مناضلون يساريون هنري گورييل «2» «في النادي الديمقراطي نشب خلاف فكري، أنا ومجموعة اعلنا أننا شيوعيون لكن ما معني أن نكون شيوعيين؟ لا أحد يعرف. كيف؟ لا أحد يعرف. قلت يجب أن ندرس ولكي ندرس يجب أن تكون هناك كتب، ولهذا فتحت مكتبة الميدان». هنري كورييل ونمضي مع رحلة تأسيس الحركة المصرية للتحرر الوطني. ويمضي كورييل قائلا «أول منشور باللغة العربية اصدرته ح.م كتبه اربعة جورج بوانييه ومحمد نصر الدين (مدرس لغة فرنسيه في كلية البوليس) ود. فؤاد الأهواني وأنا. وطبعنا منه 4000 نسخة ونزلنا إلي الشارع ووزعناه بأنفسنا. وكان ذلك عام 1942. وبعد ذلك أصدرنا مجلة «حرية الشعوب». وبعدها أعددنا كورس محاضرات أولها محاضرة بعنوان «عيوب المجتمع» وكانت تقدم تفسيرا علميا لعيوب المجتمع ومصادرها الحقيقية وكان الهدف منها ضرب التيارات الإصلاحية التي بدأت تنتشر في ذلك الحين ، كذلك أصدرنا سلسلة الكتب الخضراء وهي كتب ماركسية مهمة مترجمة عن الانجليزية والفرنسية والألمانية (12 كتابا) وقد أقمنا ح.م علي أساس فتوي فهناك أقسام قومية مثل الأرمن والنوبيين والسودانيين وأقسام اجتماعية : عمال- طلاب- نساء - أزهريون وكنا نسعي بذلك إلي حماية أمن المجموعات وإلي قدرة كل مجموعة علي التوسع في محيطها، وفي الجيش بدأنا بنشاط واسع جدا وسط صف ضباط سلاح الطيران لكن بداية العمل وسط الضباط جاءت بعد الوحدة مع ايسكرا وكانت تضم أحمد حمروش الذي قام بتأسيس قسم الجيش، وكنا نسميه اسما سريا «شركة الملح والصودا». وحدث أن اتصل أحد زملائنا السودانيين (صالح عرابي) بضابط بالجيش من أصل سوداني هو محمد نجيب الذي طلب أن يقابلني ليعرف رأي الشيوعيين في المسألة السودانية، وكانت فرصة كي ندرس هذا الموضوع وقررنا أن نرفض الشعار السائد «نيل واحد- شعب واحد- ملك واحد» ورفعنا شعار الكفاح المشترك ضد العدو المشترك. وعندما اقترب العام الدراسي 1945 بعد انتهاء الحرب توقعنا نحن وكثير من السياسيين أن تبدأ في أول يوم (6 أكتوبر) اضرابات للمطالبة بجلاء قوات الاحتلال. وأعددنا نحن منشورا موجها إلي جنود وضباط الجيش والبوليس ندعوهم فيه إلي عدم التصدي للمظاهرات، لكن أتي 6 أكتوبر ولم تقم مظاهرة واحدة، وشعر كثيرون منا بالاحباط وتهكم علينا البعض لكننا قلنا أن هذا ليس دليل فشل لنا وإنما هو فشل القيادات الوطنية الرخوة التي تخشي من التصادم (حزب الوفد- مصر الفتاة إلخ) ولهذا قررنا تأسيس قوي جماهيرية طبقية منظمة وكانت اللجنة الوطنية للطلبة والعمال. ويمضي كورييل ليقرر أن ح.م وبعدها حدتو كانت ذات حس أممي راق فقد اهتمت بتجنيد العديد من الطلاب السودانيين الذين أسسوا في السودان منظمة «الحركة السودانية للتحرر الوطني» (حستو) وكذلك مجموعة من الطلاب اليمنيين وخاصة طلاب عدن ومجموعة من الاثيوبيين كانوا قد حضروا ليتدربوا في مصلحة البريد وشكلت منهم مجموعة لتعود فتنشط في بلادها وتظل الروح الأممية تلاحق كورييل فقد اندمج مع ثوار الجزائر وقدم لهم مساعدات كبيرة وسجن معهم في فرنسا. كذلك كانت ح.