هذا الموضوع ليس الهدف منه التحريض علي ثورة شعبية في مصر بقدر ما هو تحذير وجرس انذار قبل دخول البلاد في دوامة لا يعرف احد عواقبها خاصة أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي دفعت الشعب التونسي الي الخروج الي الشارع خلال الايام القليلة الماضية وأجبرت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للهروب إلي خارج البلاد خوفا من عقاب ضحايا من ابناء الشعب الذي عاني في عهده من الفقر والفساد والبطالة وغياب الديمقراطية وقمع المعارضين واطلاق الوعود الكاذبة. هي نفس الظروف التي تعاني منها دول عربية كثيرة وعلي رأسها مصر.وجرس الانذار الذي تعلن عنه"الاهالي" اليوم مصحوب ببعض التوصيات والمطالب العاجلة التي تدعو المسئولين الي سرعة تغيير سياساتهم التي تفضحها الارقام والوقائع والتصريحات الكاذبة حفاظا علي استقرار هذا البلد..فماذا يحدث؟ فقراء تونس بداية يري المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان له صدر صباح أمس الاول الاثنين ان فقراء تونس نجحوا في قهر الرئيس زين العابدين بن علي قبل أن يكمل العام الأول من فترة ولايته الخامسة في الحكم حيث اندلعت مظاهرات العاطلين الغاضبة في مدينة سيدي بوزيدالتونسية منذ ثلاثين يوما مضت احتجاجا علي ما تعرض له الشاب محمد بوعزيزي الذي كان يقف بعربة خضار في سوق المدينة رغم انه حاصل علي مؤهل جامعي، وبدلا من ان يظل عاطلا امتهن هذه المهنة بحثا عن لقمة عيش شريفة إلا أن قوات البلدية التابعة للشرطة التونسية في احدي حملاتها القمعية قامت بسحب العربة منه وتكسيرها مما أصابه بالقهر والعجز واليأس فقام في 17 ديسمبر2010 بإحراق نفسه. ويقول بيان المركز إنه لم يكن هذا اليوم يوما عابرا في تاريخ الشعب التونسي ولم يمر ما فعله البوعزيزي بنفسه مرور الكرام فخرجت المدينة عن بكرة ابيها غاضبة ومحتجة ومطالبة بتصحيح الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ورغم كل ما فعلته قوات الشرطة من اساليب استخدمت فيها كل الاسلحة حتي الرصاص الحي لكنها فشلت في قمع الاحتجاجات التي انتقلت لباقي المدن التونسية بفضل نضال اتحاد الشغل التونسي الذي انحاز لمطالب الشعب التونسي التي أخذت في التصاعد إلي المطالبة بطرد بن علي ورموز حكمه. ويشير بيان المركز أن بن علي حاول اتخاذ اجراءات تراجعية وقام بعزل وزيري الاتصال والإعلام ثم وزير الداخلية بل اعاد تشكيل الحكومة برئاسة محمد الغنوشي. ويري المركز المصري الذي يرأسه خالد علي المحامي أن كل هذه الاجراءات التراجعية وما صاحبها من عنف شرطي شهد تصاعدا في عدد القتلي والجرحي جعلت الشعب التونسي اكثر اصرارا وعزيمة في مطالبه مما أجبر بن علي علي الفرار من البلاد صباح الجمعة الموافق 14 يناير 2011 وحاول اللجوء لأي من حلفائه في أوربا وأمريكا والذين كانوا يدعمونه حتي الأمس لكنهم - بالطبع- رفضوا استقباله أو استضافته وتخلوا عنه. ويثمن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هذه اللحظة التاريخية في حياة الشعب التونسي ولكنه يتطلع لتكون لحظة فارقة في تاريخ هذه المنطقة، وفي القلب منها مصر التي يمر شعبها بظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية أشد قسوة مما يمر به الشعب التونسي. مطالب وفي هذا الاطار يطالب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من الحكومة المصرية بوضع حد أدني عادل للأجور، والغاء قرارات وزيري الصحة والتنمية المحلية بشأن اللوائح الجديدة للمستشفيات التعليمية والحكومية، وعدم إحداث أي تعديلات في قوانين الوظيفة العامة والتأمين الصحي والنقابات العمالية الا بعد مناقشة مجتمعية حقيقية ومراعاة البعد الاجتماعي لعلاقات العمل والحق في الصحة في أي تعديلات، ومراجعة السياسات والقوانين الضريبية بما يكفل تحقيق عدالة ضريبية، ووقف حالة الطوارئ وإطلاق سراح جميع المعتقلين ، وتشكيل جمعية تأسيسية تمثل فيها جميع القوي السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني لوضع دستور جديد للبلاد يكفل إطلاق الحريات وإرساء حياة ديمقراطية حقيقية، وذلك قبل أن تحدث غضبة الشعب المصري مثلما حدث بتونس. أكاذيب ومن الشرارات التي دفعت الشعب التونسي الي الخروج الي الشارع منتفضا أكاذيب الرئيس والحكومة وتصريحاتهما بحل مشاكل البطالة ومقاومة الفساد، وهذا يذكرنا بالسادة المسئولين في مصر خاصة في الفترة القليلة الماضية في موسم الانتخابات البرلمانية والدورة الجديدة لمجلس الشعب. وهذه الاكاذيب التي تزيد الشعب احباطا فهو الذي يشعر بالظلم والفساد وتدني مستوي المعيشة في كل مكان ، ليست بجديدة فمنذ بداية حكم النظام السياسي الحالي ونحن نسمع شعارات تزيد من احباط الشعب وعدم ثقته في القيادة السياسية فمثلا ومنذ اكثر من ربع قرن سمعنا الي شعارات علي لسان كبار المسئولين ومنها علي سبيل المثال :"لن أرحم أحدا يمد يده إلي المال العام حتي لو كان أقرب الأقرباء ، إنني لا أحب المناصب ولا أقبل الشللية وأكره الظلم ولا أقبل أن يظلم أحد وأكره استغلال علاقات النسب ( 18 أكتوبر 1981 جريدة مايو ) ، و:"الكل سواء عندي أمام القانون ونحن لا نريد قانون الطوارئ ( 20 أكتوبر 1981 جريدة نيويورك تايمز) ، و:" لن أقبل الوساطة وسأعاقب لصوص المال العام ( 26 أكتوبر 1981 مجلة أكتوبر ) ، و:" مصر ليست ضيعة لحاكمها ( المصور 30 أكتوبر 1981 ) ، و:" الكفن مالوش جيوب ، سنعلي من شأن الأيادي الطاهرة ( خطاب له في فبراير 1982 ).المشكلة ان العكس تماما هو الذي يحدث، الامر الذي يزيد من احتقان الشعب وينذر بانتفاضة وغضبة شعبية مشابهة لما يحدث الآن في تونس. الفساد والشعب التونسي انتفض ايضا بسبب الفساد وهي المشكلة التي تعاني منها مصر الآن ونحتاج الي مواجهة عاجلة بمعاقبة الفاسدين عن طريق التحقيق الجاد في التقارير الرقابية والمعلومات الرسمية فمثلا وبقراءة سريعة في استبيان حديث أجراه مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وقوله بأن 80% من الأفراد يرون أن عضوية رجال الأعمال في مجلس الشعب تزيد من فرص الفساد، أما عن النظام الاقتصادي المفضل لدي أفراد العينة، فقد رأي 61% منهم أنه النظام الذي يعتمد فيه بدور رئيسي علي الدولة والقطاع العام، بينما رأي 30% أنه النظام الذي يعتمد فيه علي القطاع الخاص في ظل تشديد دور الدولة. نتائج الاستبيان التي نوقشت ايضا في ندوة "النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد في مصر" التي عقدها في القاهرة مركز الأهرام بالتعاون مع مركز المشروعات الدولية الخاصة لتعزيز الديمقراطية، كشفت عن أن الإدارة