احتفالات تعيين الإمام الأعظم تبدأ في القلعة والمنصب ظهر في العصر العثماني إذا سألت نفسك يوما عن أكثر المناصب الدينية شهرة في العالم الإسلامي فبالتأكيد ستكون الإجابة شيخ الأزهر، فالأزهر تلك المؤسسة العريقة التي تجاوز عمرها الألف عام لها خصوصية متفردة تضفي علي من يشغل أعلي مناصبها هالة وشهرة لا تعرف إلا لهذه المؤسسة. والجامع الأزهر- كمؤسسة دينية مرتبطة بالناس- لعب دورا يتعدي دوره الديني بكثير فكان فتوة الناس الغلابة طوال العصر العثماني دافع عنهم ضد بطش الولاة، كما حمي مصر من محاولات التتريك العثمانية فظلت العربية علي شموخها الذي يأبي الانكسار. الغريب أن منصب شيخ الأزهر لم يرتبط بظهور الجامع الشهير بل تأخر ظهوره أكثر من 006 عام. فالجامع الذي رافق مدينة القاهرة في الوجود مر بأدوار عدة منذ أن كان مؤسسة علمية غرضها الأوحد نشر المذهب الإسماعيلي الشيعي في عصر الدولة الفاطمية -ثم تحول بعد إغلاقه لمدة قرن- إلي قلعة السنية في عهد سلاطين المماليك ومن تلاهم من العثمانيين حتي تبلورت مكانة ومكان هذا الجامع وأزاح أكثر وأكبر الجوامع المصرية شهرة جامع عمرو من صدارته ليحل محله حتي يومنا هذا. دوافع لم يكن ظهور المنصب في العصر العثماني اعتباطاً بل كانت له أسبابه ودوافعه السياسية والاجتماعية المختلفة. فالدولة العثمانية من ناحيتها أرادت من المنصب أن يكون أداة في يدها للسيطرة علي أهل العمامة -في مصر- وهم نبض الشارع وهمزة الوصل بين الحاكم والمحكوم وكمحاكاة لمنصب شيخ الإسلام في العاصمة استانبول. في حين أراد المصريون من المنصب التأكيد علي الهوية المصرية وشخصيتها العربية بعيدا عن محاولات التتريك. من هنا يفهم إصرار جموع الأزهريين علي حصر المنصب في أتباع المذهب الشافعي – مذهب أهل البلاد- ورفض تولية أتباع المذهب الحنفي-مذهب الدولة العثمانية الرسمي. ومن الناحية الإدارية كان امتلاء أروقة الجامع الأزهر بالمدرسين وطلاب العلم بعد أن انحصرت فيه -أو كادت- الحركة الدينية في مصر مع الضعف الذي أصاب مصر في العصر العثماني، سببا في محاولة وجود مشرف عام علي شئون الأزهر مهمته تنظيمية وهو أحد الأسباب التي دفعت بظهور المنصب الجليل. وبدلا من أن يكون المنصب لعبة في يد الحاكم لقمع الشعب بالدين تحول المنصب في يد العامة لسلاح وكصوت صارخ ضد ظلم السلطان والأمراء فكان شيوخ الأزهر دائما في مقدمة المظاهرات والثورات الناقمة علي ظلم الحاكم. وهو الأمر الذي ترتب عليه دخول جنود الفرنسيين للجامع الأزهر بخيولهم لقمع ثورة القاهرة الأولي والتي كان مركزها الأزهر وتم إعدام خمسة من شيوخ الأزهر من المشاركين في الثورة، ومن الأزهر خرج الطالب سليمان الحلبي الذي قتل كليبر قائد القوات الفرنسية في مصر. بل إن مكانة شيخ الأزهر ترسخت في النفس أكثر طوال فترة حكم أسرة محمد علي فقد كان رأس الأسرة يجل شيخ الأزهر حسن العطار ويقوم له في احترام إذا حضر مجلسه، وكان شيخ الأزهر لا يقوم عندما يأتي إلي زيارته عباس حلمي باشا خديو مصر، وكان الشيخ مصطفي المراغي هو الأب الروحي للملك فاروق، ومن أشهر الصور للإمام