عديدة هى التحديات التى سيواجهها رئيس الجمهورية القادم، والتى يتحمل مع مجلس النواب والحكومة مسئولية التصدى لها وحلها، أو على الأقل البدء فى التعامل الصحيح معها خلال العام الأول من حكمه. ورغم تعدد التحديات والملفات، فأظن أن هناك ثمانية تحديات داخلية تمثل أولوية لأى رئيس قادم. أولها قضية حماية الدولة الوطنية المدنية، يليها التصدى للإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، فالقوانين المطلوب إصدارها تطبيقا لمواد الحقوق والحريات والواجبات العامة الواردة فى الدستور، ثم ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فقضية الأجور، ومواجهة الفقر والفقر المدقع، والبطالة، والفساد. وعلى هذه الصفحة نعرض التحديات الأربع الأولي. الملف الأول حماية الدولة الوطنية المدنية لأول مرة تصبح الدولة الوطنية المدنية المصرية التى ناضل الشعب المصرى من أجل تأسيسها طوال ما يزيد علي 200 عام منذ محمد على وحتى اليوم.. مهددة بالتفكك والتدمير. فاليمين الدينى وتيار الإسلام السياسى ممثلا فى جماعة الإخوان وحلفائهم يخوضون حربا ضروس لتدمير الدولة الوطنية المدنية فى مصر، لتأسيس ما يسمونه «الدولة الإسلامية» و»دولة الخلافة» و»دولة المرشد» وخلال هيمنتهم وحزب النور على المجلس النيابى وحكم الرئيس السابق د. محمد مرسي، جرت محاولات لتحقيق هذا الهدف، بدءا بدستور 2012 الذى أكد مفهوم الدولة الدينية بإضافة المادة 219 إلى المادة الثانية، وأسقط شعار ثورة 1919 العظيم «الدين لله والوطن للجميع»، وفرض هو ية ثقافية على المجتمع، وأقام نظاما استبدادىا يتمتع فى ظله رئيس الجمهورية بسلطات مطلقة، وانتهاك استقلال السلطة القضائية والعدوان على المحكمة الدستورية، وجرت محاولات دءوبة لأخونة أجهزة الدولة الرئيسية خاصة الشرطة والقوات المسلحة والقضاء. وتواصل الجماعة وحلفاؤها جهودهم لتفكيك الدولة الوطنية بتركيز نشاطهم الإرهابى على الشرطة والقوات المسلحة والقضاء، باعتبارهم مفاصل رئيسية فى بناء الدولة الوطنية. الملف الثاني التصدى للإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار فمصر تتعرض لموجة إرهابية جديدة تفوق الإرهاب الذى تعرضت له من قبل فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. فالإرهاب المتستر بالدين الذى تمارسه جماعة الإخوان ومجموعات العنف المنبثقة عنها مثل «أنصار بيت المقدس» تستفيد من الانتشار غير المسبوق للسلاح فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011. فإضافة إلى لجوء تجار سلاح لتهريب 250 ألف مطوة قرن غزال و250 ألف قطعة «إليكتريك ستيك» من جنوب أفريقيا، فقد تدفقت لمصر البنادق الآلية الإسرائيلية والبنادق الآلية الأمريكية من طراز 16M، تم تهريب أسلحة ثقيلة وصواريخ مضادة للطائرات عبر الحدود الغربية والشرقية فى ظل انهيار الدولة فى ليبيا بعد هجوم قوات حلف الأطلنطى واستهداف حماس فى غزة لمصر بعد إسقاط الشعب للإخوان واستغلال ما يزيد على 1500 نفق بين غزةوسيناء لتهريب مدافع «جرينوف» والقاذفات الأرضية «آر. بي. جي»، ومضادات طائرات 307 بوصة و405 بوصة ويقدر الخبراء حجم تجارة السلاح بأكثر من 10 مليارات جنيه. واستفاد الإرهاب أيضا من وجود قوى معادية لمصر فى الشرق «حماس» والغرب «الفوضى فى ليبيا» والجنوب «حكم البشير» فى السودان. واستهدف الإرهاب القوات المسلحة خاصة فى سيناء، وقوات الشرطة. وقد سقط للشرطة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى 30 أبريل 2014.. (480) شهيدا وأصيب أكثر من 10 آلاف جندى وضابط شرطة. ولو قارنا ذلك بشهداء الشرطة خلال السنوات العشر السابقة من يناير 2001 وحتى يناير 2014 فنجد أن العدد لم يتجاوز 36 شهيدا للشرطة. الملف الثالث القوانين المترتبة على مواد الحقوق والحريات والواجبات العامة فى الدستور فرض الدستور الجديد (دستور 2014) إجراء