الشعوب العربية تنتفض ضد الديگتاتورية والفساد العالم العربي يتغير والشعوب التي ظلت صامتة لعقود طويلة وتتحمل الظلم والقهر وانعدام الحريات، خرجت إلي الشوارع لكي تتظاهر بكل ما أوتيت من قوة ضد الأنظمة التي تمارس هي أيضا كل ما أوتيت من قوة لضرب تلك التظاهرات، ومحاولة القضاء علي موجات الغضب العربي التي تنتقل من بلد إلي آخر بسرعة هائلة، بفضل ثورة «الإنترنت» وشبكات التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» و«التويتر»، والفضائيات التي تنقل ثورات الشعوب العربية للعالم علي الهواء مباشرة. انتصار الثورة في تونس ومصر وسقوط بن علي ومبارك في أقل من شهر (14 يناير في تونس و11 فبراير في مصر) يشكل حافزا وتشجيعا هائلا لبقية الشعوب، خاصة أن مظاهرات النصر المليونية في مصر بالذات، أثارت شهية بقية الشعوب العربية للاستمرار في النزول إلي الشوارع وتحدي بطش الأنظمة وقوات الجيش ومكافحة الشغب وأجهزة الإعلام الرسمية والمناورات المعادة للحكومات، والأهم من ذلك أن هناك إصرارا علي المواصلة ودفع ثمن الحصول علي الحرية، وهو ما نقلته مشاهد المواجهات العنيفة لشباب عربي جديد مستعد للشهادة، وهذه المرة أمام أنظمة حكم «وطنية» بعد أن استشهد آباؤهم للتحرر من «الاستعمار» و«أنظمة الحكم» العميلة، ولكن الصدمة كانت هائلة عندما تبين وعبر عقود من الحكم «الوطني» أن تلك الأنظمة فشلت في حماية الاستقلال الوطني، وفشل بعضها في تحرير أراض محتلة لعقود دون أفق واضح للتحرير، وعاشت شعوب أخري تحت مظلة حكم شمولي ديكتاتوري جمعت كل أنظمة الحكم ما بين «ملكية وجمهورية وجماهيرية وسلطنة وإمارة وحتي سلطة حكم ذاتي منقوصة كل صور السيادة، وأخري سلطة انقلاب تحت حصار الاحتلال». ورغم تلك الأوضاع العجيبة من أنواع الحكم، فإن صورة العالم العربي أمام العالم تتغير كل يوم، وأصبحت أنباء وصور المظاهرات والاحتجاجات وبرامج ومطالب التغيير تتصدر الأخبار في الصحف الكبري ومحطات التليفزيون والإذاعة، والجديد هذا الأسبوع هو تراجع أخبار ثورة 25 يناير المصرية وتصدر أنباء الانتفاضات والاحتجاجات العربية في البحرين واليمن وليبيا والجزائر والأردن وسوريا والعراق والأراضي الفلسطينية، إضافة إلي متابعة مستمرة للثورة في مصر وتونس ضد الأنظمة السابقة التي تحاول التشبث بمقاعدها وتحريك الثورة المضادة ومحاولات قوي مختلفة اختطاف ثورتي مصر وتونس. ليسوا الإسلاميين الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في شئون الشرق الأوسط «روبرت فيسك» كتب في جريدته الإندبندنت تحت عنوان «هذه تظاهرات شعبية علمانية، لكن الجميع يتهمون الدين» يقول: «إن الدين كان له دور محدود فيما يحدث حاليا من ثورات في العالم العربي، وأن إطاحة النظامين في كل من مصر وتونس لم تأت بدعم من أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة». ويقارن فيسك بين خطأ شاه إيران في نهاية السبعينيات حين كان يواجه ثورة إسلامية واتهم الشيوعيين بالقيام بالثورة، وبين ما يفعله الحكام العرب الآن باتهام الإسلاميين بالقيام بتلك الثورات، وهو ما فعله بن علي تونس ومبارك في مصر، والنظام في البحرين الذي يتهم إيران بتحريض الشيعة في البحرين علي القيام بتلك الاحتجاجات الضخمة، فيما يتهم ملك الأردن القاعدة والإخوان المسلمين بالوقوف وراء الاحتجاجات في بلاده. ويخلص فيسك إلي القول من الأفضل تجاهل كل المحللين ومراكز الأبحاث التي يحتل خبراؤها شاشات الفضائيات، فإذا كان بإمكان «التشيك» نيل حرياتهم، فلماذا لا يفعلها المصريون؟ وإذا كان ممكنا الإطاحة بالديكتاتوريات في أوروبا الفاشية ثم الشيوعية، فلم لا يطاح بها في العالم العربي ولنخرج الدين من الموضوع؟ امسك تدخل أجنبي البحث عن عدو خارجي ومؤامرات تحاك خارج الحدود وأموال وأسلحة يتم تهريبها بهدف زعزعة الاستقرار في الداخل، هي دائما الخطة التي تلجأ إليها الأنظمة للابتعاد عن الاعتراف بالفشل الذريع في إدارة أنظمة الحكم، وتحقيق تنمية تصل عوائدها إلي الشعوب، وحتي الدول النفطية الغنية مثل الجزائر وليبيا والبحرين فشلت أيضا في حل المشاكل الحياتية اليومية، فشهدت الجزائر مثلا الآلاف من محاولات الهرب عبر البحر إلي فرنسا وإسبانيا، وأصبحت ظاهرة العثور علي قوارب الموت وقد غرقت بمن عليها من شباب جزائري ظاهرة يومية وأطلق علي هؤلاء اسم «الحراقة»، فيما يظل الملايين من الشباب الجزائري بلا عمل وأصبحوا يحملون اسما آخر وهو «الحيطست» من كثرة جلوسهم