتيجة استقلالهم المالي والعلمي والذي مكنهم من القيام بالعديد من الأدوار كما حدث مثلا أيام محمد علي الذي فطن إلي قوتهم فعمل علي تهميش دور الأزهر وأحدث شرخا في استقلاليته فتراجع وقتها نفوذ علمائه في مقابل تقدم صفوة شبه «علمانية» في تفكيرها قادت عمليات التحديث علي الطريقة الغربية وقد أفسح وقوع مصر تحت سطوة الاستعمار الفرنسي ثم الإنجليزي المجال لأن يلعب شيوخ الأزهر وعلماؤه «دورا وطنيا قويا» في تعبئة الجماهير والكفاح معها ضد المستعمر لطرده والحصول علي الاستقلال. الحملة الفرنسية تبدو أهمية الأزهر خلال الاحتلال الفرنسي لمصر في 1798م عندما أنشئ ديوان الحكم الأول بعد دخولهم مصر مكونا من علماء الأزهر والذي يشرف علي حكم القاهرة وتدبير شئونها، وأعضاؤه تسعة هم الشيوخ: عبدالله الشرقاوي، خليل بكري، مصطفي الصاوي، سليمان الفيوم، موسي السرسي، مصطفي الدمنهوري، أحمد العريشي، يوسف الشبرختي، محمد الدواخلي، محمد المهدي «سكرتيرا». النقطة المهمة هنا أثناء الاحتلال الفرنسي والتي هي من أبرز مواقف الجامع الأزهر بعدما تتابعت الأحداث ولم تستقر الأمور واستمر الفرنسيون في العمل لإخضاع البلاد وشعر الشعب بالضيق ألفت داخل الجامع الأزهر «لجنة للثورة» حسبما يشير إليها «الجبرتي» وأخذت تبث الدعاية للانتفاضة والمقاومة واحتشدت الجماهير بالطرقات وضعف سلطان الديوان الأدبي ولم يستمع الناس إلي كبار المشايخ بالالتزام بالهدوء والإخلاء إلي السكينة وبدأت طلائع «الهياج» في بداية عام 1798 واحتشد الجمهور في حي «الحسينية» وساروا لبيت العسكر «قاضي القضاة التركي» وألزموه الركوب معهم حتي منزل نابليون بونابرت وعندما أحجم رجموه ونهبوا منزله واجتمع في نفس الوقت جمع عظيم بصحن الجامع الأزهر وهم يهتفون بالثورة والقتال وعلي رأسهم شيوخ الأزهر وألهبوا الناس بخطبهم وعندما علم الجنرال «ديبوي» بما حدث نزل إلي المدينة واشتبك معهم المصريون ورجموهم بالحجارة وأدرك نابليون خطورة الوضع واتفق مع قادته أن «الأزهر مركز الثورة الحقيقي». حتي خرجت جنوده لمواجهة ثورة المصريين خاصة المناطق المحيطة بالأزهر وضرب نابليون بمدافعه ولم تنجح محاولات التهدئة فضرب نابليون الجامع الأزهر وأخذت القنابل تنهال عليه وعلي الأحياء المجاورة حتي احتلوا الأزهر بخيولهم دون مراعاة حرمته وكان ذلك في تشرين «يناير» 23 أول السنة 1798م. ويذكر الجبرتي أن هذه الثورة التي اضطرمت علي الفرنسيين والتي ذهب ضحيتها آلاف المصريين وحاول بعدها الفرنسيون القبض علي زعماء الثورة «المتعممين» ومنهم الشيخ سلماء الجوسقي شيخ الطائفة العميان والشيخ أحمد الشرقاوي والشيخ يوسف المصيلحي، واقتيدوا إلي بيت البكري حتي منزل «القومندان» بدرب الجماميز ثم جردوا من ثيابهم واقتيدوا إلي القلعة وسجنوا هناك ويؤكد الجبرتي أنهم أعدموا في اليوم التالي رميا بالرصاص وألقيت جثثهم أعلي سور القلعة وغاب أمرهم عن الناس أياما وأنهم كانوا ستة شيوخ. وقد أشار الشيخ عبدالله الشرقاوي في كتابة «تحفة الناظرين» «أن الفرنسيين قتلوا من علماء مصر نحو ثلاثة عشر عالما ودخلوا بخيولهم الجامع الأزهر. اضطلع الأزهر بأدوار سياسية وثقافية متباينة