المهمة المستحيلة توالت ردود الفعل القلقة علي الحملة الأخيرة التي شنتها السلطات المصرية علي حرية الصحافة والإعلام أخذت فيها العاطل بالباطل، وأعربت لجنة حماية الصحفيين في نيويورك عن انزعاجها من تدهور حرية الصحافة في مصر قبل الانتخابات البرلمانية في نوفمبر القادم، وحذر كتاب كبار من إغلاق منابر التعبير الحر. وأكدت المؤسسات المدافعة عن حرية الإعلام أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات ضد مجموعة من القنوات التليفزيونية هي مجرد قرارات إدارية من جانب الشركة التي تعطي التراخيص وهي شركة الأقمار الصناعية وتتم كلها بدون حكم قضائي أو سلطة قضائية وهي سابقة خطيرة تفتح الباب لمصادرة الإعلام بقرار إداري علي عكس الصحف التي لا يجوز مصادرتها إداريا وهو مكسب حصل عليه الصحفيون بعد عمل شاق. ومما زاد الطين بلة كما يقال إن الشركة التي تعطي التراخيص قررت ضرورة الحصول علي ترخيص لإرسال رسائل تليفونية SMS كما أوقفت العمل بالوحدات المتنقلة sng التي تبث من موقع الخبر، وكلها إجراءات مرتبطة بالانتخابات المقبلة خاصة أن بعض القوي السياسية كانت قد استخدمت رسائل ال SMS علي نطاق واسع في انتخابات 2005. وكانت المعارضة الديمقراطية في مصر قد حذرت منذ زمن طويل من الاكتفاء بمساحة الحرية العرفية التي حصلت عليها الصحافة المطبوعة علي نحو خاص بعد كفاح طويل، ولكنها - أي الحرية - بقيت عرفية أي يمكن البطش بها في أي لحظة، وغرق دعاة حرية الصحافة لسنوات طويلة في الممارسة وأزاحوا جانبا مسألة النضال الضروري من أجل حرية صحافة حقيقية مصانة بالقانون وبعد أن أعطي الرئيس وعده لنقابة الصحفيين عام 2004 بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر إن للصحفيين أو المواطنين بشكل عام جري إهمال هذا الوعد، ولم يواصل الصحفيون المعركة بصبر وثبات من أجل تحقيقه وأصبح ذكره يأتي موسميا فقط، وتفككت روح الجماعة التي كانت تلهم هذا العمل الذي بدأ عام 1995 ضد قانون اغتيال حرية الصحافة وهو ما أسفر عن إنجاز قانون جديد متقدم نسبيا لكنه أبقي علي الحبس في قضايا النشر سيفا علي رقاب الصحفيين الذين تعرض بعضهم للحبس فعلا بينما اكتفت البقية بالهامش العرفي للحرية رغم أن الرقيب الداخلي أخذ يكبر ويكبر في داخلهم بعد أن رأوا رأس الذئب الطائر كما يقال. وفيما يخص حرية الإعلام التي شهدت بدورها ازدهارا حين تعاون بعض رجال الأعمال مع السلطة القائمة ومنحتهم تراخيص قنوات فضائية شرط ألا تقدم نشرات أخبار، أصبحت هذه القنوات أدوات للتنفيس عن احتقان اجتماعي - اقتصادي يتزايد مع عمق الأزمة. وجنبا إلي جنب هذه الثورة في إنشاء القنوات الفضائية تحرك مجموعة من الإعلاميين لإنشاء نقابة لهم وواجهتهم عقبات كثيرة، لكن حركتهم الجماعية تباطأت متواكبة مع زيادة القنوات الفضائية التي فتحت أبوابا للعمل أمام المئات منهم، تماما مثلما كانت مكاتب الصحف العربية قد فتحت مجالات للعمل أمام صحفيين تزايدوا بتزايدها، وبدا في الحالتين أن العمل الجماعي من أجل الحقوق أخذ يحتل مرتبة ثانية وثالثة علي أجندة كل من الصحفيين والإعلاميين لأن حلولا مؤقتة لمشكلاتهم المتفاقمة قد لاحت في الأفق. وها قد حان الوقت بعد الهجمة الأخيرة علي كل من حرية الصحافة والإعلام لأن يقوم الصحفيون والإعلاميون بمراجعة هذا السجل الطويل من الكفاح ومعرفة الثغرات فيه حتي يواصلوا العمل مجددا من أجل حقوقهم، من أجل قانون صحافة يلغي الحبس في قضايا النشر، ويلغي عشرات القيود الأخري الموجودة في قانون العقوبات والمخابرات العسكرية والشرطة.. إلخ. ومن أجل تنظيم لحقوق البث الفضائي والأرضي يلبي احتياجات حرية الإعلام وحقوق المجتمع في نفس الوقت ومن حسن حظ الصحفيين والإعلاميين أن ثورة الاتصال والمعلومات في العالم والتي تقدم جديدا كل يوم قد فتحت أبوابا للحرية بلا حدود حتي بات من الصعب إن لم يكن مستحيلا علي أي سلطة في العالم مهما بلغت قدراتها علي البطش والاستبداد وتكميم الأفواه أن تحجب النور كلية بل ستظل هناك دائما إمكانية لأن يشق هذا الضوء طريقه ليكشف الحقيقة لكن علينا جميعا أن نسهم في تمزيق الستر وإزاحة الجدران حتي نكون جديرين بالنور.