المحلية في مصر نالت القسط الوافر من الاتهام بالفساد، وارجع نائب رئيس مركز الدراسات العربية والأفريقية عبد الغفار شكر ذلك إلي تعدد المسئوليات الموكلة للإدارة المحلية، فهي تشرف علي أعمال نحو 14 وزارة، في ظل ازدواجية جهات الرقابة المركزية، وغياب الرقابة الشعبية الحقيقية علي أعمال الإدارة المحلية،وقد رأي المشاركون في الاستبيان أن الفساد ينتشر بشكل أكبر في الشركات الحكومية، والمستشفيات العامة، والمرور، والمؤسسات التعليمية، والإدارة المحلية، أوضح مدير مركز الأهرام جمال عبد الجواد أن الفساد يمارسه القادرون والأغنياء، وأن الفقراء ليس لهم احتكاك بشكل كبير مع الجهاز الحكومي، وحول تفسيره لتفضيل أفراد العينة دورا أكبر للدولة والقطاع العام في الاقتصاد، وارجع "عبد الجواد" ذلك إلي حالة التزاوج بين السلطة والثروة عبر دور عدد محدود من كبار الرأسماليين في توجيه السياسات الاقتصادية وتولي مسئوليات سياسية وتنفيذية، وما نشر عن تحقيقهم لمصالحهم الخاصة من خلال هذا الدور علي حساب المصلحة العامة. وكثرت التقارير التي تتحدث عن تفشي الفساد في مصر خاصة في عام 2010 ، واخرها تقرير منظمة الشفافية الدولية وتقريرين حكوميين مصريين صدرا بعده، الأول هو تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وهو أعلي جهة رقابية رسمية مصرية وقد نوقش في البرلمان المصري في دورته السابقة، وكان من أبرز ما جاء فيه هو الحديث عن الصناديق الخاصة القائمة خارج الميزانية الرسمية للدولة والتي تزيد علي ألف صندوق. الفقر "التوانسة" الذين انتفضوا ضد الحكم قالوا إنهم يكتوون بنيران الفقر وهي نفس القضية التي يعاني منها غالبية الشعب المصري ، فحكومة مصر التي اكدت رفع مستوي المعيشة ،تكذب علي الشعب الذي يعرف الحقيقة ويرددها في الشارع وفي المواصلات العامة فقد كشفت أحدث تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الحساب الختامي لموازنة الدولة في عام 2009 عن ارتفاع معدلات الفقر في مصر الي 23.4 % مقارنة ب 20 % في موازنة 2007/2008 وفقاً لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأممالمتحدة. تزايد البطالة ومن ضمن الاسباب الرئيسية التي اشعلت انتفاضة التوانسة هي البطالة وتزايد عدد العاطلين وهي مشكلة يعاني منها شباب مصر علي مدار الربع قرن الماضي، فقد جاء في مناقشات ورشة العمل التي نظمتها منظمة العمل الدولية بالاشتراك مع مديرية القوي العاملة مؤخرا بالفيوم، وأن 70% من خريجي المدارس عام 2004 لم يحصلوا علي فرص عمل، وأن أخطر مشكلة تواجه الحكومات هي البطالة والتي لم تجد لها حلا حتي الآن. الأجور والأسعار والقشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون هي الاجور والاسعار، ذلك الملف والمعادلة الصعبة التي فشلت حكومة تونس ان تقرب المسافة بينهما وكانت النتيجة غضبة شعبية اطاحت بالرئيس وبالنظام السياسي القائم ، وقضية الاجور والاسعار حديث الناس في مصر ايضا ومشكلة يكتوي منها الغالبية ومع ذلك تكذب الحكومة وتقول علي لسان كبار مسئوليها بان الاجور زادت بنسبة 115% خلال السنوات الاربع الماضية ولكن البيانات الحديثة الصادرة عن البنك الدولي تشير الي أن الحد الأدني للأجور في مصر لا يتمشي مع المعايير الدولية ، مع ملاحظة أنه يزيد من انخفاض الحد الأدني للأجور في مصر زيادة ساعات العمل التي تتراوح بين 54 و58 ساعة أسبوعياً وذلك وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، ويؤكد تقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الانسان اعدته مجموعة من الخبراء الي أن الأسعار ارتفعت خلال السنوات الاربع الماضية بنسبة 200% وهو ما لا يتناسب مع منظومة الأجور في مصر التي هي دون مستوي الحد الأدني ، بل وتفتقد بأي شكل من الأشكال المعايير الدولية المعنية بوضع الحد الأدني للأجور ، فالحد الأدني للأجور في مصر هو أدني بكثير من خطّ الفقر المدقع، والمقرر دولياً بدولارين في اليوم للفرد، فوفقاً لدليل السياسة الاجتماعية الذي صدر عن الأممالمتحدة في شهر يناير 2009 نجد أن الحد الأدني للأجور في الحكومة والقطاع الخاص والبالغ 142 جنيهاً ، أقل من خط الفقر الأدني في مصر، والذي يبلغ 150 جنيهاً في الشهر،ووفقاً للدليل احتلت مصر الترتيب الخامس علي مستوي منطقة الشرق الأوسط ، فيما جاء ترتيبها العالمي في المركز 62 ضمن 112 دولة شملها البحث.. جدير بالذكر أن حكومة الرئيس مبارك رفضت تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة التي ألزمت الحكومة بتنفيذ حكم تحديد الحد الأدني للأجور الصادر في مارس الماضي. الدعم!! سيطرة حفنة قليلة من رجال السلطة والثروة علي ثروات البلاد كان محل نقد الانتفاضة الشعبية في تونس حتي وصل الامر لدرجة استيلاء هؤلاء علي معظم الدخل القومي وهذا ما يحدث في مصر بالضبط ونحن نحذر من استمراره فتكشف دراسات حديثة عن خلل واضح في تقدم الدعم ونقول انه في كل عام عندما يتم تقديم مشروع الموازنة العامة للدولة، تبدأ الحكومة في الحديث عن ضخامة مخصصات الدعم الاجتماعية، وذلك رغم أن مصر من أقل بلدان العالم تقديما للدعم، حيث بلغ إجمالي مخصصات الدعم في الموازنة العامة للدولة للعام المالي2010/2011 ، نحو 115.92 مليار جنيه، توازي نحو 8.4 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام المالي المذكور والبالغ نحو 1378 مليار جنيه، ونذكر أن تدني الإنفاق علي الدعم، هو هيكل هذا الإنفاق الذي يوضح أن الغالبية الساحقة منه تخصص عمدا للطبقة الرأسمالية الكبيرة وليس للفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطي كما هو مفترض. وتشير دراسة جديدة للدكتورة شيرين الشواربي الباحثة في مجال خفض الفقر بالبنك الدولي إلي أن 45% من إجمالي الدعم يذهب لأغني 60% في مصر، مشيرة إلي أنه يمكن توفير دعم بنسبة 63% لصالح الفقراء، وكشفت عن تسرب الخبز البلدي بنسبة 31%، فيما بلغت نسبة التسرب في البطاقات التموينية 26%، مشيراً إلي أن نسبة الفاقد في الدقيق مازالت كبيرة، حيث تمثل نسبة الفاقد ثلث حجم الدقيق المدعم، وأضافت أن تكلفة توصيل الخبز البالغ سعره جنيها هي جنيه و40 قرشاً، وهي تكلفة باهظة جداً تقلل من قيمة الدعم الحقيقية،وقالت إن تكلفة الدعم المسرب بلغت وفقاً للعام المالي 2008/2009 حوالي 5ر5 مليار جنيه يمثل القمح النسبة الكبري منه بنسبة 61%، يليه الزيت بنسبة 18%، وأوضحت أن محافظات الصعيد هي الأقل استفادة من الدعم تليها محافظات الوجه البحري، مشيراً إلي أن بُعد القاهرة تماماً عن عدم الاستفادة لاستحواذها علي الجزء الأكبر من الدعم.