ونمضي لنطالع مما يعمنا من كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين والحقيقة ان معركة قاسم أمين كانت تنصب في هذا الكتاب حول تعليم المرأة وضرورته، لكنه توقف بمطالبته هذه عند حدود مرحلة التعليم الابتدائي ومع ذلك فقد كانت معركة صعبة وتعرض بسببها لهجوم شديد القسوة ويسأل قاسم أمين «هل صنعنا شيئا لتحسين حال المرأة؟ هل قمنا بما يفرضه علينا العقل والشرع من تربية نفسها وتهذيب أخلاقها وتثقيف عقلها؟ أيجوز ان نترك نساءنا في حالة لا تمتاز عن حالة الانعدام؟ أيصح ان يعيش النصف من أمتنا في ظلمات من الجهل بعضها فوق بعض لا يعرفن شيئا مما يمر حولها.. صم بكم عمي فهم لا يعقلون؟ أليس الرجال من النساء والنساء من الرجال وهن نحن ونحن هن (ص 263) ويشتد الهجوم علي تعليم المرأة باتهام هذه الدعوة بأنها بدعة تستهدف افساد أخلاق المرأة ويرد قاسم امين «رسخ في أذهان الرجال ان تعليم المرأة وعفتها لا يجتمعان وقال الأقدمون في ذلك اقوالا طويلة وحكايات غريبة ونوادر سخيفة إستدلوا بها علي نقصان عقل المرأة واستعدادها للغش والحيلة فلو تعلمت لم يزدها التعليم إلا براعة في الاحتيال والخدعة واسترسالا مع الشهوة فحذونا مثالهم واعتقدنا ان التعليم يزيد تفننها في المكر ويعطيها سلاحا جديدا تتقوي به طبيعتها الخبيثة علي ارتكاب المفاسد (المرجع السابق) والمثير للدهشة ان قاسم امين يجاريهم فيما يقولون ويوافقهم قائلا «أما أن المرأة الآن ناقصة العقل شديدة الحيلة لهذا لا يختلف فيه اثنان» ويمضي قائلا «والحقيقة ان طهارة القلب في الغرائز والطبائع فإن كانت المرأة صالحة زادها علمها صلاحا وتقوي وان كانت فاجرة لم يزدها العلم إلا فجورا فأثر التعليم لا يمكن ان يكون ضررا محضا (ص364». ويتحدث بعد ذلك عن البطالة فيقول «ان البطالة التي ألفتها نفوس النساء عندنا وصارت كأنها من لوازم حياتنا هي أم الرذائل ان كان نساؤنا لايعملن شيئا في المنازل ولا يحترفن بصنعة ولا يعرفن فنا ولا يشتغلن بعلم ولا يقرأن كتابا ولا يعبدن الله فبماذا يشتغلن حينئذ؟ أقول لك وأنت تعلم مثلي ان ما يشغل امرأة الغني والفقير والعالم والجاهل والسيد الخادم هو أمر واحد يتفرع الي مالا نهاية له، ويتشكل في كل آن بشكل جديد هو ينبوع رضاها أو سخطها علي حسب الاحوال ذلك الأمر هو علاقتها مع زوجها فتارة تتخيل انه يكرهها وتارة تظن انه يحبها وهي لا تغفل عن مراقبة سلوكه مع الخادمات وتراقب لحظاته عند دخول الزائرات وتجعله دائما موضوع الشك ومن وسائل الاحتياط ان لا تقبل الخادمة الا اذا كانت من شناعة الصورة وقبح المنظر وبشاعة الهيئة بحيث يطمئن بالها» (ص267) ويأتي قاسم امين بعد هذه العبارات التي لا يشجع احدا بالعطف علي المرأة أو الدفاع عن حقوقها أو حتي احترامها كإنسان الي موضوع هام اخر هو الحجاب.. ويبدأ قاسم امين كعادته بمحاولة اتقاء هجوم المعارضين وتقديم التنازلات الفكرية لهم فيقول «ربما يتوهم البعض انني أري الآن رفع الحجاب المرة لكن الحقيقة غير ذلك فإنني لا أزال ادافع عن الحجاب واعتبره اصلا من أصول الادب التي يلزم التمسك بها غير اني أطلب ان يكون منطبقا علي ماجاء في الشريعة الاسلامية لكن البعض يحب المغالاة والمبالغة فيما يظنونه عملا بالاحكام حتي تجاوزوا حدود الشريعة واضروا بمنافع الامة ثم يمضي قاسم امين قائلا والذي أراه في هذا الموضوع هو ان الغربيين قد غلوا في اباحة التكشف للنساء الي درجة يصعب معها ان تتصون المرأة من التعرض لمثارات الشهوة ولا ترضاه عاطفة الحياء وقد تغالينا نحن في طلب التحجب والتحرج من ظهور النساء لايمن الرجال وبين هذين الطرفين وسط سنبينه هو الحجاب الشرعي وهو الذي ادعو اليه (ص271) ويقول وكل من عرف التاريخ يعلم ان الحجاب دور من الادوار التاريخية لحياة المرأة في العالم وفي قاموس لاروس جاء تحت كلمة خمار كان نساء اليونان يستعملن الخمار اذا خرجن ويخفين وجوههن بطرف منه كما هو الآن عند الاممالشرقية وفيه ايضا ترك الدين المسيحي للنساء خمارهن وحافظ عليه عندما دخل في البلاد فكن يغطين رؤوسهن اذا خرجن في الطريق وفي وقت الصلاة.. ومن هذا يري القاريء ان الحجاب الموجود عندنا ليس خاصا بنا ولا ان المسلمين هم الذين استحدثوه ولكنه كان عادة معروفة عند كل الامم تقريبا ثم تلاشت طوعا لمقتضيات الاجتماع وجريا علي سنه التقدم والترقي. ثم يناقش قاسم أمين موقف الدين من الحجاب فيقول «ونحن لا نجد في الشريعة نصا يوجب الحجاب علي هذه الطريقة المعهودة وانما هي عادة اخدها الناس وتمسكوا بها كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها (ص272) وبعد ان استعرض قاسم امين عددا من الآيات القرآنية المتعلقة بهذا الامر قال «أباحت الشريعة للمرأة ان تظهر بعض اعضاء جسمها امام الاجنبي غير انها لم تسم هذه المواضع وقد اختلف الفقهاء في هذه المواضع». وبعد ان أورد قاسم امين عديدا من آراء الفقهاء ويتساءل قاسم أمين عن سر اخفاء الوجه وكيفية التعامل بين المرأة والرجل في بيع وشراء وزواج وهي مغطاة الوجه بدعوي إتقاء الفتنة ويتساءل سؤالا هاما جدا عجبا لماذا لم يؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء اذا خافوا الفتنة عليهن هل اعتبرت عزيمة الرجل اضعف من عزيمة المرأة ويعتبر الرجل اعجز من المرأة في ضبط نفسه والتحكم في هواه؟ (ص279) ثم يؤكد والحق ان الانتقاب والتبرقع ليسا عن المشروعات الاسلامية لا للتعبد ولا للأدب بل هما من العادات القديمة السابقة علي الاسلام والباقية بعده. وهكذا أخذ قاسم أمين نصف موقف حتي في هذا الامر المبدئي. ويبقي ان نناقش ماذا قال في كتابه «المرأة الجديدة».