يبدو أن السياسة الأمريكية قررت نهائياً الدخول الجدي في تقرير مصير الأزمة السورية ونهاياتها، بعد موقف متذبذب وموارب من هذه الأزمة دام عاماً ونصف العام لأن أقصي ما صرح به المسئولون الأمريكيون في الفترة السابقة، هو المطالبة بتنحية الرئيس الأسد دون أن يتعرضوا نهائياً لإسقاط النظام أو تغييره، وكان موقفهم دائماً متذبذباً ومتردداً وغير حاسم، وهذا ما أدي بالسياسة الأوروبية والسياسة التركية والسياسة العربية ألا تكون حاسمة، وتبقي مترددة أيضاً بانتظار القرار الأمريكي النهائي، وفي ضوء ذلك، وباستثناء الاستعراضات الكلامية، لم يقدّم أحد أي مساعدات عسكرية أو لوجستية أو إنسانية أو سلاحا للمعارضة السورية المسلحة، أو حتي مساعدات أخري جدية للمعارضة السياسية، خاصة فيما يتعلق بتوحيدها أو توحيد برنامجها وسياساتها وموقفها من الأزمة السورية. وبقي الموقف الأوروبي الأمريكي العربي، موقفاً في واقع الحال مائعاً ومتردداً وينتظر الحسم الأمريكي الذي ربما كان متأثراً بالموقف الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية من جهة وبالانتخابات الرئاسية الأمريكية من جهة أخري. وهذا ما أبقي الأزمة السورية في مستنقع راكد وفي إطار المناوشات والصراع المسلح بين المعارضة والسلطة، دون وصول أي منهما إلي حسم، ودفع الشعب السوري في هذه الأثناء ثمناً غالياً وطالت عذاباته ومعاناته. مجلس أمريكي لقد مهد الأمريكيون والأوروبيون للموقف الجديد منذ بضعة أشهر، فبعد أن كانوا قد اعتبروا المجلس الوطني السوري ممثلاً للشعب السوري، وعقدوا مؤتمرين مؤيدين له حضر كل منهما عشرات الدول باسم أصدقاء سورية، وكان واضحاً في ذلك الوقت أنهم يعملون لتسليم السلطة بعد سقوط النظام إلي المجلس الوطني، عادوا قبل فترة فغيروا موقفهم وأخذوا يسربون تصريحات وأخباراً تؤكد أن المجلس الوطني ضعيف الصلة بالحراك الداخلي والمعارضة الداخلية، وأنه لم يبذل جهوداً جدية لتوحيد المعارضة ويحاول الاستئثار بالموقف السوري، وأنه تحول إلي مجلس بيروقراطي لا فعالية له، وقبل أسبوعين أخذ المسئولون الأمريكيون وعلي رأسهم وزيرة الخارجية يعبرون عن خشيتهم من انتقال السلاح إذا ساعدوا المعارضة إلي المتطرفين، ويؤكدون أن المجلس الوطني لم يستطع الوقوف بوجه التطرف، واقترحوا تأسيس مجلس جديد مواز مؤلف من خمسين شخصية معارضة تضم عديداً منها من معارضة الداخل المتنوعة، علي أن تضع برنامجاً جديداً وتنتخب مكتباً تنفيذياً من عشرة أشخاص يكون بمثابة قيادة للمعارضة ويتولي صلاحيات الحكومة المؤقتة. وبالتالي قررت السياسة الأمريكية الانقلاب علي المجلس الوطني وتشكيل مجلسها هي، باسم المجلس الوطني السوري أيضاً. لقد تمت دعوة الشخصيات التي ستشارك في المؤتمر في الدوحة، وكانت الدعوة موجهة في الواقع إلي معظم الاتجاهات السياسية والأحزاب إلا أنها خصصت عضواً واحداً لكل حزب في الداخل، واختارت عدداً قليلاً من مناضلي الحراك الشعبي، أما الأكثرية الباقية فهي من معارضة الخارج ومن المقربين من المشروع الجديد. وقد أدرك المجلس الوطني السوري الذي ينعقد في الدوحة نفسها أيضاً قبل يومين من انعقاد المجلس البديل، أدرك خطورة هذا الأمر، وأنه إيذان بحل المجلس واستبداله، فأصدر بياناً اتهم فيه المجلس الجديد بأنه متواطئ مع الأمريكيين، وسيصل إلي حل وسط مع النظام، وذكّر أنه ضد أي تسوية قبل سقوط النظام، وأنه لن يتراجع عن مواقفه السابقة، كما أكد استمرار عمله لتوحيد المعارضة في الداخل والخارج، وهذا في الواقع ما كان يرفضه المجلس طوال عام ونيف وتذكره الآن، ومن المؤكد علي أية حال أن المجلس الجديد الموازي سيكون مدعوماً من الأمريكيين والأوروبيين وبعض دول الجوار، مهما كان عدد الحاضرين لمؤتمره،. في الدوحة ومهما كان رأي شرائح المعارضة العديدة التي لم تشارك فيه. وسوف يسير بخطوات مقررة مسبقاً سواء وضع البرنامج أم انتقاء الشخصيات التي ستشكل المجلس التنفيذي، ومن المتوقع أن تحاول السياسة الأمريكية تأمين الدعم الدولي لهذا المجلس البديل في الأيام القليلة القادمة، كما من المتوقع أن ينضم إليه عدد من أعضاء المجلس القديم ومن فصائل المعارضة الأخري وخاصة أولئك الذين كانوا مهمشين في المجلس أو في المعارضة، والباحثين عن مواقع لهم في النظام الجديد. أما معارضة الداخل السياسية فقد رفضت المشاركة في المجلس الجديد رغم ملاحظاتها الكثيرة علي المجلس الوطني الحالي، واعتبرت هذا المجلس خطوة أمريكية للهيمنة علي سورية بعد سقوط النظام، كما كان الحال في العراق بزعامة بريمر، خاصة أن السفير الأمريكي في سورية (فورد) يشارك في أعمال المجلس في الدوحة، ويخطط لكل المراحل الحالية والمقبلة، وكأنه عضو أصيل. بقي سؤال معلق حتي الآن، وربما ينجلي الجواب عنه قريباً جداً وهو موقف الجيش السوري الحر من المجلس الجديد، وموقف فصائل المعارضة المسلحة الأخري.