التغيير.. بين الأفراد والأحزاب أمضيت يومي الجمعة والسبت الماضيين في شرم الشيخ بدعوة من «الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية» للمشاركة في مؤتمر حول «مستقبل التنوع والتفاعل في مصر» اختاروا له شعارا موحيا «مصر التي في خاطري»، وشارك في المؤتمر أكثر من 170 شخصا يعكسون بدرجة كبيرة مكونات المجتمع المصري، رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، مسلمين ومسيحيين، سياسيين وأساتذة جامعات ومهنيين وصحفيين ورجال دين، وينتمي أغلبهم للطبقة الوسطي المصرية، وإن غاب من الناحية السياسية ممثلون للإخوان المسلمين والشيوعيين، وكان المستقلون «غير المنتمين لأحزاب سياسية» هم غالبية المشاركين. وخلال ثلاث جلسات ناقش المشاركون الهموم المصرية من خلال ثلاثة عناوين.. الأول.. «إطلالة تاريخية علي أبرز محطات الحوار الوطني وأهم نتائجها -نحو قواعد وأجندة لحوار وطني فاعل». الثاني.. «مستقبل التعددية في مصر وتقليل الفجوة بين الفكر والفعل - الحوار بين النخبة والنخبة والقواعد الشعبية».. الثالث «مستقبل المجتمع المدني المصري وثقافة الحوار والعمل الديمقراطي». تميزت الجلسة الأولي.. بعد الجلسة الافتتاحية، والتي شارك فيها بالحديث كل من د. أندريه زكي نائب مدير الهيئة القبطية الإنجيلية، ود. علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني ود. عبدالمنعم سعيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام.. تميزت بالسخونة، واستدعي ما طرحه د. عبدالمنعم أساسا وإلي حد ما ما قاله د. علي الدين هلال نقدا حادا من غالبية الذين تحدثوا في الجلسة (25 متحدثا) سواء للحزب الوطني أو لسياسات الحكم. بدأ د. علي حديثه بالإشارة إلي ثلاثة أحداث، رفض الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة تعيين قاضيات في المجلس «بحجج هزيلة متحاشين جميعا السبب الحقيقي وهي وجهة نظر في تفسير الدين الإسلامي»، وموافقة 75% في استطلاع نظمه مجلس السكان الإعلامي ومجلس الوزراء علي «حق الزوج في ضرب زوجته»، ومسح القيم العالمي الذي تناول الدور الرئيسي الذي يلعبه الدين في سلوك الإنسان، والذي كشف أن 100% من المصريين - مسلمين ومسيحيين - يلعب الدين الدور الرئيسي في حياتهم، وهو أمر يتناقض مع شيوع الفساد والكذب والغش في المجتمع المصري.. مؤكدا علي رفضه للتمييز والتباس العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ومحملا «الجماهير» المسئولية عن هذا الواقع السلبي، متجاهلا مسئولية الحكم والسياسات المطبقة خلال العقود الأربعة المنصرمة في هذا الواقع السييء!. أما د. عبدالمنعم سعيد فبعد أن قدم رؤية نظرية للنماذج الأربعة للتغيير التي يعرفها العالم، سواء عندما تتغير السياسة «أوروبا الشرقية»، أو عند تحقيق النمو الاقتصادي ثم التحول إلي الديمقراطية واقتصاد السوق «إسبانيا - البرتغال - كوريا الجنوبية - تايوان»، أو التغيير بالقوة المسلحة «اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية»، والتغيير بالتدرج عبر عملية دياليكتيكية «جدلية» طويلة «بريطانيا من الماجناكارتا إلي الديمقراطية، والولايات المتحدة من النظام العبودي إلي انتخاب أوباما».. لينتهي إلي نتيجة صادمة للحاضرين وهي أن مصر تتطور خلال عملية جدلية فيها شد وجذب، وأنها حققت أربعة تغييرات مهمة، «فمن ناحية الأمن القومي المصري قرارها بأيديها»، وهناك تغير اجتماعي مهم فمصر تنمو بشريا، فالكتلة الأساسية من سكانها (84 مليون نسمة) شباب، يعرفون أمورا كثيرة في العالم وغير منجذبين إلي نماذج ماضوية «عبدالناصر»، وتغير جغرافي فلأول مرة مصر تتلمس أطرافها وتصبح دولة بر ووادي وبحر، وتغير اقتصادي أدي إلي تنامي طبقة متوسطة واتساعها باستمرار، ويبشر د. عبدالمنعم بحدوث ثلاثة تطورات سياسة مهمة، لخصها في اقتراب «الدولة الفرعونية» في مصر من نهايتها «فوجود انتخابات رئاسية تنافسية تجعل الإله ينزل عن عرشه»، وعودة الاهتمام وممارسة العمل السياسي إلي مصر مرة أخري بحيث أصبح المواطن جزءا من العملية السياسية، والاهتمام بقضية التنمية ورفض الطريق الخاص والعزلة والتمييز وسيطرة الدين علي الدولة، وينهي عبدالمنعم حديثه بتحديد قوتين أساسيتين تقفان ضد التغيير هما.. البيروقراطية المصرية (7 ملايين) والإخوان المسلمين. وإذا كان د. علي الدين هلال قد تعرض للنقد لتحميله الجماهير مسئولية الأزمات التي يعيشها المجتمع المصري وتجاهله عمدا لمسئولية الحزب الوطني الذي احتكر الحكم وكافة السلطات طوال 34 عاما هي عمر التعددية الحزبية المقيدة.. فقد هاجم المتحدثون - بحدة أحيانا - الصورة الوردية غير الحقيقية التي رسمها د. عبدالمنعم سعيد للحياة في مصر، وتركيزه علي التطور التدريجي الحادث في مصر - علي الطريقة البريطانية والأمريكية - وحديثه عن التغييرات الإيجابية لقد استدعي ممثلا الحزب الوطني الرسميان في المؤتمر - دون قصد طبعا - شلالا من النقد والهجوم علي الحزب وحكومته وسياساته، بدءا من تحميله مسئولية الفتنة الطائفية، سواء بإصراره علي المادة 2 من الدستور وتعديلها للنص علي أن الشريعة الإسلامية «المصدر» الأساسي للتشريع، والتمييز ضد الأقباط في تولي الوظائف واستبعادهم من ترشيحات الحزب الوطني للمجالس النيابية، ومناهج التعليم والإعلام.. وحصار الأحزاب ومنعها من التواصل مع الجماهير، والقوانين التي تقيد حرية التنظيم والتجمع وقانون 100 لسنة 1993 الذي جمد النقابات المهنية، وتزوير الانتخابات، إلي غير ذلك من الممارسات التي أدت إلي مقاطعة الشعب المصري للعمل السياسي، بما في ذلك امتناع أكثر من 75% من المقيدين في جداول القيد الانتخابي عن التصويت في الانتخابات والاستفتاءات العامة، وامتناع أكثر من 95% منهم عن الانضمام للأحزاب السياسية، والمشاركة في أي نشاط سياسي، علي عكس ما يقول د. عبدالمنعم سعيد. لقد عاد المشاركون في هذا اللقاء وقد ازداد إحساسهم بالأزمة وبمسئوليتهم عن التصدي للبحث عن مخرج، وأتمني أن يكون غير المنتمين الذين يطلق عليهم «المستقلون» قد أدركوا أن التغيير لن يقوم به فرد أو مئات الآلاف من الأفراد «المستقلين» وإنما تحققه الجماعات المنظمة، أي الأحزاب السياسية وقوي المجتمع المدني المنظم.