في الشوارع مستندين إلي الحوائط بلا عمل ولا مستقبل. وساهم ارتفاع نسبة التعليم الجامعي في الدول العربية إلي تنامي الوعي الذي ينسب أكثر للتقنيات الحديثة بالتعامل مع شبكات الإنترنت، والتواصل وتبادل الآراء وزيادة أعداد المدونين، وتحولت حالات السخط الفردي إلي حالات غضب جماعي سرعان ما أخذت طريقها إلي الشارع. الفساد ولعب الفساد دورا إيجابيا في زيادة موجات الغضب، إذ تحول جزء يسير من أموال الفساد المنهوبة إلي بناء قصور فاخرة وامتلاك سيارات فارهة، واستيراد مأكولات طازجة من أفخر مطاعم أوروبا بالطائرات، وانقسم العالم العربي إلي نخب تحكم وتملك كل مصادر الثروة «الحكم والتجارة كما يحدث في الخليج» علي الرغم من أن تعاقدا اجتماعيا غير مكتوب في تلك الدول نص علي أن يكتفي الحكام بالحكم وإدارة شئون الدولة، وأن يتركوا التجارة لأصحابها وهو ما لم يحدث في ظل شره لا يشبع من الحصول علي كل مصادر الثروة. الغرب يبحث عن مصالحه وتكشف الانتفاضات العربية عن زيف ادعاءات الغرب وبخاصة الولاياتالمتحدة وبريطانيا حول الاهتمام بدعم الشعوب العربية في نضالها من أجل الحريات والديمقراطية، إذ وقفت هذه الدول إلي جانب الأنظمة التي وفرت لها اتفاقيات ومعاهدات وقواعد وتسهيلات وتبادل معلومات وأنشطة تجسس لضمان مصالح تلك الدول الغربية التي لم تر في الواقع العربي سوي مخزن للنفط ومليارات الدولارات يعاد استثمارها لديها سواء فوائض تلك الدول أو أموال الفساد. وانكشف بالدليل القاطع أن ترديد الدول العربية عبارات حول قضايا مركزية مثل القضية الفلسطينية هو من قبيل الاستهلاك المحلي، وأن كل الدول العربية إما تخشي إسرائيل وتتعاون معها في الخفاء، أو تتعاون في العلن كما فعلت مصر والأردن وقطر وسلطنة عمان والمغرب وتونس. كرم ضيافة في البحرين ومرة أخري نقتبس من «الإندبندنت» البريطانية التي نشرت تقريرا بعنوان «كيف علمت بريطانيا قوات الشرطة العربية كل ما تعرفه» يقول التقرير «إنه خلال السنتين الماضيتين قامت الشرطة البريطانية بتدريب رجال الشرطة في كل من ليبيا والبحرين والسعودية وقطر وإمارة أبوظبي علي كيفية مواجهة التظاهرات وحالات الاحتجاج الضخمة.. ويتعين الآن علي بريطانيا أن تدرك وتستفيق من حقيقة أن تسليحها للأنظمة المستبدة العميلة في الخارج، هو في نهاية المطاف عمل سيء بكل المقاييس». أما «التايمز» فقد نشرت تقريرا أعدته مراسلة الصحيفة «لورا باتيل» حيث نقرأ عن مسئولين في الحكومة البريطانية تلقوا هدايا وأمضوا رحلات مجانية بلغت تكاليفها عشرات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية، وكلها علي نفقة العائلة المالكة في البحرين. ويقول التقرير إن ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة قدم في عام 2009 هدايا ثمينة لزعيم حزب المحافظين ورئيس حكومة الظل البريطانية حينذاك «ديفيد كاميرون» احتفظ بها لنفسه، وفي العام الماضي وبعد أن أصبح «كاميرون» رئيسا للوزراء تلقي مجوهرات من ملك البحرين أيضا ولكن تم الاحتفاظ بها هذه المرة لدي الحكومة كونه أصبح رئيسا للحكومة. عشرات القصص حول الهدايا الثمينة والدعوات الملكية لكبار المسئولين في بريطانيا والولاياتالمتحدة، نظير ضمان تأييد تلك الدول للأنظمة العربية والسكوت عن قصص الفساد التي وصلت إلي قلب أوروبا في ظل امتلاك عديد من الحكام العرب قصورا فاخرة في أهم المدن والمنتجعات الأوروبية، لدرجة أن مدينة «ماربيلا» الإسبانية تنتعش بشدة عندما يصل الأمراء من الخليج إلي هناك في الصيف. أفول جيل وأخيرا فإن قادة أوروبا والولاياتالمتحدة بدأوا في مواجهة الحقيقة، ذلك أن القادة والزعماء الذين تعودوا علي التعامل معهم يتساقطون، والدعائم القديمة أصبحت لا تجدي نفعا، ولابد من إيجاد أسس جديدة لبناء العلاقات المستقبلية تستند أولا إلي دعم الأجيال الجديدة التي تظهر الآن في العالم العربي، وتتوق إلي تغيير صورة العرب النمطية كعقلية متخلفة لا تقبل الديمقراطية وقواعد المدينة الحديثة، وقد انتاب الصحفيون ومراسلو التليفزيون ووكالات الأنباء الدهشة إلي حد غير مسبوق وهم يصورون الشباب في مصر فتيانا وفتيات، محجبات وغير محجبات وهم ينظفون ميدان التحرير بعد انتصار الثورة، وإلي امتداد موجة التنظيف إلي كل أرجاء المدن في جميع المحافظات وكانت تلك رسالة واضحة أن هناك جيلا جديدا يكنس فساد جيل قديم تتداعي عروشه في العالم العربي، في ثورة لا تزال مستمرة، ويتابعها العالم علي الهواء مباشرة، وبلا ملل.