أصبح العالم العربي الساحة الأكثر نشاطا لتنظيم «القاعدة» وخاصة في الدول التي شهدت الثورات والانتفاضات الشعبية والتي بدأت بثورة «الياسمين» في تونس وصولا إلي الحرب الأهلية المذهبية في سوريا، وعلي الرغم من أن تنظيم القاعدة لا يحرك «فروعه» في العالم العربي بشكل تنظيمي مباشر، إلا أن أفكار ومبادئ القاعدة تعملان بقوة وتنتشران بسرعة هائلة، بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم في تونس ومصر وقبل ذلك في غزة، إضافة إلي الوجود المتزايد لجماعات السلفية الجهادية المسلحة في ليبيا والتي استغلت تدفق الأسلحة من جانب حلف «الناتو» لإسقاط نظام القذافي، وترسانة الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها بعد إسقاط هذا النظام، للقيام بعمليات عسكرية لإحكام سيطرتها علي معظم أنحاء ليبيا، بعد أن تم إسقاط الدولة بأكملها، والأخطر أن عشرات الجماعات الارهابية التكفيرية وعصابات الاتجار بالسلاح نشطت في بيع وتهريب السلاح عبر الحدود الليبية إلي «مالي» و«مصر» و«السودان» و«الجزائر»و«تونس»، ووصلت كميات من الأسلحة القادمة من ليبيا إلي حركة حماس والمنظمات الفلسطينية الأخري التي ترفع شعارات إسلامية. من أبوحمص إلي حلب ولا تعترف تنظيمات السلفية الجهادية بالحدود الوطنية، ولذلك فهي ترسل الكثير من الشباب الذين يجري «غسيل مخهم» للقيام بالعمل في بلدان أخري، وشهدت مدينة «أبوحمص» منذ عدة أيام مسيرة كبيرة شارك فيها المئات من تنظيم السلفية الجهادية رافعين الأعلام السوداء وتوجهوا إلي منزل الارهابي «مجدي بدر» الذي قتل في سوريا، وأقاموا احتفالا تأبينيا كبيرا وألقوا الخطب ودعوا أبناء القرية للعمل في سوريا، وأكد والده أن ابنه كان يعمل لحام «أرجون» بعد انتهاء فترة تجنيده في الصاعقة، وأنه توجه إلي سوريا وانضم إلي جبهة النصرة هناك وقاد عملية اقتحام مستودع ذخيرة «خان قابور» بمدينة حلب، وأشار في تحقيق لصحيفة الشروق أن الولاياتالمتحدة صنفته منذ 4 سنوات علي أنه إرهابي تابع لتنظيم القاعدة، وتتبعت مسارات تحركه في عدة دول عربية. وعلي الحدود المصرية – الليبية معسكرات لتدريب مقاتلي القاعدة والتنظيمات الجهادية، إلي جانب المعسكرات الموجودة في سيناء، وأعضاء التنظيم الذي تم القبض عليه منذ أيام قليلة قبيل اختطاف الجنود المصريين في سيناء، شارك أحدهم في القتال في أفغانستان وكان قريبا من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وكان قد تم القبض علي جمال عبده الحارس الشخصي لأسامة بن لادن في سيناء بعد الثورة في عملية قامت بها المخابرات المصرية التي تتبعته حتي وقع في أيديها مع عدد من قيادات أخري تعمل في سيناء علي توحيد أنشطة الجماعات المختلفة المتواجدة هناك مثل «التوحيد والجهاد» و«الشرقيون» و«البراء والولاء» و«أكناف بيت المقدس». وأدي إلقاء القبض علي التنظيم الأخير الذي ثبت أنه علي علاقة بتنظيم مدينة نصر، إلي قيام الجماعات السلفية بحصار مقار الأمن الوطني التي حلت محل مباحث أمن الدولة، وهددوا باقتحام تلك المقار، وقتل عدد من الضباط الذين يقومون بمتابعة تحركات وأنشطة التنظيمات الإرهابية المختلفة. توظيف القاعدة وبعد انتهاء عملية اختطاف الجنود المصريين في سيناء بشكل يحمل رائحة «المؤامرة» والاتفاقات السرية، فإن تعليقات المحللين الغربيين علي وجه الخصوص، أشارت إلي قيام تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بتوظيف أنشطة القاعدة والمنظمات السلفية الجهادية من أجل تحسين صورتها كتيار إسلامي معتدل، وتخفيف الضغط الذي تقوم به جبهة الإنقاذ وقوي المعارضة المدنية علي جماعة الإخوان، وتأكيد فكرة أنهم الحل الأفضل بين خيارات أكثر خطورة، الجماعات السلفية المتشددة من ناحية، والجماعات اليسارية الراديكالية من ناحية أخري. ويلعب الإخوان بورقة تنظيم القاعدة والتنظيمات السلفية الجهادية الأخري لتخويف الغرب والرأي العام في مصر من بديل أكثر خطورة ويرفع شعارات متطرفة ويتبني برنامجا بالغ التطرف، وهو نفس التكتيك الذي اتبعه نظام مبارك حين كان يوظف جماعة الإخوان كخطر علي التعددية والنظام السياسي والاقتصادي الاجتماعي وقتها، لتبرير استمرار وجوده في الحكم لأن البدائل أكثر خطورة. وفي ظل فشل الإخوان في إيقاف انهيار الاقتصاد وحل المشاكل الأمنية، والانقسام السياسي، ستكون الورقة الرابحة بالنسبة لهم هي الادعاء بالقدرة علي السيطرة علي الجماعات الأكثر تطرفا. الهجوم علي السفارات ولعل تشابه تكتيكات تلك الجماعات في استهداف السفارات الغربيةوالأمريكية بالذات، يهدف إلي توصيل رسالة إلي الغرب بأنهم مستهدفون أيضا، وأن القوي التي تعمل علي حماية تلك السفارات هم جماعة الإخوان المسلمين وهو ما حدث في مصر وتونس وحتي في ليبيا التي شهدت تعدد الهجمات علي شارع السفارات. وتشير الصحف الأمريكية في هذا الإطار إلي إمكانية قيام قوات المارينز الأمريكية بعملية في ليبيا تستهدف المجموعة التي قامت بقتل سفيرها في بنغازي العام الماضي، بعد أن تم تسريب معلومات عن كشف هوية تلك المجموعة والتي تضم مصريين وليبيين. وحتي في مالي وأشارت الصحف الفرنسية أيضا إلي مشاركة الإرهابيين القادمين من ليبيا وتونس ومصر في عمليات القتال التي تمت في شمال مالي، في إطار محاولة القاعدة توسيع جبهة عملها وتوظيف فائض السلاح من الترسانة الليبية لإقامة إمارة إسلامية في شمال مالي التي شهدت عاصمتها التاريخية «تمبوكتو» مواجهات مع الجماعات المسلمة المعتدلة، والتي اضطرت إلي طلب المساعدة من فرنسا دولة الاحتلال السابقة لمنع القاعدة من إحكام سيطرتها علي البلاد. أما في تونس فقد تراجعت جماعة أنصار الشريعة بشكل مؤقت أمام إصرار الحكومة التونسية علي منع عقد مؤتمر ضخم في القيروان الأسبوع الماضي «الملتقي الثالث لأنصار الشريعة»، ولكن زعيم أنصار الشرعية «أبوعياض» تلميذ «أبوقتادة» المصري المسجون في بريطانيا توعد الحكومة الحالية ونظام «الترويكا» الثلاثية التي تضم الإخوان «حزب النهضة» و«اليسار» و«الوسط الليبرالي»، بالعمل علي إسقاطها لأنها لا تطبق الشريعة وتسمح بالسياحة «الكافرة»، وشهد المؤتمر الثاني في القيروان أيضا في مايو 2012 استعراضا لاستخدام القوة والسلاح قام به أكثر من 5 آلاف عنصر من شباب الحركة. وكما تفعل جماعة الإخوان في مصر تقوم حركة «النهضة» التونسية بتوظيف جماعة أنصار الشريعة علي أساس أنها الخطر الرئيسي علي تونس، وإقناع كل الشركاء السياسيين والقوي السياسية والحزبية والمجتمع المدني بأن «النهضة» هي صمام الأمان لتونس، والقادرة علي حمايتها والتصدي للجماعات الأشد تطرفا، والدليل أن زعماء تلك الحركة وصفوا حتي الشيخ «راشد الغنوشي» ب «الطواغيت المسربلين بسربال الإسلام». إجمالا توفر جماعة الإخوان بمختلف فروعها في مصر وتونسوغزة حيث وصلت إلي الحكم الأجواء المثالية لظهور القاعدة والتنظيمات التي تعمل مهتدية بأفكارها، وهي تستفيد من العنف والخطاب المتطرف الذي تطرحه وتقوم به من أجل تثبيت أوضاعها كبديل معتدل مقبول حتي لو فشلت في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي لعبة توظيف معادة قامت بها الأنظمة السابقة، وتعود جماعة الإخوان لاستخدامها من جديد.