دافع القرآن الكريم عن المعتقدات الدينية التي آتي بها الرسل الكرام، وكان آخرهم موسي عليه السلام، والمسيح عليه السلام، ومن بعد ذلك جاء خاتم المرسلين الرسول الكريم محمد عليه السلام، فقد وعي قلبه بوحي من السماء أن يعمل جاهدا علي تلاقي أهل الرسالات السماوية، الذين كانوا في عصره متمثلين في اليهود والنصاري، فكان كل منهما يضمر الكراهية للآخر، فتأسست رسالة الرسول علي ضرورة نبذ الخلاف فأوحي الله إليه أن يتلاقيا علي ملة أبي الانبياء ابراهيم عليه السلام، كما كان بجانب هذا الجهد يدعو قومه لعبادة التوحيد، نظرا لكونهم كانوا مشركين، حيث اشركوا ما بين الكعبة والأصنام وكانوا يتجاهلون عبادة الله، فقد وجدوا في عبادتهم للأصنام المكان الآمن الذي لا تراق فيه دماء، ونظرا لطبيعة الصحراء المترامية فقد اتفقوا منذ زمن بعيد علي وضع أمن زماني يتعلق بالأشهر الحرم، ورتبوا حياتهم علي ضرورة الأمن المكاني المتمثل في عبادة الأصنام، فلما ابلغهم الرسول ليعبدوا رب البيت خالق السماوات والأرض كانوا يرونه أنه من قبيلتهم المشركة وأنكروا عليه دعوته، وأنهم لا يؤمنون بإله لا يرونه جهرا مثلما يرون الأصنام، التي تلتف حول الكعبة وفي ساحة واحدة يحرم فيها القتال والأذي، فكان علي الرسول أن يجاهد في دعوته، فاعتمد علي جهاد النفس ورأي أن جهاد النفس أكبر من الجهاد بالسيف، كما أوحي الله إليه أن يحدث قومه وخاصة من آمنوا به ومن يأتي من بعدهم حتي يوم القيامة أن يحافظوا علي أماكن العبادة الخاصة بالنصاري واليهود ومساجد المسلمين، وقد أثبتت الآية القرآنية رقم (4) في سورة الحج ذلك، حيث قالت «الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز»، فالصوامع هي الأماكن الخاصة بالرهبان، والبيع هي الكنائس لما لشعبها من حق في مبايعة رعاة الكنائس، والصلوات هي أماكن صلوات اليهود، والمساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، حيث تقام فيها الصلوات خمس مرات في اليوم، ومادام القرآن قد أعلن دفاعه وحمايته لأماكن العبادة فكيف تواجه كنائس ومساجد بالعدوان بالمخالفة بما أمر به الله في القرآن. وهذا أمر يجب ألا يخفي علي الدعاة والإعلام في إلقاء الدروس والمواعظ، حتي لا نسمع يوما أن عدوانا يقع علي كنيسة أو مسجد بدعوي أن به ضريحا أو مقاما، وقد جاء في القرآن قول واضح في هذا الشأن حيث قالت الآية (125) من سورة البقرة «واتخذوا من مقام ابراهيم مصلي»، وقبل أن نختتم نبين أنه لا يجوز ولا ينبغي أن يسخر قوم من قوم كما جاء في الآية القرانية رقم (11) من سورة الحجرات «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن»، فالعقائد السماوية لها مناسك تخص كل عقيدة، وقد أكد القرآن هذا المعني في سورة الحج في الآية (67)، حيث قالت «لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلي ربك إنك لعلي هدي مستقيم»، كما جاء أيضا في الآية (162) من سورة الانعام «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين».