علي شاشة دريم الثانية، يقدم الإعلامي أحمد المسلماني برنامجه اليومي «الطبعة الأولي» ويطرح فيه أخبار اليوم القادم والتي سوف نتابعها في جرائد الصباح التالي، وهو نفس ما يحدث في برنامج ثان هو «مانشيت» الذي يقدمه الإعلامي جابر القرموطي علي قناة «أون» الأولي، وغير هذين البرنامجين، فإن أقبال برامج التليفزيون علي تقديم ما تقدمه الصحافة يزداد حين تخصص برامج الصباح المهمة فقرات ثابتة لما نشرته الصحف وتتوقف بالتفسير والتحليل مع ضيوف من الصحفيين أنفسهم وهو ما نراه من خلال برامج «صباحك عندنا» علي المحور و«صباح أون» و«صباحك يا مصر» و«زي الشمس» ثم «نهارك سعيد» علي نايل لايف وأيضا علي النيل للأخبار، والمعني من هذا أن ما تنشره الصحف في مصر هو مصدر مهم لمعلومات التليفزيون والقائمين عليه، وموضع ثقة أولية للإعلام المرئي، الذي يتوقف غالبا عند الأخبار بالتعليق والمتابعة والتفسير السريع صباحا، بينما يختلف الأمر في المساء حين يتحول البرنامج إلي برنامج رأي بالدرجة الأولي وليس مجرد عرض لاخبار الصحف، وفي هذا تحديدا يتحول البرنامج من عارض وناقل لما يقدمه الإعلام الآخر إلي جامع لوجهات النظر تجاه الأحداث، من خلال نفس الوسيط «أي الجرائد الصباحية» وبأقلام الكتاب والمحللين في الصحف ليصبح الأمر في النهاية نوعا جديدا من الإعلام يبدأ من الصحافة وينتهي علي شاشة التليفزيون، وهو ما يقدمه البرنامجان المذكوران في البداية، فكل من أحمد المسلماني وجابر القرموطي يعمل صحفيا في الأساس ولايزال، وكلاهما بدأ تقديم البرنامج بهدف السبق الإعلامي وتقديم محتوي جرائد الغد لمشاهدي التليفزيون قبل موعدها، أي بعد خروجها من المطبعة وقبل أن تبدأ الجرائد دورة توزيعها لتصل إلي يد القارئ في صباح اليوم التالي، ولكن الأمر اختلف كثيرا بين البداية والمرحلة التي نري عليها هذه البرامج الآن وحيث تحول «الطبعة الأولي» إلي برنامج نخبوي بينما تحول «مانشيت» إلي برنامج شعبوي، وكل منهما تطور علي النحو الذي يلائم شخصية مقدمه، ففي «الطبعة الأولي» أنت أمام برنامج يضع قدما في الحاضر وقدما في الماضي مؤكدا علي استمرار الرباط الوثيق بينهما، تمثل «مانشيتات» الصحف مساحة فيه ولكنها ليست الأكبر بينما تحتل رؤي وتحليلات مقدمه المساحة الأهم، وربما البرنامج كله حين يتعلق الأمر بمحاضرات يقدمها عن تاريخ مصر فيفرد لها مساحة الحلقة، أما تيتر النهاية فهو إحدي العلامات المميزة للبرنامج من خلال استعراضه للوثائق المصرية لرؤساء مصر بعد ثورة 23 يوليو من محمد نجيب إلي جمال عبدالناصر والسادات ومعهم بعض القيادات العظيمة مثل الفريق سعد الشاذلي والفريق عبدالمنعم رياض وصوت أم كلثوم يؤطر هذا كله بأنشودة «مصر التي في خاطري».. وهو ما يعني في النهاية أننا برنامج عام وخاص في نفس الوقت، صاغه مقدمه وفقا لرؤيته ولم يسمح لأحد أن يتدخل أو يتداخل – عبر الاتصال التليفوني – لقطع السيناريو الذي وضعه لبرنامجه وهو عكس ما يحدث مع البرنامج الآخر «مانشيت» الذي يسعي إلي التواصل مع أكبر عدد من القراء والمشاهدين منذ اللحظة الأولي، وقبلها من خلال العنوان نفسه، وبعد أن كان يقدم عناوين صحف الغد وأهم ملامح ما بها من حلقات وتحقيقات، فقد أصبح يتوقف أيضا عند محتوي صحف اليوم وما تحمله من أخبار وعناوين ومقالات مثيرة للجدل خاصة حين تتواصل عبر أحداث مهمة مثل ملفات شهداء الثورة وجرحاها والجنود المخطوفين، ومن المؤكد أن أسلوب مقدمه جابر القرموطي، وملامحه المعبرة عن شخصية واضحة لا تخفي ما بداخلها كان سببا مهما في تفاعل آلاف المشاهدين معه وإدراكهم اهتمامه الحقيقي بما يخص المشاهد كمواطن وهو ما حول البرنامج إلي شبه «ديوان» للمظالم في حلقات عديدة بفضله وجدت أصوات عديدة طريقها للبوح بآلامها مثل السيدة «دعاء رشاد» زوجة الضابط محمد الجوهري المخطوف مع زملائه الثلاثة الآخرين في غزة منذ عامين، وأيضا فإن القرموطي – وهذه ميزة حقيقية – يظل ينادي طوال الحلقات هؤلاء الذين تم الهجوم عليهم واختطافهم عبر المداخلات التليفونية والعناوين الصحفية، يناديهم ليردوا حتي يعرض الرأي الآخر، وهي نداءات تفلح كثيرا في عرض وجهة النظر الأخري، والتي يأتي بعضها قاسيا والبعض يتجاوز حدود اللياقة ولكن صاحب البرنامج يتجرد من الحرج معتبرا أن حق المشاهد والمواطن هو الأهم ومعه فريق إعداد سريع التلبية لما يطرأ من متطلبات البحث عن معلومة أو طرف أثناء الهواء أو ما يطلبه مقدم البرنامج من أرقام للرد عليه وهو منفعل وكأنه ممثل الادعاء الباحث عن محامي الخصوم، وربما يختلف القرموطي في هذا عن غيره من مقدمي ومقدمات برامج التليفزيون في تلك الهبات الانفعالية والغضب الذي ينتابه حين يقرأ علينا الأخبار، والأحداث المزعجة والمسيئة للوطن والمواطن معا، ولكنها – أي انفعالاته – جزء هام من مصداقيته بعد سنوات من بداية «مانشيت» أصبح المواطن – المشاهد – خبيرا فيها فيمن يصدق وفيمن يراوغ أو يمسك العصا من المنتصف، ومع ذلك كله.. فلا نستطيع أن نعتبر أيا من «الطبعة الأولي» أو «مانشيت» البرنامج المعبر تماما عن الصورة الكاملة للصحافة المصرية الآن.. وربما يكون مانشيت هو الأقرب.. بشرط أن تضيف إليه شبكة «أون» المزيد من الوقت والإمكانيات.