تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح مشكلة تبحث عن حل.. فالتوسع في زراعته علي أراضي الوادي والدلتا سوف يكون علي حساب محاصيل أخري, وزراعته بالصحراء يلزمها موارد مائية غير متوافرة حاليا. الأرقام توضح أنه علي الرغم من أن انتاجنا من القمح هو الأعلي عالميا إلا أن مصر رابع مستورد للقمح وثالث مستورد للذرة. والخبراء يؤكدون أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ممكن, حتي لاتظل مصر إلي الأبد تحت رحمة القمح المستورد. والسؤال كيف يتحقق ذلك في ظل زيادة متواصلة في عدد السكان وارتفاع هائل في نفقات الاستيراد من الخارج؟! في البداية يري الدكتور رمضان ثابت أستاذ المحاصيل في زراعة عين شمس أن حل مشكلة القمح يتطلب التفكير في تقليل الفجوة في القمح للحد من استيراده وليس سد الفجوة بالكامل حيث سنحتاج لوقت طويل, فيوجد عدة عوامل تبدأ برفع الانتاجية للفدان فمتوسط الانتاج الحالي نحو18 أردبا في الأراضي القديمة أي نحو25 طن ورغم أن انتاجية الفدان المصري من أعلي الانتاجيات العالمية إلا أنها قابلة للزيادة بنسبة كبيرة يمكنها تقليل الفجوة دون الحاجة لأراضي أو مياه جديدة علي الأقل يمكن بسرعة زيادة مليون طن قمح سنويا علي نفس المساحة, فاستهلاك مصر نحو14 مليون طن ننتج نحو8 ملايين طن من زراعة القمح في35 مليون فدان في الأراضي الطينية, وتستورد مصر6 ملايين طن. الزيادة ممكنة وبسرعة والمطلوب كما يؤكد الدكتور رمضان ثابت أن نقود حملة من الآن تتركز في عدة محاور الأول استنباط أصناف محسنة من الأقماح ذات إنتاجية مرتفعة, وبالفعل يوجد بمركز البحوث الزراعية أصناف جديدة أفضل توصلوا لها خلال السنوات القليلة الأخيرة ومع مزيد من التحسين لها يمكن رفع الإنتاجية والوصول بانتاج الفدان من18 إلي24 أردبا أي نحو الربع بل وممكن الوصول إلي28 أردبا وهذا حدث واقعيا لدي بعض المزارعين المستخدمين لهذه الأصناف, المحور الثاني لزيادة الانتاجية ولابد من تطبيقه في السريع العاجل وهو زراعة القمح في سطور وهي آلة بسيطة يمكن تأجيرها لتسطير التقاوي مما يوفر انتظاما في مساحات الزراعة بل وتعطي راحة لزيادة تفريع النبات وبالتالي رفع دليل التفريع وهو عدد السنابل وسوف يحمل كل فرع سنبلة, وبالتالي سيصل دليل التفريع لأقصي عدد ممكن من الفروع المنتجة وهذه الطريقة تزيد الأفرع المنتجة وتصل لما بين8 و10 أفرع بدلا من6 إلي7 أفرع في الزراعة العادية أي بزيادة فرعين منتجين في المتوسط بعملية تنظيمية لاتحتاج لمجهود كبير بتكاليف زهيدة هي ايجار آلة التسطير, وبالتالي سترتفع سعة وعاء المحصول بزيادة عدد النباتات المنتجة مع زيادة انتاجية النبات علي مستوي المتر المربع وبالتالي نزيد الانتاج نحو مليون طن علي المساحة نفسها وبسرعة. ويناشد الجميع بتسهيل توفير الأسمدة للفلاح ليحصل القمح علي مقنناته الحقيقية من التسميد خاصة النيتروجيني لأن الفدان يحتاج من80 إلي100 وحدة أزوت أي يحتاج نحو5 شكاير يوريا, وفي حالة نترات النشادر أو الأمونيا سيحتاج لست شكاير, وهذا مفيد جدا وللأسف حاليا الحصة نحو شكارتين فقط وهذا لايكفي ويضر الفلاح الشراء من الخارج مما يضيف عليه أعباء إضافية, ويجب تقسيم مرات التسميد لنحو4 مرات بتجزئ الكمية مما يساعد علي إمداد النبات بالتغذية المطلوبة في جميع فترات النمو خاصة فترة امتلاء الحبوب مما يعمل علي زيادة امتلاء الحبة ويرفع الجودة خاصة نسبة البروتين. ويشير الدكتور رمضان ثابت إلي المحور التالي من خلال خبرته في زراعة القمح وهو عملية الحصاد التي يجب أن تكون في موعد محدد وهذا دور المرشدين الزراعيين بتوعية الفلاح مع الحصاد بالآلات صغيرة الحجم وتقليل دور العمالة اليدوية وبالتالي ينخفض الفاقد