مناضلون يساريون صلاح حافظ (2) في أحد اجتماعات اللجنة المركزية المؤقتة طرح أحد الجالسين أن شخصا ما اتصل به وقال إن جهة أجنبية ما ترفض الافصاح عن نفسها مستعدة لمنحهم تمويلاً ضخما بشرط أن يصعدوا من هجومهم علي جمال عبدالناصر.. ورفضنا بالاجماع وبعدها طلبت سيجارة من أحد الجالسين، واكتشفنا جميعا أنه ليس معنا سجائر وليس معنا مليم ومع ذلك صممنا علي قرارنا بالرفض لأي معونة أجنبية. صلاح حافظ (في حواره معي) وجاءت ثورة يوليو. وكان بعض قارئها وخاصة عبدالناصر معجبين بهذا الصحفي الشاب صاحب «انتصار الحياة» ولم يكونوا قد اكتشفوا انتماءه الفكري، وفتحوا أمامه صفحات مجلة «التحرير» وكان يرأس تحريرها أحمد حمروش (وكان أيضا ضمن الضباط الشيوعيين في الجيش) ويتألق صلاح أكثر فأكثر لكنه مع حدتو ما لبثوا أن تعالت مطالباتهم بالديمقراطية، وتغلق مجلة التحرير وتبدأ الحملات الشرسة ضد حدتو وتتوالي حملات القبض وفي أغسطس 1953 كانت أوسع حملة قبض في تاريخ الحركة الشيوعية، لكن حدتو واصلت رغم الحملات المتتالية ثم كانت حملة كبيرة أخري في ديسمبر 1953 شملت عشرات من الكوادر ومنهم آخر من تبقي من أعضاء اللجنة المركزية (أحمد طه - محمد خليل قاسم) وأعضاء عديدين من التنظيم ومن رابطة الطلبة الشيوعيين وتنفس عبدالناصر عميقا فقد تخلص من هؤلاء الذين أرهقوه بالمطالبة بالديمقراطية لكن صلاح حافظ (الرفيق دبوس) التقي رفيقين آخرين محمود توفيق وإبراهيم خلاف وشكلوا معا ما سموه اللجنة المركزية المؤقتة. وكان محمود توفيق وخلاف محترفين ومختفيين عن أعين البوليس أما صلاح فقد وجد نفسه عبئا عليهما بمهنته كصحفي في روزاليوسف، يعيش علينا ويذهب للجريدة يوميا بما يهدد أمن رفيقيه وببساطة اختفي وترك المهنة التي أحبها والتي ضحي من أجلها بمواصلة دراسة بكالوريوس الطب وبرضاء الأب واتخذت اللجنة المركزية المؤقتة خطاً شديد التشدد في مواجهة العسف الناصري، وكلما ازداد النظام تعسفا كلما إزدادوا هم تشدداً، وبرغم كل شيء نجحت القيادة الجديدة في توسيع نشاطها وزادت من عضوية حدتو وجمعت كثيرين من الأعضاء القدامي وأصدرت عديدا من المطبوعات، لكنها كانت في هذه المرة الأكثر أناقة وجمالا انها لمسات الصحفي الفنان ونجح الرفيق دبوس ولأول مرة في اصدار نشرة الكفاح مزينة برسوم كاريكاتيرية وبورتريهات وقفشات لاذعة وتمادي الخط السياسي في التشدد حتي وصل إلي فكرة الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية العسكرية، ويروي صلاح في حواراته معي وهو يضحك «أصدرت قراراً للرفاق بشراء سلاح أو جمعه من أي مكان وكانت الحصيلة تقريبا لا شيء وذات يوم أتي كمال القلش إلي أحد الاجتماعات ومعه طبنجة محلية الصنع، كان شكلها بائسا ولكن المشكلة الأكبر أن كمال نسي أو لم يجد ذخيرة للطبنجة ومع ذلك ظللنا نحلم بالكفاح المسلح ويصمت ثم يقول «المشكلة اننا كنا مفلسين تماما، وكنت أبعث من حين لآخر إلي زملائي في روزاليوسف بواحدة من «انتصار الحياة» وتأتيني منهم قروش هزيلة وأسال نفسي هل أرسلها إلي زوجتي وابني شريف وابنتي المولودة حديثا تحية أم أشتري طعاما لي وكام علبة سجاير، وأرسل النقود لزوجتي واعيش «خرمانا» حتي ألتقي رفيق وأطلب سيجارة وأخري ثم ثالثة. وفي هذا الوقت حاولت جهة أجنبية أن تدفع لنا مالاً طائلاً نظير تصعيد نضالنا ضد