م ثم حدتو تعملان من أجل صحافة علنية واسعة الانتشار: حرية الشعوب- أم درمان- الجماهير- البشير- الكاتب- الملايين، الغد. وعندما طرد هنري كورييل من مصر رغم انه ظل ومنذ 1936 وحتي 1950 مصري الجنسية وصل إلي روما وتسلل منها سرا إلي باريس حيث أسس مجموعة سمها اسما حركيا هو «مجموعة روما» وظلت المجموعة مهتمة بالشأن المصري وبالدفاع عن السجناء الشيوعيين. وخلال إقامة كورييل في باريس أقام شبكة علاقات واسعة نجح خلالها في الحصول علي معلومات بالغة السرية وبالغة الدقة عن الحشود العسكرية الفرنسية التي تستعد لغزو مصر في العدوان الثلاثي. وكانت البيانات دقيقة إلي درجة أنها تضمنت ارقام الفرق وتسليحها وكان الملحق العسكري المصري في باريس آنذاك هو ثروت عكاشة الذي تسلم هذه المعلومات وأسرع بها إلي مصر حيث سلمها إلي عبدالناصر شخصيا. ويروي ثروت عكاشة في مذكراته «مذكرات في الفن والسياسة- الجزء الأول» كيف أن عبد الناصر دهش من دقة المعلومات ودهش عندما علم أن مصدرها هو كورييل وطلب ثروت عكاشة مكافأته بإعادة الجنسية المصرية إليه، ووعد عبد الناصر ولم يف بوعده. وعندما تأسس الحزب الشيوعي المصري باتحاد كل التنظيمات جاءت لخصوم كورييل فرصة الانتقام فأصدرالمكتب السياسي للحزب في مارس 1958 أي بعد شهرين من الوحدة قرارا نصه «يقرر المكتب السياسي حل مجموعة روما نهائيا ابتداء من 14 مارس 1958، ويحظر اي اتصال بأي من أفراد المجموعة. ويصل القرار إلي باريس وتجتمع المجموعة، ويستعيد كورييل تسامحه الكاثوليكي ويصدر القرار التالي «احتراما للنظام الحزبي تحل فورا مجموعة روما، وتعبر المجموعة في ذات الوقت عن أسفها للشكل الذي تم به اتخاذ القرار. ويقرر الرفاق وهم خارج الحزب الاستمرار في دفع اشتراك مالي يساوي الاشتراك السابق، وتضع المجموعة تحت تصرف الحزب آلاف النسخ من المؤلفات النظرية التي قمنا بترجمتها إلي العربية وطباعة آلاف من النسخ منها، وحتي نتلافي أي شبهة في أننا نحاول الظهور بمظهر الممثلين للحزب الشيوعي المصري بالخارج، فقد قررنا أن نختار لأنفسنا اسما لا يفسح مجالا لأي لبس. قررنا أن نطلق علي أنفسنا اسم «مجموعة الاخلاص - مجموعة بالخارج لاعضاء سابقين في الحزب الشيوعي المصري ظلوا مخلصين لحزبهم» وبعيدا عن المرارة واليأس لما مسهم من إجراء يرونه غير عادل يلزم الرفاق بأن يبذلوا جهودا مستمرة في خدمة قضية الطبقة العاملة المصرية وقضية استقلال مصر وقضية السلام- عاشت الطبقة العاملة المصرية- عاش الحزب الشيوعي المصري». لكن كورييل لا يهدأ فيؤسس منظمة «تضامن» وهي منظمة أممية سرية ضمت في صفوفها اعضاء من مجموعة روما وقساوسة كاثوليك يسعون لسلام البشرية والدفاع عن المظلومين ومفكرين فرنسيين كبار.. وقدمت تضامن مساعدات كبيرة لحزب المؤتمر في جنوب إفريقيا ولحركات التحرر الإفريقية ولأحزاب يسارية مطاردة في البرتغال وإيران والعراق وغيرها، كما قدمت دعما كبيرا للقضية الفلسطينية وفتحت أمامها قنوات اتصال متعددة في أماكن عديدة في العالم.وفي 4 مايو 1978 أطلقت رصاصات علي هنريل كورييل وهو في مصعد منزله الذي يفترض أن عنوانه لم يكن معلنا. ولم يعرف القاتل غير أن منظمة شبه فاشية وسرية اسمها «دلتا» اصدرت بيانا من سطر واحد «اغتلنا اليوم عميلا مهما للاتحاد السوفيتي هو هنري كورييل».