للنصف والذي يحدث بسبب انفراط الحبوب علي الأرض. ولايجب أن نتغافل التخزين كمحور مهم للحد من الفاقد الذي يصل نحو20% بالإضافة لنحو10% فاقد الحصاد, ومن هنا يتضح كثرة المحاور التي تؤثر في انتاج القمح وانتاجية الفدان, هذا إلي جانب امكانية دراسة التوسع الأفقي في زراعة القمح فعن طريق إعطاء القمح في الساحل الشمالي الغربي رية إضافية مع مياه المطر يمكن الحصول علي8 أردبا من الفدان وفي حالة صعوبة ذلك يتم الاكتفاء بزراعة الشعير كمرعي للماشية والأغنام مع الغطاء النباتي الطبيعي, ويمكن تحسين خواص التربة الرملية والتوسع في زراعة الأراضي الصحراوية بالقمح لأن التربة الرملية سهلة الاستصلاح مع إضافة الأسمدة العضوية البلدية المتحللة بشكل صحيح يمنع نمو الحشائش وإتباع الدورة الزراعية أي عدم زراعة قمح مكان قمح في الموسم التالي, ومع استخدام الري بالرش والتنقيط يمكن انتاج نحو18 أردبا قمح من الأراضي الصحراوية بنفس المياه مع الأخذ في الاعتبار جميع العوامل الأخري, لتحسين ورفع الإنتاجية بالتدريج, ويناشد المسئولين ضرورة استخدام الطمي ببحيرة السد ونقله للأراضي الصحراوية بمعدل4 أمتار مكعبة لكل فدان أرض رملية لرفع خصوبته وكذلك يمكن استخدام الطفلة الخضراء وهي متوافرة في مصر فالسيارة النقل بالمقطورة تكفي لعشرة فدادين حيث أن المطلوب طبقة بسيطة علي السطح مع تزويدها كل موسم بطبقة أخري مما يزيد من عملية الاحتفاظ بمياه الري في الترببة وتحسين مواصفاتها. مشكلتنا الأساسية كما يقول الدكتور عبد العليم متولي أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة القاهرة- في تدبير المياه اللازمة للتوسع في زراعة القمح.. فنصيب الفرد من المياه يقدر عالميا بنحو700 متر مكعب, بينما في مصر يتجاوز الألف متر مكعب للفرد, ويحدث ذلك في ظل معاناة مستمرة من جانب الفلاحين للحصول علي المياه لري زراعاتهم, خاصة إذا علمنا أن حصة مصر من المياه يقدر بنحو55 مليار متر مكعب سنويا يذهب منها نحو42 مليون متر مكعب تقريبا للزراعة, وما يقترب من5 مليارات متر مكعب تقريبا للصناعة, وتتبخر كميات أخري, ومن ثم فإن المياه المتاحة للتوسع الأفقي في الزراعة محدودة جدا, إذ يمكن فقط تدبير نحو10 ملايين متر مكعب من خلال تخفيض المساحات المنزرعة بالأرز, والاعتماد علي المياه الجوفية. وأضاف أنه إذا كنا نبحث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح, فإنه يلزم زراعة6 ملايين فدان, بما يعني أن المساحة المنزرعة حاليا, والتي تقدر بنحو3 ملايين فدان يجب أن تتضاعف, وهذه مهمة صعبة, ذلك أن المساحات المتاحة للزراعة في الموسم الشتوي الذي يتم فيه زراعة القمح تقدر بنحو5,5 مليون فدان في الوادي, تستأثر كافة المحاصيل ومنها البرسيم, وقصب السكر, والبنجر, والفاكهة, وبعض المحاصيل الشتوية الأخري بمساحة مليوني فدان, يضاف إليها3 ملايين فدان منزرعة بالقمح حاليا, ومن ثم فإن القضية هي توفير المياه والأرض اللازمة للتوسع الأفقي في زراعة القمح وهذه مسألة ليست متاحة, خاصة أن التفكير في توفير مساحات في الأراضي الصحراوية المستصلحة يحتاج علي استثمارات كبيرة, كما أنه يصطدم بعقبة المياه اللازمة للزراعة والأمر ذاته ينسحب علي مواطني الدول النامية والفقيرة مثلنا والذين يعتمدون في غذائهم علي الحبوب كمصدر للبروتين, مشيرا إن أن نسبة ليست قليلة من القمح المدعم المستخدم في صناعة الخبز يستخدم كعلف للحيوانات والدواجن! والحال كذلك, فقد أصبح من الضروري والحديث مازال للدكتور عبد العليم متولي العودة لنظام الدورة الزراعية, واعتماد سياسة التوسع الأفقي في زراعة القمح كمنظومة اجتماعية, واقتصادية, وزراعية إستراتيجية في مصر, فنحن مازلنا نتكلم عن ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح منذ الثمانينيات, لكننا برغم مرور هذه السنوات لم نفعل شيئا, ومازلنا نستورد من الخارج, بالرغم من زيادة المساحة المنزرعة بالقمح علي3 ملايين فدان, وكذلك ارتفاع معدلات الإنتاجية للفدان من12 إردبا إلي ما يتراوح بين18 إردبا و20 إردبا في بعض المناطق, كما زاد توريد القمح من3 ملايين طن إلي4 ملايين طن بسبب رفع أسعار التوريد للمزارعين, لكننا لا نزال نقع تحت رحمة الاستيراد من الخارج, بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكان من ناحية, وفي معدلات الاستهلاك. ويفضل الدكتور عبد السلام جمعة رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق, والذي يلقبه العلماء, والباحثون ب أبو القمح- الاستصلاح التدريجي الذي يتناسب مع كميات المياه المتوافرة, وهناك إستراتيجية جديدة تبدأ علي مرحلتين الأولي من عام2010-2017, والثانية تبدأ من عام2017-2030, بحيث نزرع نصف المساحة المحصولية للحبوب(8 ملايين فدان) وبهذه الإستراتيجية سوف نقترب من الاكتفاء الذاتي من كل الحبوب(80% من القمح و100% من الأرز والذرة), بما فيها الذرة الصفراء اللازمة لتغذية الدواجن. ويجب علي الدولة والكلام مازال للدكتور عبد السلام جمعه- أن تعمل علي دعم المزارعين, كما يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية, وأوروبا الغربية, بحيث توفر التقاوي للمزارعين بأسعار مناسبة, وكذلك من الضروري العمل علي استنباط أصناف جديدة عالية الإنتاجية, ومقاومة للأمراض, والتغيرات المناخية, التي أثرت علي العديد من مناطق زراعات القمح في العالم. الاستراتيجيات الممكنة ومع الاتفاق علي استبعاد استراتيجية الاكتفاء الذاتي الكامل من جميع السلع الغذائية باعتبارها استراتيجية غير ممكنة, فإنه من الممكن- كما يقول الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي ومستشار مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية كلية الزراعة, جامعة القاهرة في التقرير المقدم إلي مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء- التوسع في المساحة المزروعة بالقمح من3 ملايين فدان إلي3.36 مليون فدان خلال سنوات الخمسة الأولي ثم إلي4 ملايين فدان في السنوات الخمس التالية. وهذه الزيادة سوف تتم في الاغلب علي حساب البرسيم المستديم وهو المنافس الرئيسي للقمح. ويمكن أن يتحقق هذا التوسع عن طريق آلية السعر المزرعي( السعر الحكومي للتوريد الاختياري).علي أن ينطوي هذا السعر علي دعم لا يقل عن15% وأن يتم إعلان هذا السعر قبل موسم الزراعة بفترة مناسبة. ويتحقق التوسع في القمح نتيجة لأستجابة المزارعين للزيادة في السعر النسبي( القمح/البرسيم) وتحقيق عائد مجز من زراعة القمح. خلط دقيق القمح بالذرة ولا شك أن اتباع سياسة خلط دقيق الذرة بدقيق القمح المخصص لانتاج الخبز البلدي يساعد علي تحقيق أكثر من هدف. فهي من ناحية ترفع درجة الاكتفاء الذاتي من القمح ومن ناحية أخري تقلل من الاعتماد علي واردات القمح ومن ثم تقلل من الاعتماد علي الخارج وما ينطوي عليه ذلك من تنويع المخاطر وتخفيف تعرض الأمن الغذائي المصري لمخاطر الصدمات الخارجية والتقلبات في أسواق الغذاء العالمية., فاذا تم خلط دقيق القمح ودقيق الذرة بنسبة4:1 علي التوالي, فإنه يمكن إحلال نحو مليون طن من دقيق الذرة محل كمية مماثلة من دقيق القمح أي تكون الكمية الاجمالية5 ملايين طن تستخدم في الخبز البلدي منها4 ملايين طن من دقيق القمح( تعادل نحو5 ملايين طن من حبوب القمح),1 مليون طن من دقيق الذرة( تعادل1.1 مليون من حبوب الذرة) وهذا الاجراء يعني زيادة معدل الاكتفاء الذاتي من القمح الي63.2%. [email protected]@ahram.org.eg