صرح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بعد انتهاء اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي في الأسبوع الماضي، بأن الإدارة الأمريكية لم تتأكد بعد من استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، وأنها تستمر في البحث لتتأكد من ذلك. وكان الرئيس الأمريكي أوباما قد صرح قبل بضعة أسابيع بأن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية خط أحمر، وبالتالي فإن رده ورد حلف شمال الأطلسي سيكون سريعاً وجاداً. في الوقت نفسه صرحت الأوساط الرسمية البريطانية أن المخابرات البريطانية تأكدت من استخدام النظام السوري لهذا السلاح بعد أن حصلت علي تربة من بعض المواقع السورية وحللتها وتأكدت من استخدامه، وقبل بضعة أيام صرح مدير الدراسات في المخابرات الإسرائيلية بأن هذه المخابرات تأكدت بدورها من استخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي ضد المسلحين المعارضين. وكانت بعض الأوساط الصحية السورية غير الرسمية أكدت، من خلال فحص بعض المصابين أن إصاباتهم هي نتيجة لاستخدام السلاح الكيماوي بدون أدني شك. ومع كل هذه المؤشرات التي تؤكد استخدام هذا السلاح مازالت الإدارة الأمريكية تنفي استخدامه، أو علي الأقل تشير إلي أنها لم تتأكد بعد. لكن هذه التأكيدات جميعها، إضافة لرأي المخابرات الأمريكية، أحرجت إدارة أوباما في الأيام الأخيرة، فاضطر للاعتراف جزئياً بأن السلطة السورية استخدمت هذه الأسلحة، إلا أنه أشار مجدداً، هو ووزير خارجيته أن الاستخدام محدود، وأن الإدارة تستمر في البحث للتأكد من ذلك وإذا ثبت هذا الاستخدام فلا بد من تغيير أوراق اللعبة. سياسي لا علمي ومن الواضح أن هذا الموقف الأمريكي المتردد هو موقف سياسي وليس علمياً، لأنه ليس صعباً علي الولاياتالمتحدة أن تتأكد من استخدام هذا السلاح من عدمه، وهي تملك عشرات الأقمار الصناعية ومحطات التنصت وغيرها من الوسائل التقانية الحديثة، وهذا يثير التساؤل عن أسباب هذا الموقف الأمريكي غير الواضح والمخاتل أحياناً. تشير بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية وبعض المراقبين إلي أن السياسة الأمريكية تريد أن تبقي بعيدة عن استخدام القوة العسكرية ضد النظام السوري، سواءً من خلال تزويد المعارضة بالسلاح أم فرض مناطق آمنة علي النظام، وهي منذ عام حتي الآن تطرح مبررات لامتناعها عن ذلك لم تقتنع بها المعارضة السورية مثل تعدد فصائل المعارضة، أو وجود فصاءل مسلحة متطرفة أو عدم معرفة النظام المقبل بعد سقوط النظام الحالي، إضافة إلي مبررات أخري. ولم تكن المعارضة السورية في الواقع تقتنع بأي من هذه المبررات وأخذت تدرك أن الولاياتالمتحدة تماطل وتخاتل وتتردد بانتظار أن تصل إلي صفقة مع روسيا، تجنبها بعض المسئوليات تجاه الشعب السوري، وتقايض روسيا من خلالها علي مكاسب في بلدان أخري. مثل نصب الصواريخ في بولونيا أو دخول جورجيا وبعض الجمهوريات السوفييتية السابقة في حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي أو غير ذلك. الحل السياسي وربما كانت السياسة الأمريكية تخشي فعلاً من الفصائل المسلحة المتطرفة وتعتقد باحتمال تسلمها السلطة في النظام السوري اللاحق. وعلي أي حال فإن الأزمة السورية بمجملها تنتظر اتفاقاً روسياً أمريكياً. وفي هذا السياق (أقنعت) الولاياتالمتحدةفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بمجمله باتخاذ قرار يعتبر الحل السياسي في سورية هو الحل الوحيد. واضطرت فرنسا وبريطانيا إلي التراجع عن موقفهما السابق بتزويد المعارضة السورية بالسلاح وخاصة المضاد للطيران والدروع، وللسبب نفسه فإن العالم كله يغمض عينيه عما يجري في سورية من تهديم ودمار وقتل وتعذيب، ويبدو أن السياسة الروسية متصلبة كثيراً في دعمها للنظام السوري رغم أنها في الفترة الأخيرة أصبحت تكف عن تسمية المعارضة المسلحة بالإرهابيين والعصابات، رغم تصريح الرئيس بوتين بضرورة وقف تزويد السلاح للطرفين، وهي المرة الأولي التي تأخذ السياسة الروسية هذا الأمر باعتبارها. إذا صحت هذه المعطيات فإنها تؤدي إلي استنتاجات عديدة منها أن الأزمة السورية تحتاج لفترة ليست قصيرة ليتم حلها أو علي الأقل ريثما ينتهي الروس والأمريكان من إتمام صفقتهما، ومنها أيضاً أن الأزمة السورية أصبحت جزءاً من لعبة السياسية الدولية فلم تعد محلية ولا إقليمية، أو أنها تنتظر تحقيق الرغبة الإسرائيلية بتدمير سورية تدميراً كاملاً، كما حصل في العراق وليبيا، ويبدو أن هذا الهدف هو عامل أساسي في تأخر التدخل الدولي، والوصول إلي حل للأزمة.