مرة أخري استيقظنا علي أزمة لا يوجد قمح، روسيا حظرت التصدير، لا نملك سوي 50% فقط من الكمية التي نستهلكها، اجتماعات طارئة ومشاورات ساخنة، واقتراحات وأفكار تخرج من الأدراج خوفا من مجاعة تصنعها ندرة ذلك المحصول الذهبي، قد تمر الأزمة بشكل مؤقت وتعاود روسيا فتح «حنفية» القمح مجددا.لكن الخطر لن ينتهي مطلقاً. قالها الرئيس مبارك قبل 30 سنة حينما تولي الحكم «من لا يملك قوته.. لا يملك حريته»، وهانحن بعد 30 سنة لا نملك سوي نصف قوتنا من القمح، لكن من قال إننا نملك معها نصف حريتنا؟ ما الذي يمنع من الاكتفاء الذاتي من القمح؟ ولماذا يبدو ذلك «حلماً مستحيلاً» صعب التحقيق، رغم أن دولا أخري فعلته، بل وأصبحت مصر تستورد منه القمح بكل أريحية؟ هناك حلقة غامضة حتماً في الأمر مثل حلقات غامضة كثيرة تحيط بنا قد تكشف السطور المقبلة عن بعض منها لكن الأمر ربما يزداد غموضا.. هي جت علي دي؟ الإنتاج: 3 ملايين فدان تنتج 7 ملايين طن وكل هذا لا يساوي أكثر من 50% من الاستهلاك كرم أصلان وربا نور الدين وعبد المجيد عبد العزيز مع تصاعد أزمة القمح المتكررة والتي كشفت عن مدي تخبط السياسات الحكومية وعجزها وافتقادها لأ بسط قواعد الفكر الاقتصادي الزراعي، يتجدد السؤال.. متي يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر؟ ولماذ لم يتم المحافظة علي التجربة التي كان قد قام بها وزير الزراعة السابق المهندس أحمد الليثي والتي استطاع من خلالها زراعة 3.1 ملايين فدان لأول مرة في مصر بمحصول القمح، وتحقق ناتج فعلي بلغ نحو 8 ملايين طن في موسم 2005/2006، وذلك عبر التوسع الأفقي والرأسي في زراعة القمح وترشيد الفاقد من المحصول. انخفاض العائد الاقتصادي من زراعة القمح أدي إلي تحول بعض المزارعين عنه إلي محاصيل تدر ربحا أكبر كالبرسيم الذي يتم تصديره إلي عدد من دول الخليج والسعودية وذلك بعد أن اعتادت الدولة تحديد سعر متدن لإردب القمح المورد من قبل الفلاحين لا يتجاوز 35 دولار في حين تستورد الإردب من الخارج بحوالي 300 دولار! وتناقصت نسبة الاكتفاء الذاتي لدينا من القمح علي مدار السنوات الماضية ففي 2003-2004 كانت النسبة 86.6 %، وتراجعت إلي 61.2% في 2004-2005، حتي وصلت إلي 57.9 % في 2005-2006 طبقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ونحن الآن أمام نسبة متدنية للغاية تقتطع المليارات من ميزانية الدولة كل عام . وظهرت الكثير من الاقتراحات تنادي بزراعة القمح المصري في الخارج، في أفغانستان أو أوغندا أو السودان، كما دعي آخرون إلي تقليص مساحات الأرض المنزرعة قمحا لحساب خضروات وفواكه يمكن أن تدر ربحا اقتصاديا نستغله في التغلب علي عجزنا من محصول القمح. يقول جمال صيام - أستاذ الاقتصاد الزراعي - إن مساحة القمح المزروعة في مصر تبلغ حوالي 3 ملايين فدان تمثل المحصول الرئيسي لأن القمح يعتبر أكبر مساحة محصول تزرع ينتج منها حوالي 7 ملايين طن قمح يمثل حوالي 50% تقريبا من الاكتفاء الذاتي من القمح. وأضاف صيام: أن مصر تستطيع زيادة مساحة القمح المزروعة إلي 4 ملايين فدان، وإضافة مساحات جديدة بالزراعة في الأراضي الجديدة خاصة توشكي وترعة السلام والساحل الشمالي، وأن ذلك يمكن أن ينتج 2 مليون طن تضاف إلي الإنتاج الحالي الذي يتراوح بين 7 و8 ملايين طن فقط. ويؤكد مصطفي الطنطاوي - الخبير بمركز البحوث الزراعية - أن مصر قادرة علي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وذلك عن طريق ثلاثة طرق رئيسية أولها: التوسع الأفقي في زراعة محصول القمح والذي يحتاج لزيادة المساحة المزروعة بالقمح من 2.3 مليون فدان إلي نحو 4 ملايين فدان «ويمكن تحقيق التوسع الأفقي في مناطق جنوبالوادي، شرق العوينات، وسيناء وتوشكي، مع استحداث دورات زراعية جديدة في الأراضي القديمة، وفي الساحل الشمالي فمن الممكن زراعة 200 ألف فدان تحتاج لريات تكميلية تبعاً لكمية المطر المتساقط فيه. ويضيف الطنطاوي: ثاني، هذه الطرق التوسع الرأسي لرفع إنتاجية فدان القمح من 17 إردباً إلي نحو 25 إردباً، وهذه الطريقة تتطلب استمرار البرنامج القومي البحثي الذي يستهدف الحصول علي سلالات وأصناف تنتج في المتوسط العام 20 إردبًا للفدان «3طن» وأكثر، والطريقة الثالثة والأخيرة هي ترشيد الفاقد من محصول القمح وذلك بسبب سوء التخزين أو عمليات النقل والتداول. بينما يؤكد نبيل أبوخاطر - الخبير بمركز البحوث الزراعية - إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي في مصر من محصول القمح لو تمت الاستفادة من التجربة الروسية في هذا الشأن، ذلك أن روسيا كانت تستورد مليون طن قمح سنوياً، وباتت الآن أحد أكبر وأهم الدول المصدرة للقمح الآن، وكذلك الصين التي كانت تستورد مليون طن وحققت الاكتفاء الذاتي. الاستيراد: بدأ بمعونة من الولاياتالمتحدة.. لتصبح مصر بعدها «المستورد رقم 1» في العالم صفية حمدي الاتجاه إلي استيراد القمح بدأ كمعونة من الولاياتالمتحدة إلي مصر ثم تحول إلي سياسة من الحكومة اعتمدت علي منطق تجاري بالاعتماد علي استيراد وشراء القمح من الدول الأخري ما دامت أسعاره رخيصة والاهتمام بزراعة محاصيل أخري يتم تصديرها بأسعار مرتفعة ومع هذه السياسة صعدت مصر لتصبح الدولة رقم «1» بين الدول المستوردة للقمح علي مستوي العالم خلال عامي 2009- 2010 و 2010 - 2011، حيث استوردت 9 ملايين و300 ألف طن وفقا لبيانات رسمية منشورة عن وزارة الزراعة الأمريكية، وهذا بعد أن كانت مصر في المركز السابع عام 2000 والثاني عام 2005 وفقاً لتقرير عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء . تبدأ عملية استيراد القمح من خلال الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لوزارة التجارة والصناعة بالإعلان عن مناقصات وتتقدم الشركات المسجلة لدي الهيئة بسجل الموردين سواء شركات عالمية أو محلية، والتي أعلن رشيد محمد رشيد - وزير التجارة والصناعة - خلال قضية القمح الفاسد - أن عددها 30 شركة وحتي عام 2005 كان الاشتراك في المناقصات يقتصر علي شركات عالمية أجنبية منها «جلينكور » الهولندية و«سيلفرستون » الروسية والتي أفلست ثم اشترتها شركة أخري، وشركة «توبفر» ألمانية و «دريفوس » و«كارجل » أمريكية، وشركة «فالرز»، وهي شركة سويسرية أصحابها روس، ولكن بعد عام 2005 أصدر رشيد قرارا يسمح بدخول شركات مصرية محلية في مناقصات استيراد القمح ولكن بالجنيه المصري وليس الدولار، وقال تقرير هيئة السلع إن هذا القرار يمكن من المنافسة ومنع الاحتكار من قبل المتناقصين أو السيطرة الاحتكارية لبعض المناشئ، إلا أن البيانات التي تم الإشارة إليها تظهر أن نفس الشركات المصرية التي تمت الحديث حول فتح المجال لها تشارك في المناقصات بالطريقتين الدولار والجنيه. وفي مقدمة هذه الشركات المصرية شركة (دريفوس) وصاحبها محمد عبد الفضيل صاحب شحنة القمح الأوكراني غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، والتي أثير بشأنها ضجة في مجلس الشعب قبل حوالي عام، وتم التساؤل خلالها عن العلاقة مابين صعوده كصاحب إحدي أكبر شركة لاستيراد القمح في مصر ووالده الذي كان يعمل في