تلاحظ في الآونة الأخيرة بعض التعرض لأماكن العبادة، وفي ذلك مخالفة صريحة لما يدعو إليه القرآن الكريم، فالقرآن يناصر كل أماكن العبادة التي يعبد فيها الله خالق كل شيء، والعبادة الحقة هي التي تؤمن بالله الواحد ولاتشرك به أحدا ولا شيئا. قدفقد تتمايز العقائد وتتفق وتختلف ويخرج منها المذاهب التي يتعصب لها المؤيدون لها، الأمر الذي ينعكس علي عامة المؤمنين بالله، حيث يصل الأمر إلي تحريم الزواج لاختلاف المذاهب، بينما الدين واحد يجمع ما بين العقائد والمذاهب، فتراه يحرم الزواج من المشركين والكافرين، وعلي الإنسان أن يكبت عواطفه ولا ينساق وراء عاطفة الحب ولو أنها غريزة إنسانية طبيعية لا تفرق بين إنسان وآخر، وقد قالوا في الأمثلة إن المحب عن العزّال في صمم، فمهما قالوا وأعادوا القول، فالمحب قد لا يرضخ أو يستمع لأقوال الناصحين ولذا يجب تصفية الخلافات الفكرية والعقائدية بقدر الإمكان حتي يسود التلاقي والتعاون بين بني البشر جميعا، خاصة الذين نذروا أنفسهم للإيمان بخالق السماوات والأرض، وعلي هؤلاء أن يلاحظوا أنه يوجد فريق قد يكون أكثر منهم أو أقل لا يؤمن أصلا بخالق السماوات والأرض وبالتالي يحدث شرخ عميق غائر في المفاهيم التقدمية التي تؤمن بأن لكل صنعة صانعا ولكل موجود واجدا، وهو أمر لا يدرك إلا بالفكر الذي يتميز عن أي فلسفة لا تؤمن إلا بالحواس التي تري وتلمس، وتلك مقدمة عاجلة يراد بها إحداث توافق عام بين البشر جميعا وتحقيق مصالح الشعوب، وحماية الإنسانية من شر الحروب والخراب والدمار، وليس للشعوب من مأوي تستعين به إلا السلام القائم علي المزيد من الثقافة والفكر المستنير، فلا يخلو العالم من عواصف تهدد الاستقرار وأعاصير تبدد الحياة، تماثلها العواصف والأعاصير التي تثير النعرات الدينية والطائفية والتي يقودها الجهل وعدم الإدراك، من أجل ذلك أصبح علينا عبء ثقيل يجب أن نتحمله، ومن الأمانة يجب أن نستعرض ما جاء في القرآن الكريم من آيات نخص منها الآية رقم (40) من سورة الحج التي تتحدث بلغة واضحة وبأسلوب مباشر للدفاع عن الأماكن التي يعبد فيها الله مثل الصوامع الخاصة بالرهبان والبيع المسماة بالكنائس والصلوات التي هي جمع لكلمة صلاة وهي المعبد اليهودي، وتنتهي التوصية بالمساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيرا ومن حق القارئ علينا أن نذكر له النص القرآني للآية المشار إليها بسورة الحج، حيث تقول «الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز»، فلماذا يتعرض الذين يظنون أنهم أكثر علما وفقها لهدم كنيسة أو أخري واستخدام المتفجرات التي هي من صنع الشيطان لقتل الأبرياء الذين ما أتوا إلا لأداء العبادة مما أدي إلي إثارة الفزع والخوف ونشر هذه الأحداث المؤسفة عالميا، ثم يتعرض أمثال هؤلاء لمحاولات اقتحام المساجد التي بها أضرحة أو مقامات لأولياء الله الصالحين، تحريضا من أنفسهم وفهما خاطئا لمذاهبهم الدينية، والحق يقال إن آيات القرآن تؤكد السلام الدائم لمن رضي الله عنهم وأحبهم، فقد ألقي الله السلام علي مثل ذلك الإنسان من وقت أن يولد إلي أن يموت وحتي يبعث حيا، وجاء ذلك المعني في الآيات (12-15) من سورة مريم «يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا (12) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا (13) وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا (14) وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا (15)» والسلام اسم من أسماء الله الحسني يتجلي به علي عباده الصالحين وذلك منذ ولدوا إلي أن يموتوا وإلي أن يبعثوا أحياء في يوم القيامة، فملائكة السلام تتنزل عليهم وعلي قبورهم والمكان الذي باركه الله، فكان علي الباحث عن الحسنات ألا يغفل عن الأماكن التي تتنزل فيها الملائكة والتي من خواصها زرع الاطمئنان وتغير الأحوال، وزيادة الأجر والثواب وقد ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال «الا قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولتزدكم زيارتها أجرا»، فالقبور الكافرة لا تزيد الأجر، بينما القبور التي تشير إلي الصالحين تزيد من الأجر والثواب، ومع هذا الوضوح وتلك الشفافية نلاحظ من الذين لم يوفقوا إلي الفهم السليم معاداة أصحاب الأضرحة والمقامات ظنا أنهم يحسنون صنعا، فما يجري علي الساحة اليوم يستهدف الأماكن الدينية وهو أمر يحتاج إلي توعية وإلي تبصرة من أجل بناء مجتمع إنساني سليم يحافظ علي الصوامع والأديرة والكنائس والمعابد اليهودية والمساجد التي تشتهر بأسماء الصالحين مثل الرسل والأنبياء، كما ورد في القرآن الكريم «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي» وكما جاء أيضا في سورة الكهف من الآية (21) «قال الذين غلبوا علي أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا» وكذلك العلماء ورثة الانبياء، فهل تحمل الرياح صوت الحق في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل والمثقف والجاهل، وما توفيقي إلا بالله.