ترامب: صفقة تجارية شاملة مع كوريا الجنوبية تشمل شراء طاقة بقيمة 100 مليار دولار    روسيا: اعتراض وتدمير 13 طائرة مسيّرة أوكرانية فوق منطقتي روستوف وبيلجورود    مدير أمن سوهاج يقود لجنة مرورية بمحيط مديرية التربية والتعليم    د.حماد عبدالله يكتب: إحترام "العدو" العاقل واجب!!    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    رئيس وزراء كندا: سنعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    المصري يواجه هلال مساكن فى ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    نشرة التوك شو| انخفاض سعر الصرف.. والغرف التجارية تكشف موعد مبادرة خفض الأسعار..    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    3 مصابين فى تصادم «توكتوك» بطريق السادات في أسوان    مدير أمن قنا الجديد: ملاحقة العناصر الإجرامية وضبط أوكار المخدرات والأسلحة أهم أولوياتي    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    لطفي لبيب.. جندي مصري في حرب أكتوبر رفض تكريم سفارة عدو جسّده سينمائيا    25 صورة من عزاء شقيق المخرج خالد جلال    بعد 20 سنة غيبوبة.. والد الأمير النائم يكشف تفاصيل لأول مرة (فيديو)    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. الاتحاد الأوروبى وإيطاليا يدعمان السلطة الفلسطينية ب23 مليون يورو.. وفلسطين تدعو استونيا وليتوانيا وكرواتيا للاعتراف بها.. ومباحثات روسية سورية غدا بموسكو    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب تنخفض 720 للجنيه اليوم الخميس بالصاغة    سعر البطاطس والطماطم والخضار بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    محمد أسامة: تلقيت عرضا من الأهلي.. وثنائي الزمالك لا يعاني إصابات مزمنة    وزير الرياضة يتفقد نادي السيارات والرحلات المصري بالعلمين    لاعب أتلتيكو مدريد ينتقل إلى جيرونا    حدث ليلًا| مصر تسقط أطنانا من المساعدات على غزة وتوضيح حكومي بشأن الآثار المنهوبة    القاهرة الإخبارية: ترامب يوقع أمرا تنفيذيا برسوم إضافية 40% على البرازيل    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    25 صورة من تكريم "الجبهة الوطنية" أوائل الثانوية العامة    مدير أمن القليوبية يعتمد حركة تنقلات داخلية لضباط المديرية    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    «أمطار في عز الحر» : بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    هل تتأثر مصر بزلزال روسيا العنيف، البحوث الفلكية تحسمها وتوجه رسالة إلى المواطنين    ترامب: وزارة الخزانة ستُضيف 200 مليار دولار الشهر المقبل من عائدات الرسوم الجمركية    الوضع في الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان محور مباحثات مسؤول روسي وأمين الأمم المتحدة    ب 3 أغنيات.. حمزة نمرة يطلق الدفعة الثانية من أغنيات ألبومه الجديد «قرار شخصي» (فيديو)    الوجه الآخر للراحل لطفى لبيب.. تزوج «صعيدية» ورفض عمل بناته بالتمثيل    مونيكا حنا: علم المصريات نشأ فى سياق استعمارى    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: عملية التجويع لأهالينا فى فلسطين جريمة حرب    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    طريقة عمل المهلبية بالشيكولاتة، حلوى باردة تسعد صغارك فى الصيف    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    الشيخ خالد الجندي: الرسول الكريم ضرب أعظم الأمثلة في تبسيط الدين على الناس    وزارة العمل تبدأ اختبارات المرشحين للعمل في الأردن.. بالصور    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار الأمريكي (13)
نشر في الأهالي يوم 02 - 03 - 2011

فاشية بوجه صديق .. المكارثية.. نقطة سوداء في تاريخ النظام الأمريكي
للمفكر اليساري الأمريكي برترام جروس نظرية في تطور النظام الرأسمالي الأمريكي تذهب الي ان هذا النظام استخدم المعرفة وسيلة الي تكريس السلطة وتركيزها بين يديه الي حد حوله الي ما يسميه جروس "الفاشية بوجه صديق".
ويذهب «جروس» الي ان عقدي الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي شهدا نقطة الذروة في استخدام النظام الرأسمالي عملية تكوين الملفات والاهتمام بتوجيه العقول وبتوجهاتها اداة لتعزيز مؤسساته الحاكمة. ويقول انه كان من المستحيل تأسيس "الفاشية بوجه صديق" كسلطة مركزية ومنتشرة وقوية في الولايات المتحدة بدون الاعتماد علي المعرفة والمعلومات ووسائل الاتصال في المجتمع. قال «جروس» بهذه النظرية قبل وقت طويل من انتشار الشبكة العنكبوتية (الانترنيت) ووسائلها الواسعة والسريعة في نشر المعلومات، وذلك في كتاب له حمل هذا العنوان "الفاشية بوجه صديق: الوجه الجديد للسلطة في أمريكا" صدر في عام 1980. وقال إن السلطة الأمريكية قضت عقد الاربعينيات من القرن الماضي في عملية جمع المعلومات في ملفات عن كل من اشتبهت في ان يكون يساريا من قريب او بعيد ...ونتيجة ذلك فإن عقد الخمسينيات بدأ بالحركة المكارثية التي اتخذت من الكونجرس الأمريكي هيئة قضائية لمحاكمة من اشتبهت في كونهم يساريين. وتولي قيادة هذه الحركة السناتور الجمهوري اليميني جوزيف مكارثي.
ونظرا لان المكارثية تجاوزت كل الحدود بالنسبة لنظام يدعي الديمقراطية ويدعي احترام الحريات والحقوق المدنية الجماعية والفردية، فإن عقد الخمسينيات سمي من جانب كثيرين من المفكرين والمؤرخين الأمريكيين "عقد الكوابيس". خلال التحقيقات التي فتح ملفاتها في الكونجرس السناتور مكارثي كانت الكلمتان الاكثر ترديدا علي السنة "الادعاء" هما كلمتا "الولاء" و"الامن". باسم هذين المصطلحين جرت التحقيقات مع مئات بل الاف من موظفي الدولة - خاصة وزارة الخارجية والعسكريين خاصة في الجيش الأمريكي الذين كانوا قد عادوا لتوهم من حرب كوريا. واثناء سير التحقيقات - قبل ان تنتهي الي نتائج محددة - صدرت اوامر بالتطهير واوامر بوضع اسماء باعداد هائلة في القوائم السوداء شملت موظفين حكوميين واساتذة جامعات واكاديميين وفنانين ورجال إعلام. وصنفت اعداد اخري من هؤلاء علي انها لاشخاص موالين لموسكو عن وعي او بلا وعي.
والحقيقة - كما يشهد بها مؤرخون ممن لم ينتموا لليسار في اي من اتجاهاته - هي ان المكارثية لم تقتصر علي اللجنة التي رأسها السناتور مكارثي في الكونجرس وانما امتدت وانتشرت لتشمل كثيرا من هيئات السلطة واجهزتها. وامتد وجود هذه الاجهزة الي ما بعد انفضاض لجنة مكارثي التي كانت تحمل رسميا اسم "لجنة النشاط المعادي لأمريكا". وبطبيعة الحال فان هذه "اللجان" المكارثية الكثيرة التي لم تتخذ هذه الصفة الرسمية أبدا استخدمت وسائل عقابية ضد المشتبه في يساريتهم، منها حجب الوظائف والابقاء علي قوائم البطالة، ووصف الاشخاص المشتبه فيهم بانهم "غير متوازنين" او بانهم لا يصلحون لاداء عمل تكتيكي ... وهكذا تجنبت الهيئات الحكومية اوصافاً من قبيل "احمر" او "غير موال" او مشكوك في انتمائه، واطلق علي هذه الصفات وصف "التطهير الوقائي". واحيانا ما كان المسئولون ورؤساء الاعمال ذوو الميول المعادية لليسار يلجأون الي اساليب من نوع تعيين الاشخاص المشتبه فيهم في اماكن نائية لا يمكن ان يحتملوا العمل فيها فاما ان يفشلوا فيفصلوا او يستقيلوا من وظائفهم.
ويجدر بالذكر ان موسوعة الاسرة للتاريخ الأمريكي - وهي اشبه ما تكون بموسوعة حكومية ولا يمكن اتهامها بالميل يسارا - تقول في طبعتها الصادرة في عام 1975 ان كلمة المكارثية التي "دخلت اللغة من اسم مكارثي اصبحت تستخدم للدلالة علي غوغائية غير مسئولة مبنية علي اتهامات بغير ادلة وعلي الادانة بمحض القرابة". مع ذلك فان انصار مكارثي والمدافعين عن دوره في قيادة التحقيقات بشان المعادين لأمريكا اعتبروه وطنيا من طراز رفيع وكان مصمما علي تطهير المؤسسات الأمريكية وانقاذها من خطر الشيوعية الهدامة. اما منتقدوه الذين وقفوا ضد اساليبه الملتوية والمتعصبة فقد تمسكوا برأيهم فيه حتي النهاية وكان لهم النصر في هذه النهاية. لقد ادانه الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور وندد به باعتباره رجلا "اراد ان يضع نفسه فوق قوانين البلاد". وكان مكارثي قد خاض معركة ملتهبة مع الجنرال ايزنهاور بسبب اتهاماته غير المبررة لبعض قادة الجيش بالخيانة والولاء للشيوعية الدولية ولموسكو او بكين. ولم تلبث المعركة ان انتقلت الي الرئيس التالي لأمريكا هاري ترومان الذي واجه بحدة اتهامات مكارثي للادارة الديمقراطية برئاسة «ترومان» بانها مخترقة من الشيوعيين. وفشل السناتور اليميني في ان يثبت ايا من اتهاماته ضد الادارة وضد جنرالات الجيش.
تدهورت سمعة مكارثي سريعا وخبا نجمه وشهد بنفسه مجلس الشيوخ الأمريكي يصوت بتوجيه اللوم اليه باغلبية 67 صوتا ضد 22. ولم يستعد شيئا مما فقده من سمعته الا ان عددا من المنظمات اليمينية في الولايات المتحدة لا يزال يحمل اسمه ويروج لافكاره ويحيي ذكري ميلاده وموته (1957).
حدث هذا التحول المرير في سنوات قليلة ولكن الضرر الذي احدثه مكارثي والمكارثية باليسار وزعمائه واعضائه والمتعاطفين معه كان قد وقع والحق أذي واسع النطاق وعميقا باليسار الأمريكي كله في ذلك الوقت. ولم تهتم الحكومة الأمريكية ولا الجيش الأمريكي بطبيعة الحال رفع الغبن والظلم عن اليساريين بالآلاف الذين لحق بهم هذا الاذي. لقد نجحت المكارثية في تحطيم الحزب الشيوعي الأمريكي كتنظيم سياسي، بل نجحت في ابعاد اليسار الأمريكي من ميدان الحياة السياسية الأمريكية لمدة عقد كامل. ولم يفد اليسار شيئا مما ثبت عن غوغائية مكارثي ولا فشل المكارثية في اثبات اي اتهام وجهته الي اليساريين. كل ما في الامر ان توجيه اللوم الي السناتور اليميني في مجلس الشيوخ افاد حملة العلاقات العامة الدعائية التي شنتها الادارة الأمريكية لتؤكد ديمقراطية النظام الأمريكي والحريات المتوفرة فيه بالمقارنة الي بلدان العالم الاخري وخاصة البلدان الاشتراكية وفي طليعتها الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية. ارادت السلطات الأمريكية ان تبدو المكارثية شديدة الاعتدال بالمقارنة بما يجري في المجتمعات الاخري. ولم تكن الاضرار من وجهة نظر رسمية أمريكية فادحة باي حال: لقد نفذ الاعدام في شخصين هما الزوجان جوليوس وايتيل روززنبرج بتهمة تسريب اسرار القنبلة الذرية الي الاتحاد السوفييتي، واودع السجن عدة مئات من اليساريين او المشتبه في يساريتهم وسيق الآلاف الآخرون الي طوابير العاطلين.
وتعد هذه في نظر عديد من المؤرخين الأمريكيين البداية الحقيقية للحرب الباردة بين الكتلتين الغربية بقيادة الولايات المتحدة والشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي. فان الادارات الأمريكية المتعاقبة لم تكتف بتصوير ما حدث في حقبة المكارثية بانه اعتدال ودليل علي ديمقراطية النظام الأمريكي، انما قام الاتحاد السوفييتي بدوره بشن حملة قوية ضد النظام الأمريكي دافع فيها عن الشيوعيين الأمريكيين ووطنيتهم وأمميتهم في الوقت نفسه، واتهم الولايات المتحدة بانها تريد احتكار السلاح الذري حتي تتمكن من الحاق الهزيمة بالنظام الاشتراكي وبالعقيدة الشيوعية بقوة السلاح وليس بقوة المنافسة الاقتصادية والسياسية.
وترجع هذه النظرة الي ان حملة الحرب الباردة من الجانب الأمريكي صورت الشيوعية الأمريكية بانها خطر امني علي الولايات المتحدة، وانها تستعين علي ذلك باستخدام الشيوعيين الأمريكيين كطابور خامس داخل البلاد الأمريكية بهدف تقويض الديمقراطية والقضاء علي الاقتصاد الحر.
هكذا تحولت الحرب الباردة الي معركة داخلية في الولايات المتحدة ولم تكن فقط موجهة الي الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية كهدف خارجي، انما اصبحت موجهة وبدرجة اساسية الي اليسار الأمريكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.