رئاسة الجمهورية، ويرأس مجلس الأعمال المصري الكازخستاني وهو نائب رئيس مجلس الأعمال المصري الروسي، ويعد صاحب أكبر شركة تستحوذ علي مناقصات استيراد القمح التي تجريها هيئة السلع التموينية من بين 19 شركة ضمها تقرير الهيئة العامة للسلع التموينية حول أدائها العام الماضي، وعام 2007 - 2008 استحوذ علي توريد 2 مليون و315 ألف طن من بين 6 ملايين 765 ألف طن استوردتها هيئة السلع التموينية. أما أشرف العتال فيعد من أهم كبار أصحاب الشركات المستوردة بعد محمد عبد الفضيل، وأشرف العتال هو المتهم في قضية شحنات القمح الروسي الفاسدة التي فتح النائب العام التحقيق بشأنها منذ شهور وألزمه بإعادة تصديرها مرة أخري واستكمال التحقيقات حول ما إذا كان هناك فساد وتورط من مسئولين بوزارة التجارة والصناعة والمعامل المركزية بوزارة الصحة من عدمه وهو مالم يتم الكشف عن نتائجه حتي اليوم. والعتال شغل منصب رئيس المنظمة العالمية للحبوب «جافتا» ولكن تم تنحيته عن هذا المنصب منذ عام تقريبا بعد تفجير قضية شحنات القمح الفاسدة التي استوردها. المرحلة الثانية في سلسلة استيراد القمح هي شركات الشحن التي تقوم بشحن القمح علي المراكب من بلد المنشأ ونقلها حتي الموانئ المصرية، وتتم هذه المرحلة من خلال الشركة الوطنية للملاحة التي كانت تحتكر الشحن لهيئة السلع التموينية حتي ثلاث سنوات أو أربع سنوات مضت ثم فتح المجال لدخول شركات أخري وأهم شركتين في هذا المجال هي «السادات مارين» ويمتلكها عفت السادات ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، والثانية «إبرامار» وصاحبها رجل الأعمال إبراهيم مؤمن، وأشار أحد الوكلاء الملاحيين إلي أن ميناء الإسكندرية وحده به حوالي 167 وكيلاً ملاحيًا . والمرحلة الثالثة تتعلق بشركات التفريغ ووظيفتها إخراج القمح من المراكب من خلال شفاطات ضخمة وإنزاله في سيارات تنقله إلي الصوامع للتخزين، وأشهر هذه الشركات الشركة الوطنية للشحن والتفريغ التي يرأس مجلس إدارتها عادل ثابت -شقيق السيدة سوزان مبارك -، والذي كان يرأس شركة أخري تعمل في نفس المجال وهي الشركة الوطنية للملاحة، والشركة الحالية التي يرأسها شركة مساهمة من بين المساهمين فيها ميناء الدخيلة وشركة «كارجل» والشركة الوطنية للملاحة التي كان يرأسها من قبل، والإجراءات المتبعة بإدارة الموانئ لو شابها أي نوع من الفساد قد تساعد علي سيطرة شركات علي حساب أخري كأن يتم منح شركة مساحات أكبر من الأراضي بالميناء لإنشاء صوامع للتخزين بما يتيح لها حجم أعمال أكبر وتلغي ترخيص مساحات لشركة أخري أو تسحبه. كانت الولاياتالمتحدة هي الدولة تقريبا الوحيدة التي تعتمد عليها مصر في الاستيراد، حيث كانت روسيا دولة غير مصدرة وتستورد من الخارج ووفقا لتقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار - التابع لمجلس الوزراء - بعنوان «سوق القمح العالمي .. إلي أين؟» فإن الولاياتالمتحدة ظلت تستحوذ علي النصيب الأكبر من الواردات المصرية من القمح خلال الفترة من 1995 - 1999 ولكنها تراجعت خلال الفترة من 2003 - 2007 وبلغ حجم الكميات المستوردة منها 20% تقريبا مقارنة ب 93% عام 1995، وهذا بسبب ظهور دول جديدة هي روسيا واستراليا وفرنسا، وفي مصر القمح المستورد يعتمد علي روسياوالولاياتالمتحدة بصفة خاصة بنسبة 89% من إجمالي المستورد عام 2007 - 2008، وهما مصدران كانا سبباً لانخفاض المخزون العالمي للقمح وقت أزمة الغذاء عام 2007 - 2008 ناهيك عن العوامل الداخلية بالتحول لاستخدام محصول الذرة في إنتاج الوقود الحيوي