وتولي إدارته 48 شيخا خلال فتراته المتعاقبة سنذكر منهم أهم مواقفهم السياسية منهم عبدالله الشرقاوي «الشافعي» الذي تولي مشيخة الأزهر من (1793 - 1812م) وهي مرحلة من أهم مراحل التاريخ المصري حيث عاصر الحملة الفرنسية وذهب مع عمر مكرم ووفد من العلماء إلي محمد علي لألباسه خلعة الولاية بعد أن اشترطوا عليه أن يحكم بالعدل وألا يفعل أمرا إلا بمشورة العلماء وفيما بعد عزله محمد علي وانقلب علي العلماء كافة أيضا الشيخ حسن العطار صاحب شعار «إن بلادنا لابد أن يتغير أحوالها ويتجدد بها ما ليس بها من معارف وكان من قادة المقاومة أثناء الاحتلال الفرنسي أيضا كما جاء محمد المهدي العباسي ويحسب له في عهده تنظيم شئون الأزهر ووضع قوانين له وقد اختلف مع الخديو فطلب إعفاؤه من منصبه. الانباي أما الشيخ شمس الدين الانباي (885 - 1896م) فأصدر فتوي أعلن فيها أن الخديوي توفيق لا يصلح لأن يكون حاكما لمصر أو المسلمين بعد أن باع مصر للأجانب وقد كانت الفتوي الأجرأ من أحد شيوخ الأزهر وكان مؤيدا لأحمد عرابي، أيضا الشيخ علي محمد الببلاوي الذي كان صديقا للبارودي شاعر «الثورة العرابية» وتجاوب مع محمد عبده في حركته الإصلاحية مما سبب ضيقا للخديو عباس وقدم استقالته احتجاجا علي عدم تنفيذ خطوات الإصلاح أما الشيخ مصطفي عبدالرازق فدعا الأزهر إلي الانفتاح علي الغرب وإلي إجراء إصلاحات جذرية في الأزهر فعزله الملك من منصبه. العصر الحديث شهد العصر الحديث شدا وجذبا بين علماء الأزهر وحكام مصر في ميدان التوجهات السياسية والاقتصادية فعلي سبيل المثال الشيخ عبدالمجيد سليم (1952 - 1954) عارض فساد الملك فاروق ورحلاته إلي كابري بإيطاليا وقال مقولته الشهيرة «تقتير هنا وإسراف هناك» أيضا الشيخ إبراهيم حمروش أعفي من منصبه من المشيخة بعد خلافه مع فاروق حول شرعية اشتغال العالم الأزهري بالسياسة وكشف الفساد. والشيخ محمود شلتوت (1958 - 1964م) والذي صدر في عهده قانون تطوير الأزهر 103 لسنة 1961 وعرف عنه عدم موافقته العلنية علي القانون، أيضا الشيخ جادالحق علي جادالحق (1982 - 1996م) الذي أيد معاهدة السلام مع إسرائيل عندما كان مفتيا وأيد الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي ودعا لمواجهة «التطرف العلماني»! ويروي د. محمد حافظ دياب في كتابه «انتفاضات أم ثورات» انتفاضة القاهرة الأولي بعد أقل من أربعة شهور علي الاحتلال حيث قام عمر مكرم بتنظيم جناح القاهرة في شكل حرس وطني للدفاع عن المدينة وتكونت في «الجامع الأزهر»« لجنة لقيادتها اطلق عليها بونابرت في مذكراته «ديوان المتمردين» وأسسها الشيخ محمد السادات ولجأت هذه اللجنة الي تعبئة الشعور ضد الفرنسيين، فكان المؤذونون يحرضون علي ذلك من منارات المساجد خمس مرات في اليوم مع آذان الصلاة والائمة يختارون في تلاوتهم للقرآن آيات تحض علي الجهاد. وتمثلت مقاومة الأزهريين من رجال الصف الثاني من المشايخ والمجاورين من الطلبة يصحبهم الدروايش وطبقات العامة والتجار والصناع والحرفيون واظهر الجميع مقاومة شديدة تم فيها قتل الجنرال ديبوي قومندان القاهرة مما حدا ببونابرت إلي تسليط «المدافع والقنابل والبمبات» علي الأزهر.