د. رفعت السيعد: ما عودتنا أن تخذلنا ففيما يندفع حزبك إلى عمق الجماهير، وفيما تبدو المهام جساما وبحاجة إلى رأيك ورؤيتك، وفيما تسرع مصر الوطن الذى تفانيت فى محبته ومحبة شعبه نحو شق الطريق نحو التقدم والعدل الاجتماعى والديمقراطية، وفيما يقترب الاستفتاء والانتخابات ونلهث لنلحق بقطار الوطن المسرع نحو كل ما حلمت به معنا، نحتاجك، نحتاج إلي عطائك ورؤيتك وجهدك وفكرك وننتظرك تعد الأيام كى تأتى لتركب معنا قطار مصر المسرع نحو المستقبل، لكنك ترحل، فكيف تخذلنا وأنت ما تعودت إلا العطاء؟ عزيزى أشرف ها أنت ترحل تاركا أحلامنا وهى تنضج وتوشك أن تثمر فلماذا تعانى معنا طوال فترة صباك وحتى الآن ثم ترحل قبل أن تتذوق الثمار؟ لماذا ترحل ونحن فى أشد الحاجة إليك؟ والآن يمر شريط الذكريات التى تتزاحم كل منها يريد أن يسبق الأخري، الآن أراك وأنت طالبا فى كلية التجارة وأنت تزاحم رفاقك فى اتحاد الشباب الديمقراطى لتكون الأكثر عطاء والأكثر عنادا ضد سياسات السادات، وأراك وأنت تأتى لتقتحم غرفتى ونحن لم نزل نحاول تأسيس منبر اليسار لنطالب بحقك فى أن تسهم معنا بكل قوتك فى تأسيس تلك النبته الجديدة لليسار المصري، ثم تأتى ومعك فوج من زملائك الطلاب لتسهم بهم فى تأسيس قاعدة شبابية للمنبر، ثم تكون واحدا ممن قادوا ثورة الجياع فى يناير 1977، وتكون.. وتكون دوما فى كل معاركنا ومعارك شعبنا ومع المعارك والاستحمام الدائم بعطر الجماهير وما بذلت من جهد دائم فى اكتساب المعرفة لتصبح وأنت لم تزل شابا قائدا فى صفوف حزبنا مواصلا وعلى الدوام عطاء لا ينقطع سواء مع الجماهير أو البناء التنظيمى أو تقدم آراء وأفكارا صائبة.. أرأيت نحتاج إليك الآن؟ فالآن الأمور أكثر تعقيدا وتحتاج إلى صفاء فكرك، والمعارك أكثر احتداما وتحتاج إلى صلابتك وعنادك، والرؤية قد تبدو غائمة وتحتاج معرفتك وقدراتك.. وقطار الوطن المسرع نحو المستقبل يحتاجنا كى ننطلق معه وبه لنواجه ونحن على متنه دعاة الانهزامية والتصالح المجرم مع الإرهاب الإخوانى الفاشي، والضعف الذليل إزاء ضرورات الحسم الحاسم فى مواجهته، وباختصار لنواجه كل استحقاقات الوطن. ونستشعر الحاجة الملحة لك لنمضى معا لنشق الطريق الصحيح أمام الوطن.. فلم تأخرت عن مشاركتنا، فما عهدناك تخذلنا؟ يا أخى وابنى وصديقى ورفيق دربى لقد أديت واجبك وأكثر بكثير من الواجب، وناضلت بكل شجاعة مستحقا احترام الوطن واحترام اليسار المصرى واحترام رفاقك فى حزب التجمع، فنم هانئا تحفك كل خفقات قلوبنا وكل أنفاسنا، نم هانئا فقد أصبحت مستحقا لاحترام الجميع، ولك كل عطر هذا العالم وكل ما يستحقه المناضلون من إجلال واحترام مستمرين أبدا، فنحن لن ننساك والوطن لن ينساك وإلى أسرتك كل العزاء، كل العزاء لزوجتك الرائعة وابنيك وأشقائك وكل من عرفوك وأحبوك واحترموك، نم هانئا فنحن ماضون فى الطريق الذى أحببت، ومتمسكون بذات العهد الذى تعاهدنا عليه معا ومع الشعب نم هانئا يا أخى الحبيب. ……………. سيد عبد العال: نحن لا نودع من نحب رحل الرجل النبيل حسين أشرف والعاشق لكل القيم الإنسانية التى وهب عمره من أجلها وشكلت عقله ووجدانه ودفع فى سبيل ذلك من عمره وشبابه سنوات فى معتقلات الاستبداد الحاكم، وكان فى كل مرة يخرج من المعتقل يكون أكثر إصرارا على مواصلة اختياره الإنسانى والوطني، كما لم يكن أبدا فخورا بثراء أسرته أو بمكانته الاجتماعية كرجل بنوك، ولكنه كان شديد الاعتزاز بالتاريخ المهنى لوالده حيث حقق النجاح عبر سنوات طوال من العمل فى المحاماة. ولم يكن مصدر إزعاج لأحد من المحيطين به بل كان دائما نقطة الالتقاء بين أصدقاء متنوعين فى اهتماماتهم ويشتركون معا فى تقدير دوره بينهم كصديق وأخ، ولم يتوقف طوال حياته عن تقديم الاقتراحات والمبادرات للحزب والأصدقاء ودائم السؤال عن الأبناء كما لو كنت تطمئن على أبنائك. صديقى الحبيب حسين لن أنسى روحك النبيلة وسأظل أراك فى كل معارك حزبك حفاظا على الوطن ووحدة شعبنا كما أراك كل يوم على مقاهى وسط البلد فى سهرات السمر مع الأصدقاء. الحبيب أشرف إننى عاجز عن وداعك لأننى أحبك وأحترمك فلا وداع لمن نحب لأنهم يعيشون داخلنا. ……………. هلال الدندراوي: فجيعة المهمشين جنوبا فجعنا وفقد ابناء الوطن فى جنوب مصر أحد رموز النضال الوطني عبر سنوات المعاناة دفاعا عن فقراء الشعب خاصة فى جنوب المهمشين من السلطة وحكوماتها المتعاقبة فقدنا جميعا المناضل والإنسان حسين أشرف الذي أسلم الروح خارج أرض الوطن.. فقدنا رمزا من رموز الحركة الطلابية الوطنية.. ورجل الأعمال الناجح الذي قدم التضحيات وانحاز إلي الطبقة الدنيا من المصريين.. لقد كان يعشق ابناء الصعيد وموطنه سوهاج ويعيش همومهم.. فقدناه نحن ابناء اسوان رمزا سياسيا وقلبا رحيما كانت خطواته قريبة منا وتستجيب لمطالبنا. فقدنا الرجل الذي اعتقل من أجل الكلمة والموقف.. واضطهد وطرد من عمله دفاعا عن مبادئه ومواقفه الانسانية النبيلة.. وبصموده وارادته التي لا تلين عاد وانتصر وانتصرت له مواقفه الشجاعة.. ولكنه وبعد معاناته مع المرض رحل عنا وترك لنا إرثا طيبا طاهرا سنذكره دوما.. فالرجال امثالك ايها الصديق لا يطويهم النسيان.. وذكراهم تدوم.. فلتصعد روحك إلي بارئها. فى مقعد صدق عند مليك مقتدر. ……………….. عبدالرحمن خير: حسين أشرف _ نبيل عبدالغني أيها الراحلان العزيزان سلاماًبينما نجلس فى عزاء «حسين أشرف» باغتنا نبأ رحيل «نبيل عبدالغني» وهكذا مع بدء فصل الشتاء تتساقط ورقتان من شجرة اليسار التى لا تذبل ويرحل رجلان اختلفت منابعهما الطبقية ولكنهما احتويا فى حديقة اليسار الواسعة الطيف متنوعة الزهور التى يفوح عبيرها عبر الأزمنة والأمكنة تتعانق مع فكرة العدل ويحملها الملايين من الرجال والنساء عبر الأجيال المتعاقبة تكبر بهم الدنيا ويسيرون كقيمة تجود بمطرها أو وردة تفوح بعطرها كما يقول مظفر النواب. حسين أشرف كان يكفيه ما لديه من متاع الدنيا ليتجنب هذا الطريق الملىء بالأشواك والمخاطر وينصرف إلى حياة الدعة والهدوء.. ولكن هذه الفكرة العظيمة «العدل» التى تجسدها الاشتراكية التى تلتحم مع أصحاب القلوب المليئة بحب الناس جذبته كما أجيال سبقته على ذات الطريق لمعت أسماء فيها كالشهب تضئ الحياة وتملأ الدنيا نورا وبهجة إسماعيل صبرى عبدالله، أحمد نبيل الهلالي، إلهامى سيف النصر، إنجى أفلاطون كتيبة عظيمة تحملت عذابات لم يتحملها إلا الرسل الأولون تميزوا جميعا. كما تميز فتانا «أشرف» بطيب الخلق وعذوبة اللسان والتفانى فى الدفاع عن المبدأ والتواضع هذه السلوكيات اليسارية الأصيلة التى كانت إبداعا إنسانيا مصريا لن يتوقف أبدا، كان أشرف أحد ورثتها طيب خلق وعذوبة لسان وأدب مثالى وتواضع وتواصل مع الآخرين. هذه الصفات جمعت بين أشرف ونبيل عبدالغنى عامل النسيج الذى ملك قدرة غريبة على التواصل مع الآخرين وقناعة بالحق فى اختلاف مهما لحق به من أذى فالرجل يدافع عن حق الترشيح فى نقابته العمالية فى الدورة النقابية الأخيرة لمجموعة كانت تناصبه العداء، ورغم تحذيره بأنهم سيعملون على إسقاطه صمم على أن يحصل على حق الترشح وكان له ما أراد وإذ بهم يتآمرون عليه ويسقطونه فيتحمل ذلك كله برضا وطيب خاطر ويعبر المحنة بسلام لم يحزن على ثلاثين عاما مضت يحتل فيها مكانا مرموقا فى نقابته العمالية وفى مجلس إدارة الشركة التى يعمل بها وتحمل فى الدفاع عن مصالح عمالها الضرب والسجن فى ثبات الأنبياء.. تختلف معه ليلا فيلقاك فى الصباح هاشا باشا ويبادلك العناق لا يعرف اليأس طريقا إليه، ويسعى إلى كل بادرة خير بجسارة مصحوبة بالنكتة والضحكة الصافية صفاء السماء فوق حقول الريف الذى عاش فيه حياته ولم تنتزعه منه القاهرة بمباهجها. يا رفيقى العزيزين لا أملك لكم شيئا وقد صرتما بين يدى الخالق العظيم سوى الدعاء أن يلهم الأهل والأصدقاء الصبر على الفراق ولكننا مدركون أن لكل أجل كتاب، وإن فارقنا جسديكما فإن روحيكما معنا تضئ طريقنا إلى الحلم الكبير يوم تشرق فى وطننا شمس الاشتراكية التى لا أحسبها تغيب وعاشت مصر الولادة حضنا لأبنائها المخلصين. …………… أحمد عبدالقوى زيدان: ودعاً ياصديقي وداعاً يا رفيقما كادت الدموع تجف والأحزان تتوارى قليلا، لأن طبيعة الحياة لا تقبل الحزن الدائم، على شاعرنا الجميل المبدع حتى فى نزقه حلمى سالم، الباحث دوما عن الحرية والإبداع حتى جاء الخبر ينعى إلينا الصديق الجميل حسين أشرف، ذلك الإنسان البديع صاحب القدرة المذهلة على حب الآخرين، ودعم الآخرين بما يستطيع من محبة أو قدرة وكم كانت قدرته فذة على تحمل سخافات البعض. كان حسين أشرف مثالا جميلا للخيانة الطبقية، فبرغم ثرائه ظل مخلصا لليسار والاشتراكية العلمية بدعمها بكل ما يستطيع بخوض معاركها كتابة كما فعل مع الإخوان فى كتابه الجميل، الإخوان حوار بلا ضفاف أو فى كتابه الذى لم يأخذ حقه من الالتفات إليه والحوار معه عن مستقبل الاشتراكية «الاشتراكية عودة الروح» ونقده المبدع للرأسمالية المعاصرة فى هذا الكتاب، عطاء بلا حدود وحب أيضا للرفاق بلا حدود. هكذا كان حسين أشرف وسيظل هكذا فى قلب وعقل من عرفوه وداعاً يا رفيق وداعاً يا صديق ……………………. أسامة الحراكي: فرد يصيغة الجمع فقد يتبعه فقد وفراق يتبعه فراق، وحزن يتبعه حزن، لا نكاد نفيق حتى نغيب، ولا نقف حتى نسقط، ومع تكرار الفقد أصبحنا نستقبل أنباء الموت بصمت وفى داخلنا ثرثرة أحزان كثيرة، فالفقد المفاجئ أصبح سمة زمن مرعب نحياه، فنكتشف عند وداع أصدقائنا أن فكرة فراقهم ترعب أكثر من الفراق نفسه، ربما لأن وقوع البلاء خير من انتظاره، لكن يبقى أصعب أنواع الفراق فراق الموت، وأصعب أنواع البكاء بكاء الموت، وأصعب أنواع الحنين حنين الموت.. إنه الحق الذى لا نملك أمامه سوى الإيمان به، فالموت من أقوى وأصعب الأقدار، وإيماننا به لا يجنبنا الحزن عند فقدان أحبائنا، لكن هذا الإيمان يبقى كالضوء فى أرواحنا، ينتشلنا مع الوقت من ظلمات الحزن ويحرص على تذكيرنا بأن هناك خلف الموت حياة أخرى قد نلتقيهم فيها يوما، وما أكثر الأحياء الذين واصلوا الحياة بعد فقدان أعزائهم على أمل اللقاء فى تلك الحياة، وكثيرا ما يتساءلون عند كل حالة موت يقومون بالكتابة عنها قريبة أم بعيدة، عندما يلفظون آخر أنفاسهم ويكونون هم انتقاء واختيار الموت، من سيكتب عنهم؟ معظم الذين أحببناهم من أصحاب الأقلام رحلوا قبلنا وكتبنا عنهم، فهل سيكتب عنا أشخاص ما عرفوا عنا سوى أقلامنا؟ فهناك أشخاص يشعرنا رحيلهم بأن صفحة من زمن جميل قد انطوت، وسقطت من شجرة الأيام ورقة، ومنهم حسين أشرف الذى بين القاهرةولندن توفى، مدينتان اشتبكتا فى رأسه، حلمان انفلتا من أمسه.. لم يكن رجلا عاديا، وقف مع الجميع وشهد تغيرات أنصاف الرجال الخائنين، ورحيل الأصدقاء الطيبين.. لم يكن يملى على أحد رأيه، وكان يعتبر الصمت رأى الخائفين، مات فى صمت وعاش فى صمت، من دون أن يلمحه الطبيب ليدون له مخالفة لعدم تقيده بقراره بمنعه عن التدخين.. كان عاديا إلى أبعد حد وشيوعيا إلى أبعد حد، ويساريا إلى أبعد الحدود.. رحل ونبأ رحيله صعق الأصدقاء، أصيب بتليف الرئة بعد أن أخطأته مئات الرصاصات.. كان مرتاحا لما لم يتحقق وما تحقق، فهو رجل حقق بالواقع ما لم يحققه غيره بالأحلام، فقد كان فردا بصيغة الجمع. برحيله نضيف حزنا وجرحا إلى قائمة جروحنا التى تفوح منها رائحة أحبتنا كحديقة مزروعة بنباتات من ذكريات، والتى كلما تفقدناها وجدناها رطبة نازفة وفيها من ملامحهم الكثير، مرعبة فكرة غياب أحبابنا عنا، حيث لا عناوين ولا رسائل ولا هواتف، فأخبارهم تنقطع عنا بمجرد أن نسلمهم للتراب ونمضي.. وداعا.. وداعا.. وداعا، الأستاذ.. الصديق.. الجار.. حسين أشرف.. وداعا. ………………. محمود حامد :المتواضع دومًا لاأتخيل ياصديق العمر ورفيق الدرب أننى لن أراك مرة أخرى لنكمل حديثاً كنا قد بدأناه حول ما يجول فى ذهنك من رؤى وأفكار كنت تريد لها أن تتحقق على أرض الواقع. لا أتخيل ياصديق العمر ورفيق الدرب أننى لن أفاجأ بك تدخل مكتبى وتجلس أمامى لتشرب قهوة الصباح ونحن ندردش فى أحوال حزبنا وجريدتنا بعد أن تسألنى عن ابنى مازن وأطمئن على صحتك . لا أتخيل ياصديق العمر ورفيق الدرب أن الزمن سيحرمنى من ابتسامتك الرقيقة وروحك الطيبة وأسلوبك المتواضع فى التعامل مع الناس . لا أتخيل ياصديق العمر ورفيق الدرب أن قلبك الأبيض والنقى والطيب سيتوقف عن النبض لتغيب عنا . عن الإنسان الجميل والصديق الرائع حسين أشرف أتحدث .. عرفنا بعضنا مع بدايات تأسيس التجمع وكنا نسهر بصفة شبه يومية ومعنا شلة العجوزة ناصر عبد المنعم وحازم منير وصفى والعدوى وغيرهم. اختار منذ البداية الانحياز لفقراء الوطن وكان يمكنه أن يتجنب كل المتاعب التى تعرض لها وهو ابن العائلة الثرية والعريقة ، دخل سجون السادات ونام على «البرش» وظل متمسكاً بمبادئه كالقابض على الجمر .. لم يبخل على الحزب بكل مايستطيع من إمكانات ووقت وجهد .. ومع مرور السنوات تزاملنا فى عمل مشترك فكان أميناً للقاهرة وكنت الأمين المساعد ، وأشهد أنه كان يشيع فى الاجتماعات جوا من الطمأنينة والراحة النفسية ولا يعرف التعقيدات التى توقف المراكب السايرة .. وعندما تشاركنا فى جريدة «أهالينا» كان حريصاً أن تعبر عن هموم الفقراء وتحمل أحلامهم وتفيض بنبضهم .. كان يحلم بأمور كثيرة وكان مهموماً بأهمية تطوير الموقع الالكترونى لجريدة الأهالى وتناقشنا كثيرا فى هذا الشأن لكنه تعرض للأزمة الصحية فتوقف المشروع. كان يفعل الكثير الكثير دون أن يتباهى بما يفعله وظل يعمل لآخر لحظة ولم يكن من العائشين على ذكريات السنوات الأولى للتجمع دون أن يكون لهم أى دور فاعل حالياً سواء فى الجريدة أو الحزب. أتذكر ملامح وجهه وكم الحزن الذى يكتسيه (وهو الباسم دائماً) حين قال لى : أنا خلاص هأقدم استقالتى من رئاسة مجلس إدارة الأهالى ومسافر سفرية طويلة للعلاج. أتذكر ابتسامته التى عادت حين عاد بعد شهرين وطلب أن نلتقى لندردش حسب تعبيره فالتقينا وتكلمنا فى كثير من أحلامه وطرح كثيرا من أفكاره وتحدث أيضاً عن رؤيته لتحقيق أفكار العدالة الاجتماعية لصالح مجموع الشعب وخاصة ً الفقراء واتفقنا يومها أن نترجم ذلك فى لقاء تالٍ إلى حوار شامل معه ، لكنه اقترح بأدبه الجم أن يسبق ذلك لقاء تشاورى أدعو إليه د.جودة عبد الخالق ود.فرج عبد الفتاح وهانى الحسينى ود.شريف فياض لتكتمل الرؤية . وقال بالنص « مش مهم رأيى .. المهم رؤية متكاملة نطرحها بأسلوب مبسط « .. وسافر على أمل العودة وتنفيذ الاتفاق لكنه عاد لمدة يوم أو يومين لحضور جنازة والده ، وحين قابلته مساء اليوم نفسه فى عمر مكرم قال لى ميعادنا قائم وجلسنا ندردش قليلاً لكنه فجأة قال لى ولآخرين : « حاسس بتعب ومضطر أمشى» وانصرف على أمل لقاء لم يتم. صديقى النبيل حسين أشرف . لا أتخيل سوى أننى أبكيك حتى آخر العمر .. ربنا يرحمك ، ويصبرنا ويرحمنا أيضاً. …………………. خالد حريب:رحل كما يموت الفقراء حين رحل حسين أشرف عن عالمنا قبل أيام ، خرج الاحبة من كل حدب وصوب ينعونه للشعب المصري ، ويودعون معه قيماً ومعان ودلالات وأحلاما وذكريات منذ كان طالبا بكلية التجارة جامعة القاهرة نهاية سبعينيات القرن الماضي. نعم هو حسين أشرف ذلك الفتى الوسيم صاحب الملابس الأنيقة الذي شهدناه فى حواري عابدين فى 2010 يضمد جروح اليتامى ويناصر المظلومين ويدعو لدولة ترفرف عليها رايات العدالة الاجتماعية مختصماً فى معركته تجار الدين من الإخوانجية وداعم لمطالب جيل الشباب بضرورة التغيير فى مصر. وما بين معركة عابدين الانتخابية التي تقدم لها أشرف ببسالة واستطاع أن يرسي فيها ركائز أهلته ليكون نائبها الشرعي رغم عنف الدولة وقذارة صفقة الإخوان التي صعدت بمرشحهم تحت القبة وصعدت بحسين أشرف متوجاً كفارس على قلوب البسطاء فى الحي ، ما بين هذه المعركة وبدايته الطلابية بجامعة القاهرة جرت مياه كثيرة فى النهر ، عاشها أشرف بثبات وحكمة ومصداقية وجسارة ، اختار اليسار وحزب التجمع مجالاً لنشاطه وحركته ، وكان الثمن فادحاً ، تلقفته سجون السادات ومبارك وهو فى بدايات الطريق ، لعل النوم على أسفلت الزنزانة يرجع بالفتى إلى فراشه الوثير الذي نشأ عليه مع أسرته الميسورة، ولكن العكس هو الذي حدث حيث اندفع الطالب أخضر العود بكل ما يملكه من قوة كالفراشة نحو اللهب ، مغامرا بصحته ومستقبله دفاعاً عن صدق ما يعتقد ، يقول معاصروه إن أشرف لم يتردد فى زمان العصف بحريات البشر من أن يتولى مسئولية إخفاء الطلاب الهاربين بعيداً عن عين المباحث بل ويضحي من قوته لينعم هؤلاء الطلاب ويخفف قبضة الأمن عنهم .. لم أسمعك أبداً يا أشرف تتفاخر بما قدمت ، بل كنت أراك تشيد بجهود الآخرين ، تحاول قدر الإمكان ترتيب البيت التجمعي لاقتناعك بصيغته العبقرية الفريدة واقتناعك بقادته التاريخيين خالد محيى الدين ورفعت السعيد وحسين عبدالرازق وعريان نصيف الذي حرصت على زيارته بطنطا وهو مريض بينما كنت تعاني أنت من ألم التنفس. لن أكتب عن تجربتنا معاً ونحن نصدر سوياً جريدة أهالينا لأبناء حي عابدين ولن أكتب عن تجربتنا معاً كأعضاء بمجلس إدارة جريدة الأهالي ، ولكن سأكتب عن وجهك المضيء وأنا أهتف ضد نظام مبارك فى مظاهرة بميدان طلعت حرب وأراك بوضوح تحت الشمس الحارقة ثابتاً فى طرف الميدان رافعاً لافتة ضد الفساد والاستبداد ، لم تتعال أبداً على عمل ولم تتردد فى حسم قرار. ربما كنت تعرف أن حياتك قصيرة وأن خدعة التنفس ستنتصر عليك لذلك لم تدخر وقتاً إلا وقدمته إلى مشروع أحلامك فيصدر كتابك الكاشف عن الإخوان المسلمين وتسعى لتطوير موقع الأهالي الإلكتروني ، وترى أن أحلامنا ليست صعبة وأنها ستتحقق يوما ما. الى القاهرة جئت أنا من مسقط حيث أعمل وجئت أنت من لندن حيث مكان علاجك من أزمة التنفس لنلتقي معاً فى دار عزاء مسجد عمر مكرم عندما رحل والدك الكريم ، شددت على يدي فى مودة وانتظرت لقاءك بعد العزاء فقال لي اخوتك أنك غادرت لإحساسك بتعب مفاجئ ، ثم انتظرت أن نلتقي بعد رجوعك من رحلة العلاج ولكنك كنت الأذكى فاخترت أن تموت كما يموت الفقراء ، فعندما ضربت موجة الصقيع مصر فى العشرة أيام الأولى من شهر ديسمبر ومات عم محمد متجمداً على الرصيف بالقاهرة من سطوة البرد وجدتها أنت فرصة مناسبة لترحل ، ومع أول نزلة برد أصابتك فى لندن وزادت من صعوبة التنفس كان الوداع. أيها الباشا الذي رفض الاستمتاع بالحياة وحدة ، لك السلام ومنك السلام ، لك الخلود ومنك الصمود ، لك الذكرى الطيبة ولنا العزاء. …………………… عادل الفار :نصير الضعفاء لم يكن شخصا عاديا فهو إنسان متواضع إلى أقصى الحدود لا يعرف المجاملات الزائفة عرفته منذ فترة حين تقلد منصب أمين القاهرة وكان يتعامل مع العاملين من منطلق الأخ الأكبر واقتربت منه أثناد انتخابات مجلس الشعب 2010 وفى أحد المؤتمرات بمنطقة عابدين وسألت إحدى السيدات المسنات لماذا حضرتى هذا المؤتمر، قالت لم أر رجلا فى هذه الدائرة منذ زمن فى طيبة هذا الرجل فإنه يساعدنا ويجهز اليتامى الذىن يحتاجون لمساعدة فى زواجهم ويعطى شهرية للمطلقات والأرامل حتى يساعدهن على المعيشة حتى تعرضت لأزمة مالية وعرف من وجهى فقلت له فساعدنى فى الخفاء. لم أسمعه فى يوم من الأيام تكلم عن أحد أو ذم فى أحد بل كان يتعامل مع الكل ويحمل هموم من يعملون معه ويحاول أن يساعدهم سرا بقدر المستطاع إنه الإنسان الخلوق الحنون حسين أشرف عضو المكتب السياسى ورئيس مجلس إدارة الأهالى سابقا. وإذا كانت هذه هى سنة الحياة فإن الحياة باقية بالذكرى الجميلة فلن ننساه فكان الأخ والزميل الكريم الذى ساعد كل من طلب منه المساعدة سواء على المستوى الحزبى أو الإنساني رحمه الله فأنت موجود معنا رغم رحيلك.