وتحول الفلاحين لزراعة الذرة بالولاياتالمتحدة بدلا من القمح - ويبدو أننا لابد أن ندعو الفلاح الأمريكي ألا يبتعد عن زراعة القمح. ما الذي يمنعنا؟!: أمريكا.. لوبي المستوردين.. غياب القرار السياسي.. قلة الأراضي.. لهذه الأسباب لا نكتفي من القمح صفية حمدي منذ أن تولي الرئيس مبارك وفي بداية عهده قال «من لا يملك قوت يومه.. لا يملك حريته».. ومنذ هذا العهد ومصر تزداد اعتمادا علي الاستيراد من الخارج ومشروعات ورا مشروعات يتم طرحها دون تنفيذ و ظلت حبيسة أدراج المسئولين، في الوقت الذي تمكنت فيه دول مثل الهند من تحقيق الاكتفاء الذاتي وكذلك روسيا الدولة التي كانت تعتمد علي الاستيراد أصبحت هي من الدول المحركة لحجم المخزون العالمي من القمح وأكبر مورد تعتمد عليه مصر في الاستيراد والسؤال الذي يطرح نفسه......... هل هناك ما يمنع مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ؟ جمال زهران أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس الشعب حدد المسئولين عن منع مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في ثلاثة أطراف الأول لوبي استيراد القمح قائلا: إنهم جبهة قوية يمكنها التأثير في الحكومة، والحكومة هي التي مولت هؤلاء وأعطتهم ثروات ضخمة دون مقابل ولا مجهود منهم، حيث يقوم دورهم علي مجرد أن يأتوا بالقمح من الخارج ولا نعرف ما الداعي لذلك، ولماذا لا تقوم هيئة السلع ذاتها بعملية الاستيراد، وهذا بلا شك يحول دون زراعة القمح بالداخل لأنه لو تم سوف يقضي علي جماعات مصالح كبيرة وضخمة. الطرف الثاني الذي يمنع مصر هو انعدام القرار السياسي وعدم وجود إرادة سياسية لزراعة القمح، والثالث ضغوط من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولاياتالمتحدةالأمريكية بالاشتراطات التي تفرضها علي مصر مقابل تقديم منح أو معونات ومطالبات تحرير السلع الزراعية واشتراطات معلنة وغير معلنة نتيجتها عدم زراعة القمح مثله مثل القطن حتي نظل نعتمد علي الاستيراد كأداة للتأثير في القرار السياسي وتسهيل عملية المفاوضات مع الحكومة المصرية والتفريط في حق الشعب المصري. وأكد زهران أن توريد القمح لمصر سبق واستخدم كسلاح للضغط علي مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في الستينيات، وفي عهد السادات استخدم كوسيلة للضغط علي مصر لأجل التوجه لسياسات الانفتاح الاقتصادي والسياسات الحرة وإجراء محادثات مع إسرائيل، وحينما انفجرت مظاهرات الخبز عام 1977 قامت الولاياتالمتحدة بزيادة المعونة لمصر كأنها تساندها. وفي عهد الرئيس مبارك في بدايته قام مبارك بزيارة القري والحقول والغيطان وقال مقولته الشهيرة وهو يمسك بسنابل القمح: «من لا يملك غذاءه.. لا يملك حريته» كإشارة إلي ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن حتي اليوم فشلت الحكومة وجميع الوزراء في تحقيقه. أما عبدالسلام جمعة الملقب ب «أبوالقمح المصري» فرأيه كان مختلفا وقال نفس الأسباب التي كان رئيس الوزراء قد سردها كأسباب منع تحقيق الاكتفاء الذاتي بالحد الآمن لمصر فقال: إنه لا يوجد أحد يمنع مصر من التوسع في زراعة القمح سوي أن مساحة الأراضي محدودة والمياه محدودة وليس هناك تعمد أن يظل الوضع كما هو عليه، وحول أسباب عدم تنفيذ مشروعه الذي لا يزال يدعو له منذ سنوات، قال: إن وزارة الموارد المائية قالت إنه ليس هناك مياه، وأشار إلي أنه يقتنع بهذا السبب ويعتبر مشروعه مؤجل فقط لأن القضية تتعلق بوضع بنية أساسية وترشيد استهلاك مياه. مجدي صبحي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يري أن سعي الحكومة لتحقيق وفر مالي هو السبب الذي يمنع التوسع في زراعة القمح ليس ضيق المساحات ولا محدودية المياه فالقمح محصول ليس شرة للمياه إنما الأسباب تجارية بحتة بالاختيار ما بين الاستيراد بسعر رخيص وزراعة محاصيل أخري أسعارها أعلي يتم تصديرها للخارج ونستورد القمح هذا منطق أربح تجاريا وهذا المنطق تم التفكير فيه والعمل به منذ عهد يوسف وإلي. والمشكلة أننا نعاني من تردد شديد في صنع السياسات ولا يوجد لدينا حسم لأزمة أن نظل عرضة للتقلبات الخارجية حيث تحركنا سياسة الوفر المالي وليس التقلبات، وأضاف قائلا أن القمح تم استخدامه كسلاح للضغط علي مصر في الستينات ولكن كان محاولات للضغط أكثر منها فعل وخلال هذه الفترة كانت الولاياتالمتحدة هي التي تصدر لمصر معظم استهلاكنا من القمح ولم يكن هناك تنويع مصادر لا من استراليا ولا فرنسا ولا كندا ولا غيرها، وبداية استيراده كان علي شكل معونة من الولاياتالمتحدة حتي أن هناك تفسيرًا يردد بأن أمريكا هي من ضغطت حتي لا نتوسع في زراعة القمح والاتجاه لسياسة الوفر المالي والمنطق التجاري كان بتوصية من الولاياتالمتحدة للضغط لعدم التوسع في زراعته بالحث علي زراعة محاصيل مربحة أكثر مقابل استيراد المحاصيل منخفضة السعر مثل القمح من الولاياتالمتحدة. الاستهلاك: 14مليون طن وتوقعات بارتفاعه إلي 20 مليون طن في العشر سنوات المقبلة رحمة ضياء تزداد الصعوبة في سد العجز من القمح في ضوء اعتمادنا عليه كعنصر أساسي لا غناء عنه في مائدة كل أسرة مصرية، خاصة الفقراء منهم، ويقول عبد الغفار السلاموني - عضو مجلس إدارة غرفة الحبوب باتحاد الصناعات - :إن حجم استهلاكنا الشهري من محصول القمح يبلغ 650 ألف طن شهريا، ويزداد بمعدل مليون طن سنويا، نصيب الفرد منها يعادل نحو ثلاثة أرغفة ويتوقع أن تزيد معدلات الاستهلاك لتصل إلي 20مليون طن في غضون عشر سنوات، ويرجع السلاموني زيادة نسبة الفاقد من القمح إلي عدم وجود سعة تخزينه أو صوامع كافية. والأزمة الحقيقية تكمن في تسريب الدقيق من المخابز لمحلات الحلويات، حيث يتم بيع جوال الدقيق إلي هذه المحلات ب 160 جنيهًا، وهو الذي يصلهم -مدعّمًا- بسعر 16 جنيهاً. يقول مجدي صبحي- الخبير الاقتصادي بمركز الدراسات السياسية للأهرام - عن وجوه استهلاك المصريين للقمح ووجهة نظر البعض بأن الخبز المدعم يستخدم لإطعام الطيور والماشية أن المشكلة ليست في سوء الاستخدام، وإنما هي في سوء التصنيع فرغيف الخبز الذي تصنعه الدولة لا يصلح للاستخدام الآدمي لذا يقوم الناس بإطعامه للطيور بدلاً من التخلص منه، وهناك خطط مطروحة حول تحويل الدعم العيني إلي دعم نقدي ورفع سعر الرغيف إلي 15- 20 قرشاً وهذا كفيل بتقليل الاستهلاك، وتغطية الإنتاج المحلي لاستهلاكنا بشكل أكبر . ويقول النائب فريد إسماعيل -عضو مجلس الشعب - إن أسعار الدقيق وصلت إلي أكثر من 3800 جنيه للطن، والحكومة تعمل علي محاربة الفلاح فهناك أكثر من 5 ملايين طن من القمح في بيوت الفلاحين ترفض الدولة تسلمها وتضع أمام الفلاحين شروطاً تعجيزية حتي تجبرهم علي النزول بالسعر إلي مستوي متدن، ولا يكفيها التضييق عليه في المياه ورفع أسعار السولار والأسمدة والتقاوي بل وتقوم بمحاربته في التسويق وتعمل علي إذلاله. وأضاف إسماعيل: سياستنا الاستهلاكية خاطئة فنحن نستهلك 14 مليون طن من القمح نستورد نصفها وتصل نسبة الفاقد لدينا 30% تقدر بحوالي 4.5 مليون طن ناتجة عن سوء التخزين وعدم وجود صوامع كافية واستخدام الشون الترابية المكشوفة.