الأكبر محمود شلتوت انحناء الزعيم جمال عبدالناصر عند تحيته. وعندما هاجمت جيوش بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر عقب تأميم قناة السويس، لم يجد الزعيم جمال عبدالناصر مكاناً أنسب من منبر الأزهر الشريف ليخطب في المصريين لمقاومة العدوان والتصدي، مستغلاً للمكانة الروحية التي يشغلها الأزهر في قلوب المصريين. ظهور المنصب رغم أن الجامع الأزهر أسس في عهد الفاطميين سنة 953ه079م، وانتهي من بنائه في رمضان 164ه279م إلا أن ظهور منصب شيخ الأزهر تأخر عن هذا التاريخ بأكثر من 006 عام، فلم يظهر إلا في سنة 1011ه0961م في الحكم العثماني عندما تولي الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي المالكي هذا المنصب لأول مرة. وازداد المنصب وقارا وهيبة مميزة عندما تولي الشيخ عبدالله الشبراوي الشافعي المنصب الذي بفضل هيبته أكسب المنصب الجديد مواصفات خاصة قلما تتكرر. في حين كان الشيخ محمود شلتوت أول شيخ من شيوخ الأزهر يحصل علي لقب الإمام الأكبر-أحد ألقاب الخلافة- في سنة 1691م، وهو اللقب الذي يتوارثه شيوخ الأزهر منذ ذلك الحين. ويعد د. أحمد الطيب الشيخ الثامن والأربعين في ترتيب الشيوخ الذين تولوا مشيخة الأزهر. التنصيب كان يتم انتخاب شيخ الأزهر في العصر العثماني بعد وفاة الشيخ الأسبق مباشرة بترشيح من شيوخ الأزهر الكبار والأشراف وزعماء الطوائف الصوفية المعروفين بالسادات، وموافقة كبار الأمراء ثم يتم اعتماد الترشيح من قبل الوالي العثماني. ويعقد من أجل تنصيب الشيخ الجديد احتفال ضخم في ديوان الوالي بقلعة الجبل ويقوم الوالي بإهدائه بدلة "فروة سمور" -ملابس التشريف- في حضور الأمراء ونقيب الأشراف وسادات الصوفية ومشايخ الأزهر، ثم يخرج شيخ الأزهر الجديد من القلعة مخترقا القاهرة في موكب احتفالي فخم يتقدمه قادة فرقة الانكشارية بزيهم العسكري وفرق الاحتفالات الرسمية المختلفة وصولا إلي بيت الشيخ، لتقام هناك مظاهر الاحتفالات -التي يتكفل بها عادة أحد الأمراء الكبار أو كبار التجار- من موائد وتوزيع للشربات والمشروبات والأطعمة الشهية. ولا يحتفل شيخ الأزهر بمنصبه الجديد إلا في الجمعة التالية لتنصيبه، إذ يتجه إلي الجامع الأزهر فيخطب الجمعة ويصلي بالناس. وباختيار شيخ الأزهر يصبح هو الرئيس الأعلي للجامع، وله الإشراف المباشر علي العلماء والطلبة، وله مخصصاته النقدية والعينية، كما يصبح بحكم منصبه عضوا في الديوان الكبير بالقاهرة، الذي كان يعقد برئاسة الباشا العثماني أو نائبه. تعيين شيخ الأزهر لم يتم تنظيم عملية انتخاب شيخ الأزهر إلا في عام 1691م عندما صدر القانون المنظم للأزهر والذي جعل من منصب الأزهر وظيفة تتم بالتعيين الرئاسي واخترع منصب وزاري للإشراف علي الأزهر وهو ما يعني عمليا تحويل منصب شيخ الأزهر لمنصب شرفي، ما أضعف من مكانة الأخير خصوصا مع إشراف الحكومة علي أوقاف الأزهر. وهو الأمر الذي تصدي له الشيخ عبدالحليم محمود -إبان توليه للمشيخة- فتم إلغاء المنصب الوزاري عام 5791 وتحويل صلاحياته لشيخ الأزهر، إلا أنه فشل في استرداد إشراف الأزهر علي أوقافه.