حسين العوداتطرحت الحكومة السورية مطلع هذا الأسبوع علي الاستكتاب أذون خزينة (سندات) بمبلغ ملياري ليرة سورية، لمدة ثلاثة أشهر وستة أشهر، علي أن تصدر في وقت لاحق سندات لمدة ثلاث سنوات وخمس سنوات، وحسب وزارة المالية السورية فإن حصيلة هذه السندات سوف توظف في مشروعات توليد الكهرباء. وهذا القرار الذي يتخذه النظام السياسي السوري لأول مرة منذ تولي حزب البعث الحكم عام 1963، هو خروج عن سياسة الحكومة السورية التقليدية التي كانت تقوم علي الاعتماد علي المصرف المركزي السوري في الاقتراض الداخلي. تلقي اقتصاديون سوريون بحذر شديد هذا القرار، وشككوا بجدواه أو فائدته للاقتصاد السوري، بل رأي بعضهم أنه بعيد عن مصلحة الاقتصاد السوري أو القطاع العام، وانطلق تشكيكهم من مبررات وأسباب أهمها أنهم يعتقدون أن حصيلة بيع السندات ستكون لتمويل الانفاق الجاري أو تغطية عجز الموازنة وليس لتمويل مشروعات كبري وإنمائية، ذلك لأنه لو كان الهدف من بيع هذه الأسهم تمويل مشاريع الطاقة أو مشاريع البنية التحتية فينبغي أن تكون لآجال طويلة أقلها مدة ثلاث سنوات وأكثر وليس ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، فأي مشروع إنتاجي هذا الذي سينتهي العمل به ويوضع في الاستخدام خلال ثلاثة أشهر، فالمشروعات الإنتاجية تحتاج عادة لتمويل طويل الأجل. ويري معظم هؤلاء الاقتصاديين أن هذا القرار إنما اتخذ لمصلحة المصارف الخاصة، التي ترفع من رأسمالها دورياً، ولا توجد سيولة ضخمة لدي الناس العاديين لتوظيفها في هذه السندات، بدليل أن التداول في البورصة بات متواضعاً في الفترة الأخيرة، وتراجع حجم أعمالها. ويرون أن المصارف الخاصة التي أجيزت قبل ثلاث سنوات، تمتلك ودائع ضخمة لا تعرف كيف توظفها ولا أين تستثمرها، ولذلك ضغطت علي الحكومة حسب رأيهم لإصدار سندات خزينة لتوظف بها رؤوس أموالها وفائض سيولتها بنسبة فوائد عالية، بينما تدفع للمودعين نسبة فوائد منخفضة، وتكون الدولة بذلك هي التي تمول أرباح هذه المصارف الخاصة وبنسب مرتفعة مع ضمان للأموال وفوائدها لاشك فيه. منذ عام 2005، حيث أقر المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي ما سماه (اقتصاد السوق الاجتماعي). يسير الاقتصاد السوري بخطوات حثيثة، نحو اقتصاد السوق (دون الاجتماعي) فقد كانت كلمة (الاجتماعي) هذه تمويهاً وغطاءً لاقتصاد استهلاكي وانفتاحي، حيث أُلغيت منذ ذلك الوقت الحماية عن معظم المنتجات الصناعية السورية، وأُطلقت سياسة الأسعار الحرة، وفُتح باب الاستيراد مع جميع دول العالم، وكسدت بالمحصلة المنتجات السورية ليس الصناعية فحسب، بل والمنتجات االزراعية أيضاً، ولم تعد هناك رقابة جدية علي الأسعار التي ارتفعت ارتفاعا ًكبيراً غير مبرر ولجميع السلع والمواد، الإنتاجية منها أو الاستهلاكية أو حتي الخدمية، دون ان توازيها زيادة في الأجور. ومن جهة أخري تراجع القطاع العام الإنتاجي وقطاع التوزيع والقطاع الخدمي، ودخل القطاع الخاص شريكاً له في جميع المجالات، ويسعي هذا القطاع (أي الخاص) الآن للدخول شريكاً في المشروعات الإنتاجية الكبري كالإسمنت والطاقة والكهرباء وشركات الطيران والمصارف والبنوك وشق الطرقات والمقاولات بشكل عام، فضلاً عن دخوله شريكاً في تأسيس معامل وشركات إنتاجية، وقد دخل فعلاً في هذه المجالات وسار خطوات كبيرة في معظمها حتي كاد أن يستحوذ علي بعضها، وفي ضوء ذلك يري اقتصاديون سوريون أن هذا القرار القاضي بطرح سندات خزينة، هو جزء من سياسة اقتصادية عامة تسير حسبها الحكومة السورية بخطوات ثابتة، وإنما بأسلوب هادئ ودون استعراض او استفزاز، وبما يشابه سياسة الخطوة خطوة. رغم أن هذه السياسة تلاقي معارضة من القطاع الأكبر من الاقتصاديين السوريين، بل ومن بعض أوساط حزب البعث في القيادة والقواعد.