مع كل أزمة قمح عالمية يطرح إعلامنا والشارع المصرى نفس التساؤل الذى بات موسميا وهو «هل يمكن لمصر أن تحقق الاكتفاء الذاتى من القمح؟» والإجابة قبل أن نخوض فى التفاصيل نعم – إذا أردنا – يمكن لمصر تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح .. ولعلنى اشترطت متعمدا الإرادة شرطاً أساسياً لتحقيق الاكتفاء لأننى أعلم كغيرى من الزملاء والخبراء العاملين فى مجال إنتاج المحاصيل الزراعيه أن ذلك ليس مستحيلا من الجانب الفنى، ولكن شرط أن يقترن بإرادة سياسية وإدارة فنية تحولانه إلى حقيقة على أرض الواقع بعيداً عن الشعارات. إن تحقيق الاكتفاء الذاتى لم يعد ترفا بل ضرورة ملحة وعاجلة للأسباب الآتية: ■ التغيرات المناخية التى تؤثر على مراكز إنتاج القمح فى العالم ولعل ما أصاب روسيا من هذه التغيرات خير دليل على احتمال عدم إمكانها تصدير القمح وهى من المصادر الرئيسية فى تلبية احتياجات مصر من القمح. ■ الاحتكار وتقلبات السوق العالمية للقمح، وهما معاً يلعبان دوراً أساسياً فى التأثير على القرارات القومية والمصيرية للدول المستوردة، وقد أصبحت مصر أولى الدول المستوردة للقمح فى العالم، وعلى حسب احتياجاتها يتحدد سعر القمح فى هذه السوق. لا أود أن أطيل فأعود إلى التساؤل المطروح.. كيف لمصر أن تحقق الاكتفاء الذاتى من القمح.. هل الموارد الأرضية والمائية كافية؟ والإجابة: نعم كافية. تبلغ مساحة الأراضى الزراعية 8.5 مليون فدان يخصص منها 2.5 مليون فدان لمحاصيل الخضر والفاكهة.. ويبقى لمحاصيل الحقل 6 ملايين فدان.. يتنافس على شغل هذه المساحة خلال الشتاء والربيع (من أكتوبر إلى يونيو) القمح والبرسيم، وكان معهما القطن، ولكن خارت قواه وبعد أن كان يشغل 2 مليون من هذه المساحة فى الخمسينيات أصبح يشغل ما لا يزيد على ربع مليون فدان. إذن عندما تبدأ الدورة الزراعية فى أكتوبر تكون المنافسة أساساً بين القمح والبرسيم، وغالباً ما تنتهى لصالح البرسيم، فهو غذاء ماشية اللبن واللحم، ولكن لابد من ضبط إيقاع المنافسة بين البرسيم والقمح مع المحافظة على مساحات المحاصيل الأخرى على النحو التالى: (1) يخصص 3 ملايين فدان للقمح (لا يتجاوز 2.5 مليون فدان حالياً). (2) يخصص 1.5 مليون فدان للبرسيم المستديم (من أكتوبر - يونيو). (3) يخصص نصف مليون فدان لمحاصيل البذور البقولية (فول/عدس/حمص/ترمس). (4) يخصص نصف مليون فدان للقطن يسبقه برسيم مؤقت (أكتوبر/مارس). (5) يخصص نصف مليون فدان لقصب السكر وبنجر السكر. إن تخصيص 3 ملايين فدان لزراعة القمح أمر حيوى وضرورى، وهذه المساحة تنتج 9 ملايين طن بمتوسط إنتاج 3 أطنان/فدان (20 إردباً/فدان) وتستكمل احتياجاتنا من القمح وهى 12 مليون طن (80 مليوناً X 150 كيلوجراماً) بزراعة مليون فدان خلال فترة الصيف (يونيو– سبتمبر) بالذره الشامية وهذه المساحة كافية جداً لإنتاج 3 ملايين طن بمتوسط 3 أطنان/فدان (22 إردباً/فدان). هناك تفاصيل فنية كثيرة لا أود أن أشغل بها القارئ، ولكن موجز ما سبق هو أن مصر تستطيع أن تحقق الاكتفاء الذاتى من القمح خلال خمس سنوات على أكثر تقدير من خلال: (1) زيادة المساحة المنزرعة قمحاً إلى 3 ملايين فدان بدلاً من 2.5 مليون فدان حالياً. (2) زيادة إنتاجية الفدان من القمح إلى 3 أطنان بدلاً من 2.8 طن/فدان حالياً. (3) استكمال احتياجاتنا لرغيف الخبز بالذرة الشامية وخلط الدقيق بنسبة 3 أقماح : 1 ذرة شامية. (4) ترشيد استهلاك الفرد إلى 150 كيلوجراماً بدلاً من 180 كيلوجراماً حالياً. (5) تقليل فاقد الحصاد وما بعد الحصاد إلى 20% بدلاً من 30% حالياً. (6) دعم مشروط لمزارعى القمح عن طريق: (1) تحديد أسعار توريد مجزية. (2) تقديم خدمة ميكنة زراعة وحصاد. (5) توفير مستلزمات الإنتاج خصوصاً الأسمدة بأسعار مناسبة. أما عن الإرادة السياسية المنشودة لتحقيق الاكتفاء الذاتى فإننى أتمنى أن يتبنى الرئيس حسنى مبارك موضوع الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الغذائية الرئيسية لارتباطها بالأمن القومى والسلام الاجتماعى باستحداث مجلس أعلى للأمن الغذائى. بحيث يختص المجلس ب: ■ وضع السياسات الزراعية الكفيلة بتحقيق الأمن الغذائى وإعداد خطة زمنية يتم من خلالها تحديد سبل تشجيع المزارع على التوسع فى مساحة القمح وزيادة الإنتاجية عن طريق قصر الدعم الحكومى المشروط على المزارعين بتنفيذ الخطة الزمنية وبالتركيب المحصولى المقترح. ■ وضع التشريعات التى تجرّم استخدام القمح فى غير الاستهلاك الآدمى، وتكفى الإشارة إلى أن فاقد رغيف واحد للفرد/يوم يعنى فقد 3.2 مليون طن قمح تنتج من أكثر من مليون فدان، أى إهدار 2 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعادل نصيب مصر من مشروع قناة جونجلى فى حالة تنفيذه!!! أى أن طموحاتنا المستقبلية فى زيادة حصتنا المائية يمكن توفيرها بقيمة الفاقد من رغيف واحد للمواطن فى اليوم!!. وأخيراً العبور الزراعى بروح أكتوبر كفيل بتحقيق الاكتفاء الذاتى لمصر من القمح.