تعاني مصر من أزمة غذائية خانقة. ويمكن تعريف الامن الغذائي علي انه القدرة علي توفير غذاء آمن وصحي، في الوقت الملائم ولكل الطبقات وبأسعار تناسب مع الدخول الحقيقية لجميع المواطنين. ولكي نقول أن الأمن الغذائي متحقق لابد من أن تتوافر به اربعة عناصر أساسية هي أولا الأمان بأن غذاء يكون آمنا وصحيا وان يتم الحصول عليه بطريقة آمنة لا تعرض حياة المواطنين الي الخطر، ثانياً الاتاحه في جميع الأوقات أي لا ينقطع في أوقات معينة، ثالثاً الاستمرارية بمعني الاستمرار في تدفق الغذاء طوال العام، رابعاً الاستدامة بمعني أن يكون لجميع الطبقات الاجتماعية متاحا كما وقيمة. وفي أحيان أخري يكون عناصر الامن الغذائي ستة عناصر، حيث يضاف الي تلك العناصر الاربعة السابقة عنصران آخران وهما تفضيلات المستهلكين وتناسب اسعار الغذاء مع القوي الشرائية ومع الدخول الحقيقية لجميع المستهلكين. ومن خلال تطبيق هذا المفهوم يتبين ان مصر تعاني من أزمة غذائية طاحنة حيث تستورد مصر أغلب احتياجاتها من الغذاء، وعلي الأخص الغذاء الذي يعتمد علية الفقراء، حيث تصل نسب الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح 62.88%، الذرة 56.84%، الأرز 101.98%، ، البقوليات 46.01%، الزيوت والشحوم49.05% والسكريات 68.80% وذلك خلال عام 2011، وتلك هي أغذية الفقراء علي وجه الدقة. في حين بلغت معدلات الاكتفاء الذاتي للمنتجات الحيوانية حدود الآمان خلال عام 2011 حيث بلغت نحو76.35% من اللحوم الحمراء، ونحو 96.71% من اللحوم البيضاء، في حين بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي لكل من الأسماك والبيض ومنتجات الالبان نحو 98.62%، 113.57%، 91.57% علي الترتيب خلال عام 2011. وتحقق مصر معدلات اكتفاء ذاتي لكل من الخضر والفاكهة خلال عام 2011 نحو 132.43%، 135.14% علي الترتيب. أما البصل والثوم فقد بلغ معدل الاكتفاء الذاتي لهما خلال نفس العام المذكور 162.90%، 121.31% علي الترتيب. سياسة سعرية جديدة من هنا ما الحلول والمقترحات التي يمكن أن يتم تطبيقها للعمل علي حل تلك الازمة التي تعاني منها مصر؟ علي المستوي المحلي هناك مجموعة من السياسات والاجراءات المقترحة بينها اعادة النظر في التركيب المحصولي المطبق حيث يكون التركيب المحصولي المطبق يعمل علي توفير الغذاء للمصريين بدرجة أولي ولكن ايضاً لابد ان يقوم قطاع الزراعة بدوره في مد الصناعات الغذائية بالمواد الاولية التي تحتاجها بالاضافة الي التصدير فالتركيب المحصولي المقترح تتحدد ملامحه في تركيز الأراضي القديمة في الوادي والدلتا علي زراعات القمح والذرة والقطن وقصب السكر والبقوليات، وعلي الأخص الفول والعدس، وبالتالي خروج كل من الخضر والفاكهة من الأراضي القديمة الي الأراضي الجديدة أو الأراضي الصحراوية سوف يوفر نحو 1.6 مليون فدان يمكن أن تتم زراعة محاصيل الغذاء في تلك الأراضي، واذا ما تم خروج الأعلاف خاصة البرسيم المستديم من الاراضي القديمة يمكن أن يوفر نحو 1.5 مليون فدان أخري للموسم الشتوي يمكن أن يتم التوسع في زراعات القمح والفول في تلك الأراضي علي حساب البرسيم المستديم الذي يتم نقلة الي الأراضي الجديدة. وبالتالي يمكن من خلال تلك السياسات الاجرائية أن يتم توفير نحو 3 ملايين فدان من الأراضي القديمة في الوادي والدلتا يتم استخدامها في زراعة محاصيل الغذاء. علي ان يتم مثل ذلك الاجراء من خلال السياسات والحوافز السعرية التي يمكن أن توظفها السياسة الزراعية الواضحة المعالم والاستراتيجيات. مراحل التسويق ثاني تلك الاجراءات والسياسات المقترحة علي المستوي المحلي هي اعادة النظر في سياسة اولوية التصدير، حيث تكون الأولوية ليس للتصدير ولكن في توفير غذاء كاف وصحي ولجميع الطبقات وذلك من خلال عودة الدعم خاصة للمنتجين الزراعيين الذين ينتجون المنتجات الغذائية الأساسية، والتي ارتفعت أسعارها أو المتوقع ارتفاع أسعارها العالمية، والتي تكون جزءا كبيرا من فاتورة واردات الغذاء المصري مثل الحبوب وخاصة القمح والذرة والزيوت والسكر. بالاضافة الي اعطاء ما يسمي بالحوافز السعرية لهؤلاء المنتجين سواء خلال مراحل عملية الانتاج أو في خلال عملية التسويق للمنتجات الزراعية التي يتم انتاجها، حيث يمكن أن تكون أسعار البيع أو ما يسمي بالسعر المزرعي يزيد علي تكاليف الانتاج بما لا يقل عن 20% الي 25% حسب أهمية المنتج الزراعي، حتي يتسني للمنتج أن يستمر في العملية الانتاجية في المواسم القادمة. كذلك هناك أهمية اعادة هيكلة المؤسسات التسويقية الحكومية أو الأهلية للمنتجات الزراعية. فيجب ألا يترك المنتج الزراعي ألعوبة في أيدي التجار من القطاع الخاص يفرضون علية السعر الذي يريدونة، وبالتالي يقع فريسة سهلة في ايدي هؤلاء، بدون مؤسسات قوية تحمي الصغار منهم، علي وجه الخصوص. ثالث تلك الاجراءات والسياسات هي الاهتمام بعمليات الانتاج الزراعي خاصة في قطاع الانتاج الحيواني في المناطق الصحراوية، حيث أن الكثير من تلك المناطق وبالتحديد في منطقة الساحل الشمال الغربي، ومنطقة الجنوب الشرقي في منطقة حلايب وشلاتين تحتوي علي أعداد من الحيوانات وعلي الأخص الماعز والأغنام، والابل والتي يمكن بواسطة القليل من الاهتمام بالانتاج النباتي وانتاج محاصيل الأعلاف ان يتم عبرها انتاج لحوم ومنتجات آلبان تساهم في حل أزمة اللحوم وتقليل الاعتماد علي الخارج في اللحوم الحمراء، وكذلك يمكن أن يتم تصدير منتجات الآلبان مثل الجبن وغيرها من ألبان الماعز الي دول الاتحاد الأوروبي، وتتميز تلك المنتتجات بارتفاع أسعارها العالمية، ولا يتطلب ذلك الا اعادة توزيع الخريطة الاستثمارية في الزراعة المصرية، مع توفير البنية الأساسية في تلك المناطق التي تتطلب جذب الاستثمار المحلي للتوجه اليها. منع الاعتداء علي الأرض رابع تلك الاجراءات هي تفعيل القانون الذي يجرم التعدي علي الأراضي الزراعية، نعم يوجد قانون ولكن لابد من تفعيله بشكل حقيقي وربط قضية التعدي علي الاراضي الزراعية خاصة الأراضي القديمة في الوادي والدلتا بقضايا الأمن العام، خاصة اذا علمنا أن مساحة الأراضي التي يتم التعدي عليها في الوادي والدلتا تتراوح من 15 الي 30 ألف فدان سنوياً، وأن هناك اتجاها بشكل عام الي زيادة واستمرار ذلك التعدي اذا لم تحل مشكلة الاسكان، والتي تعتبر مسئولة بشكل كبير عن وجود تلك الظاهرة. مع العمل علي زيادة جعل قطاع الزراعة قطاعا مربحا للمزارعين مقارنة بقطاع التشييد والبناء من خلال اعادة النظر في السياسات المالية والنقدية للقطاع، الأمر الذي سيؤدي الي الحد بشكل كبير في التعدي علي الأراضي الزراعية ومن ثم الي الحد من الفقد في الأراضي الزراعية وبالتالي الحد من العجز في الميزان الغذائي المصري والحد من الفجوة الغذائية. خامس الاجراءات هو عودة العمل بالدورة الزراعية، فلا يمكن في ظل الأوضاع العالمية الجديدة، والارتفاعات في أسعار الغذاء أن يترك المنتج الزراعي خاصة الكبار منهم ينتجون ما يحلو لهم، في ظل موارد أرضية ومائية محدودة. حيث أن المقصود بالدورة الزراعية هي انتاج منتجات يحتاجها المجتمع ولازمة للاستقلال الاقتصادي والسياسي للمجتمع، مع مراعاة الموارد المتاحة حتي لا يتم استغلال سيئ للموارد خاصة لمورد الأرض. سادس تلك الاجراءات هي احداث تغيرات جذرية في السياسات الزراعية الحالية حيث لابد من أن تركز السياسة الزراعية علي اعطاء اكبر قدر من الاهتمام لتحقيق أكبر معدل نمو في الانتاجية الزراعية، فاذا كان معدل النمو في الناتج الزراعي الحالي لا يتجاوز 3% سنويا خلال سنوات العقد المنصرم فينبغي مضاعفة هذا المعدل الي 5% علي الأقل، الأمر الذي يتحقق عن طريق زيادة مضاعفة الاستثمارات الزراعية من 8 مليارات جنيه في الوقت الحالي الي 16 مليار سنويا بالأسعار الثابتة خلال العقدين القادمين أي باستثمارات كلية تصل الي 160 مليار جنيه حتي عام 2030. مواصفات ملائمة سابع تلك الاجراءات هي مضاعفة الانفاق علي البحوث الزراعية لاسيما البحوث المتعلقة بانتاج وتطوير الاصناف المتأقلمة مع التغيرات المناخية، وخاصة الأصناف المقاومة للملوحة والأصناف المقاومة للحرارة والاصناف قصيرة المكث والأصناف الموفرة للمياه والمقاومة للجفاف. والانفاق علي تحسين السلالات الحيوانية .وتجدر الاشارة الي أن الانفاق الحالي علي البحوث الزراعية لا يتجاوز 25 مليون جنيه سنويا وهو ما يمثل 0.02% من الناتج المحلي الزراعي ،الأمر الذي لا يتناسب مطلقا مع التحديات التي تواجه مصر علي صعيد الأمن الغذائي مستقبلا، وعلي ذلك ينبغي مضاعفة هذا الانفاق الي أكثر من 20 ضعفا أي بما لا يقل عن 500 مليون جنيه سنويا، وهو مالا يتجاوز 0,5% من الناتج المحلي الزراعي، مع العمل علي انشاء عدد من الصوامع والشون علي مستوي لائق لتخزين القمح حتي لا يتعرض للتلف وعلي مواصفات ملائمة. ثامن تلك الاجراءات لتجنب الآثار السلبية لزيادة درجة الحرارة علي الانتاجية وبالتالي علي الانتاج الكلي لابد من العمل علي زراعة محاصيل عالية الانتاجية مقاومة للحرارة لتعويض النقص في الانتاجية، بالاضافة الي التوسع في زراعة القطن وبعض المحاصيل الصيفية الأخري مثل عباد الشمس، علي ان يكون ذلك بديلا لجزء من مساحة الذرة الشامية المتوقع انخفاض انتاجيتها، وكذلك اعادة توزيع أصناف المحاصيل علي مناطق زراعتها والزراعة في المواعيد المثلي، مع استخدام مزيد من التسميد الأزوتي في الزراعة لتجنب الآثار السلبية لزيادة درجات الحرارة وان كان هذا الاجراء له آثار سلبية في زياد تلوث المياه والتربة بالاضافة الي زيادة التكلفة. السيادة الغذائية تاسع تلك الاجراءات هي اتباع الاستراتيجات التي تعمل علي تقليل معدلات الزيادة السكانية عن 1,2% حيث أن ذلك المعدل لن يكون ملائما في ظل محدودية الموارد الزراعية وآثار المناخ علي القدرة الانتاجية للمنتجات الغذائية المصرية. واخيراً وعاشر تلك الاجراءات والسياسات علي المستوي المحلي هو تطبيق ما يسمي بمبدأ السيادة الغذائية بمعني سيطرة المجتمع المحلي علي طرق الانتاج وقوي الانتاج والموارد التي تستخدم في انتاج الغذاء والزراعة وان المجتمع المحلي هو الذي يحدد ما هي المنتجات التي ينتجها ويستخدم الموارد المتاحة في انتاج تلك المنتجات التي يراها هو بالاضافة الي تمكين المزارعين والفلاحين من الانتاج، بدلا من ملكية الشركات الاستثمارية للأراضي والمياه وملكيتها للجينات الوراثية وغيرها التي تستهدف الانتاج للتصدير وقد تسبب ذلك في الاستيراد المستمر للقمح والزيوت وغذاء الفقراء. هذا بالنسبة الي السياسات والاجراءات علي المستوي المحلي وفي المقالة القادمة سوف يتم التعرض الي السياسات والاجراءات التي لابد من اتخاذها من أجل الوصول الي مستويات آمنة من الأمن الغذائي علي المستويين الاقليمي والدولي.