تعديلات تشريعية وإصدار تشريعات جديدة لتتوافق القوانين مع نصوص الدستور. ويتطلب الباب الثالث الخاص ب «الحقوق والحريات والواجبات العامة تعديل وإصدار القوانين التالية على سبيل المثال لا الحصر». - قانون بتجريم التعذيب وسوء المعاملة على أساس التعريف العالمى لجريمة التعذيب. - قانون لإنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة التمييز والحض على الكراهية. - تعديلات فى قانون العقوبات لصيانة الحرية الشخصية وتنظيم أحكام الحبس الاحتياطى ومدته وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض. - حماية الحياة الخاصة وحق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها. - تجريم الاعتداء على جسد الإنسان. - تجريم إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، أو منعه من العودة إليها. - ضمان حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية الفكر والرأى وحرية البحث العلمى وحرية الإبداع الفنى والأدبي، وحقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها. - كفالة حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع، وإصدار الصحف بمجرد الإخطار، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية. - الحق فى تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية بمجرد الإخطار. - تكوين الأحزاب السياسية بالإخطار، وحظر قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية أو سرى أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكري. الملف الرابع تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية منذ عام 1974 – وعقب انقلاب القصر الذى قاده الرئيس السادات فى 13 مايو 1971، وحرب 1973 – اعتمد الحكم القائم ما أسماه سياسة «الانفتاح الاقتصادي» والقائمة على تخلى الدولة عن أى دور فى الاستثمار والتنمية وتوفير الخدمات الأساسية للطبقات الفقيرة، وفتح الباب أمام رأس المال الأجنبى للنشاط فى جميع مجالات الاقتصاد فى الصناعة والتعدين والبنوك وإعادة التأمين والاستيراد.. إلخ، ومنح رأس المال الأجنبى والعربى امتيازات اقتصادية ومالية وجمركية، وتحويل القطاع العام إلى قطاع خاص تحت اسم الخصخصة، وإعفاء رأس المال الأجنبى من قوانين مرحلة التحول (1961 – 1964) من حيث الملكية والنشاط والإدارة والعمالة والأرباح والاستيراد والنقد الأجنبي. وأطلقت حرية الرأسمالية فى النمو والربح والاستغلال والارتباط برأس المال العربى والأجنبى والرأسمالية العالمية خاصة فى مجال المقاولات والتجارة، لتتحول تدريجيا إلى رأسمالية طفيلية تنشط فى مجال التجارة والاستيراد والخدمات وتسعى للربح السريع على حساب الرأسمالية المنتجة خاصة الصناعية، ولتشجيع ثقافة الاستهلاك الترفى والولع بكل ما هو أجنبى والإعراض عن كل ما هو إنتاج وطني. وقام نظام مبارك فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى بتطبيق روشتة صندوق النقد الدولي والبنك الدولى المعروفة بسياسة «التثبيت والتكيف الهيكلي»، وتنفيذ توجهات هيئة المعونة الأمريكية، لتنسحب الدولة من الاستثمار وتتم تصفية القطاع العام وتطبق آليات السوق الرأسمالى بلا ضوابط أو قيود، وهو ما أدى إلى توقف التنمية وازدياد نسب الفقر والبطالة وشيوع الفساد، ودخول مصر فى أزمة اقتصادية اجتماعية كانت أحد أبرز أسباب ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو، ومازالت نفس هذه السياسات مطبقة حتى الآن ولابد من تغييرها. لقد أنتجت هذه السياسات ضمن ما أنتجته: - ضرب الصناعة المصرية، والنمو الطفيلى لقطاع الخدمات. - الارتفاع المتوالى والفلكى للأسعار مع تراجع التنمية الحقيقية للنقود وبالتالى انخفاض مستوى معيشة كل من يعمل بأجر. - العجز مع العالم الخارجى وازدياد الديون. - سوء توزيع الدخل وانتشار الفقر. (ونتناول بقية التحديات فى العدد القادم)