عبدالناصر، وقررنا ان نصعد نضالنا وأن نرفض أن نمد يدنا لأي جهة أجنبية وعشت خرمانا»، وأخيراً طالتهم يد الأمن ولكن بعد أن استقام عود حدتو من جديد، وفي المحكمة كان الرفيق دبوس يتألق وعاد صلاح حافظ الهاديء المبتسم واللاذع في آن واحد ولقن القضاة دروساً في الوطنية والديمقراطية وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات اشغال شاقة ومن سجن إلي سجن حتي التقينا في الواحات وفي السجن كان صلاح الأكثر تألقا يلقي محاضرات، يدرب الرفاق علي الكتابة والعمل الصحفي ويمتع السجن كله بأغان جميلة ونكت رائعة وكان في نفس الوقت يعكف علي كتابة رواية طويلة أسماها «الرحلة» لكن المأمور الذي أغاظه صلاح بقوله نحن ننتصر عليكم وعلي من أرسلوكم ظل يتلصص علي صلاح وفيما هو يتم روايته اقتحم الخيمة فجأة وأخذ المخطوطة وأسرع بها إلي مبني الإدارة وقبل أن يلحق رفاق يسترضونه ليحصلوا علي الأوراق كان قد أحرقها. ولم يغضب صلاح ودخلت عليه لأواسيه فوجدته قد أحضر كشكولاً وبدأ في كتابتها من جديد وقال وهو يبتسم إشكر نيابة عني هذا الرجل فأنا سأكتبها أفضل مما كانت. وقد كان. أتم الرواية ونسخناها علي ورق البافرة وتم تهريبها إلي الخارج. لتطبع بعد فترة طويلة ولتتحول إلي فيلم بذات الاسم وبعد فترة نقلونا إلي سجن جديد «المحاريق» في الصحراء أيضا لكنه مبني من عنابر وزنازين. وأوامر ونواه وذات يوم وبدون مناسبة أتي المأمور ورجاله وضربوا الجميع ضربا مبرحاً ووحشياً. وأغلقت الزنازين بعد أن إستفسر أحد الزملاء من المأمور «لماذا؟» فأجاب ببساطة «أبداً لقيت نفسي زهقان فقلت أتسلي» كان قد ترك زوجته وطفليه الذين أتوا لزيارته في الاستراحة الخاصة به والولدان وجدا علبة دواء للضغط فابتلعا ما فيها وأوشكا علي الموت وأتي المأمور باكيا. ولم يجد سوي صلاح وعدد من الأطباء أسرعوا وأنقذوا الطفلين وأصبح المأمور شخصا آخر بعد سهر صلاح أياما مع الطفلين حتي شفيا تماما. وذات يوم جاءته مع إحدي الزيارات رسالة تقول كامل الشناوي التقي عبدالناصر وطلب من الرئيس الافراج عن صلاح.. وتباسط الرئيس وقال حاضر ياسيدي سيخرج علشان خاطرك وبعد أشهر ونحن في الانتظار للإفراج الذي لم يأت جاءت رسالة بالبريد من كامل الشناوي تقول في تهكم «ياولد يامجرم مش عيب تخرج من السجن وماتقوليش» وعرفنا فيما بعد الحكاية التقي كامل الشناوي الرئيس ثانية وقال له: ياريس حضرتك نسيت موضوع الافراج عن صلاح «فرد عبدالناصر خرج. وحاول كامل بك أن يقول لم يخرج لكن عبدالناصر شخط فيه بقول لك خرج. وسكت كامل الشناوي. ويخرج الجميع في 1964 ونلتقي معا في «أخبار اليوم» وتتوثق علاقاتنا أكثر.. وتفرقت سبلنا هو إلي رزواليوسف وأنا مطروداً مع من طردوا بعد إبعاد خالد محي الدين من أخبار اليوم، وفيما نبدأ في إصدار الأهالي كان صلاح أول اسم يخطر ببالنا ابتسم صلاح وقال بصراحة لو لم تعرضوا علي كنت سأغضب جداً، لكنني أعتذر فأنا ملتزم ومرتبط باسم روزا وفيما كنت سجينا بعد أحداث يناير 1977 نشر صلاح مقالا ساخنا جدا دفاعا عني وغضب السادات وبعد الافراج زرته لأشكره فثار غاضبا مجنونا كيف تشكرني يابني آدم. وحاولت ان أصالحه لكن لا جدوي فقد غضب ولم نتصالح إلا علي فراش المرض. زرته قبل رحيله بيوم ضحك واهنا وقبلني وقال حقك علي. وشد علي يدي قائلا شدوا حيلكم. ورحل.