الگتلة المصرية أسوأ ما شهدته الجولة الاولي من الانتخابات، الحملة التي شنها التيار الاسلامي علي قوائم ومرشحي الكتلة المصرية. وتنوعت اساليب هذه الحملة وشملت حملات منظمة في المساجد، وحملات مسعورة في الجولات الانتخابية، وحملات همس ، وحملات علي شبكة التواصل الاجتماعي، واخبارا بعضها مفبرك، وبعضها يجري تأويله علي غير معناه، وشملت ايحاءات طائفية ، تهدف الي استغلال سذاجة بعض الناخبين وتدينهم الفطري، لتوجيههم لعدم التصويت لمرشحي الكتلة المصرية، علي اساس انهم ليبراليون كفرة ، وعلمانيون ملحدون، وفي احسن الاحوال اتباع للكنيسة ، يأتمرون بأمرها، ويعملون لصالحها! لم يشأ احد من الذين روجوا هذا الكلام ان يعرف شيئا عن الكتلة المصرية التي تكونت علي مشارف الحملة الانتخابية كتجمع ليبرالي ديمقراطي، وانطوي تكوينها علي حقائق اساسية، من بينها ان الليبرالية تنطلق اساسا من مبادئ حرية التملك، وحرية الاستثمار، والاقتصاد الحر الذي يكف يد الدولة عن التدخل في حرية رأس المال، وان الديمقراطية هي احد الوجوه الحيوية للفكر الليبرالي، ومن بينها حريات الرأي والتعبير والانتخاب والترشح، والتنظيم والتظاهر السلمي، وهي كلها شعارات يتبناها التيار الاسلامي، ويضمنها برامج احزابه، بل ان الاخوان المسلمين والسلفيين وبقية التيارات الاسلامية، يمتلكون ويدورون امبراطوريات استثمارية عملاقة، فضلا عن ان بعضهم يتبنون ظاهريا علي الاقل الدفاع عن الحريات الديمقراطية. ويبدو ان مشكلة الاسلاميين مع الليبرالية، ليست حرية التملك والاستثمار، ولكنها مع الوجه الاكثر ايجابية فيها، وهو الديمقراطية السياسية.فهم يرفضون عمليا حرية العقيدة، وحرية اداء الشعائر الدينية، ومبدأ الامة مصدر السلطات، وينطلقون من فكرة ان الله هو مصدر كل السلطات، وانهم هم الذين ينيبون عنه عز وجل في تطبيق الشريعة. وهم يرفضون الوجه الآخر لليبرالية وهي العلمانية، ويسرفون في نسبتها الي الكفر والالحاد، في حين انها كما فسرها رئيس الوزراء التركي الطيب اردوغان بتعريفها الصحيح هو ان تقف الدولة علي مسافة واحدة من اتباع الاديان المختلفة من رعاياها، وألا تنحاز لاحدهم ضد الآخر، وان تفصل في ادارتها للشئون العامة، بين الدين والسياسة، وقد شهد ذلك عن قرب كل العرب والمسلمين الذين عاشوا في دول اوربية علمانية ، مثل فرنسا وبريطانيا، والملكيات الدستورية في شمال اوربا، حيث تصون الدولة هناك حقوق اتباع كل الاديان، ولم يكن احد من المسلمين المقيمين في هذه الدول ، يشكو من تعرضه لاي شكل من اشكال التمييز، الا في الفترة التي لحقت العمل الاحمق الذي قام به تنظيم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001. والكتلة المصرية علي عكس ما يقول كل هؤلاء، هي تحالف انتخابي للاحزاب المدنية، التي تدعو للحفاظ علي الوحدة الوطنية، وعلي اقامة دولة حديثة، تستطيع ان تعيش بقوانين القرن الحادي والعشرين، وتتخذ من مبادئ الشريعة الاسلامية مصدرا رئيسيا لتشريعاتها، وتضم تنويعة من الرؤي السياسية، تجمع ما بين الحرية الاقتصادية والوظيفة الاجتماعية لرأس المال، بما يضمن العدالة الاجتماعية، وهي تضم ثلاثة احزاب، احدهم اشتراكي ديمقراطي هو حزب التجمع، والثاني حزب يأخذ بنظرية الطريق الثالث هو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والحزب الثالث هو حزب قريب من هذين التيارين هو حزب المصريين الاحرار. ونظرة واحدة الي اسماء قادة هذه الاحزاب ، وعلي مرشحيها علي القوائم والمقاعد الفردية، تكشف عن ان غالبيتهم العظمي من المسلمين، والفارق بينهم وبين الاخرين هو انهم لايخلطون الدين بالسياسة، لانهم يتبنون رؤية واضحة هي ان الخلط بين الاثنين يفسد الدين ويفسد السياسة، ولديهم رؤية محددة، لاصلاح الشئون العامة في مصر علي اساس من الديمقراطية والوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، ومحاولة اقحام الكنيسة في معركة بين الكتلة المصرية وخصومها، او اقحام اسم رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس في المعركة بينها وبين المنافسين من الاحزاب الاسلامية، هي وجه من وجوه الخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي الذي تقوم به هذه الاحزاب للضحك علي ذقون الناخبين، وتصوير المعركة الانتخابية كما لو كانت معركة بين مسلمين ونصاري ، وبين مؤمنين وملحدين، وبين الكنيسة والجامع، فيدفع بذلك ثمنها الوطن كله، وفي مقدمته هؤلاء حين ينتهي هذا الشحن الطائفي ، بعمليات ارهاب، او باحتراب اهلي. والذين يصورون الكتلة المصرية بانها حزب رجل الاعمال نجيب ساويرس، يتجاهلون ان الرجل ليس له علاقة تنظيمية بحزب المصريين الاحرار تجنبا لهذه الحساسيات، وانه اكتفي بالدعوة الي تأسيسه، وقام بهذا الدور باعتباره مواطنا مصريا حريصا، علي ان تظل مصر بلدا موحدا، تحكمها انظمة مدنية تحافظ علي وحدة اراضيها وشعبها، وتنمية اقتصادها، وهو الدور الذي يلعبه الرجل كأحد رجال المال والصناعة البارزين في مصر، وكان باستطاعته ان يجنب نفسه كل تلك المشاكل، وان يكف يده عن العمل العام، وان يكتفي بتنمية ثروته، كما يفعل كثيرون غيره. وفوز الكتلة المصرية وحزب الوفد وحزب الوسط ، وغيرهم من الاحزاب والمرشحين الذين يتبنون شعار الدولة المدنية بعدد من المقاعد في المرحلتين الثانية والثالثة ضروري، لكي يكون لمصر مجلس نيابي متوازن ، لا يسمح باستبدال الاستبداد المدني الذي كان قائما قبل 25يناير، باستبداد ديني، بدت بشائره بنتائج المرحلة الاولي، ونجاح دعاة الدولة المدنية يصبح بذلك مهمة وطنية لكل من يعنيه الامر.