علي شاشة أكبر قاعات سينما «مارينا» بأبوظبي عرض فيلم «الخروج للنهار» أول الأفلام الروائية الطويلة لهالة لطفي.. وهالة هي واحدة من جيل سينمائي مصري، موهوب ودارس للسينما، قضي سنوات طويلة بعد تخرجه في البحث عن تمويل لتقديم أعماله إلي العالم.. ومثل غيرها، قدمت هالة أفلاما قصيرة قليلة، واستجابت لدعوة قناة الجزيرة لتقديم أفلام عن بعض دول أمريكا اللاتينية ضمن سلسلة للجزيرة الوثائقية قبل أن تستطيع أخيرا أن تنجز فيلمها الطويل الأول «الخروج للنهار» الذي أنتجته مع منال خليل، وقامت بكتابته وتصويره وإخراجه، بينما قامت بعمل المونتاج له هبة عثمان وقامت بالبطولة دنيا ماهر «الابنة الشابة» وسلمي النجار «الأم الممرضة» وأحمد لطفي «الأب المقعد في سريره» ودعاء عريقات «الفتاة التي تمارس النصب في المواصلات العامة» وأحمد شرف «سائق الميكروباص» وجلال البحيري، ولقد قصدت أن أكتب أمام كل ممثل الشخصية التي يؤديها لأن شخصيات الفيلم قليلة ولكن لا يمكن الاستغناء عن أي منها، حتي أصحاب الأدوار المساعدة مثل فتاة الباص والسائق، فنحن إزاء فيلم عن أزمة الإنسان في مدينة كبري انفرط عقد أبنائها من الداخل «أي داخل المنزل» إلي الخارج، وبحيث أصبح علي كل منهم أن يكافح وحده من أجل وضع قدمه في إطار يسمح له بمواصلة الحياة، وهو ما تواجهه بطلة الفيلم دعاء حين تبدأ يوما جديا بنفس طقوس اليوم السابق، وهي تحضير إفطار والدها المشلول ومحاولة إطعامه وحين تعجز عن هذا «حيث يرفض الأب أن يتجاوب معها» تحضر الأم التي كانت ترتدي ملابس الخروج لتقوم بما عجزت عنه الابنة، نكتشف أن الاثنتين تقسمان وقتهما لرعاية «الأب» في حالته هذه، وأن الأم الممرضة جعلت من وردية الليل موعدا ثابتا لعملها حتي تجلس في منزلها نهارا بينما تقوم الابنة بالخروج للبحث عن عمل، تضيق الأحوال بالاثنتين، لكن الأم تحتمل أكثر بينما تقرر الابنة الهرب من ذلك الجو الخانق ولقاء الشاب الذي ترتبط معه بعلاقة حب منذ خمسة أعوام، تذهب إلي «كوافير» بعد أن تمضي قروشها، ولكنه لا يرد علي تليفونها، فتحادثه من هاتف رجل يقف في ساحة يؤجر الدقائق من محموله، وحين يرد تكتشف أنه يتهرب منها فتخبره بأنها غيرت خطتها وليست هناك فرصة للقاء وتهرب إلي المستشفي بعد أن تلقت مكالمة من الأب بسقوط الأب وسوء حالته، وهكذا تدور الساعات والدقائق بين الشابة وأمها وأبيها، واقع محبط وأفق يعوزه الأمل، لكنها – مع كل هذا الإحباط – تكتشف أن لديها المزيد من فائض المشاعر تجاه الحياة وهي تقضي ليلتها جالسة بحديقة قرب الفسطاط تنتظر طلوع النهار بعد أن أنزلها سائق الميكروباص بقسوة قبل المحطة مدعيا العطل.. إنه فيلم يتسلل إليك وينفذ إلي قلبك ومشاعرك ويتخلل عقلك وأنت تري هذه العائلة التي تعاني مثل ملايين غيرها في صمت.. وبطولة، حتي لو لم تعرف أنها بطولة وقد استطاع الفيلم ومخرجته وممثلوه الذين يمثلون لأول مرة علي الشاشة «باستثناء واحدة منهم» استطاعوا أن يصلوا إلي جمهور المهرجان بفنهم العالي، وبصدقهم، وأن يحصل «الخروج للنهار» علي جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين «الفيبريس» برئاسة الناقد الأسباني فرناند دسالفي، كما حصل من لجنة تحكيم مسابقة «آفاق جديدة» التي قدمت الأفلام التي تعبر عن السينما الجديدة في العالم، حصل علي جائزة أفضل مخرج من العالم العربي لمخرجته هالة، وقالت رئيسة اللجنة الفرنسية فرنسواز بونيه في حفل الختام وهي تعلن عن الفوز: إننا أدركنا أناقة وتمييز العناصر البصرية التي تغلبت علي أسلوب السينما العربية والسينما المصرية بشكل خاص. الجدير بالذكر أن السينما المصرية حصلت علي جائزة أخري مهمة عن فيلم وثائقي بعنوان «البحث عن النفط والرمال» هي جائزة الإخراج الأفضل لمخرجي الفيلم وائل عمر وفيليب ديب، والفيلم يدور حول أحداث تخص العائلة الملكية قبل قيام ثورة يوليو 1952، وربما ما يتوج هذا النجاح هو حصول «يسري نصرالله» علي جائزة «مخرج العام في الشرق الأوسط» التي تقدمها سنويا مجلة «فارايتي» أهم وأقدم مجلات السينما في العالم والتي اعتبرت فيلمه «بعد الموقعة» دليلا علي هذا من خلال استفتاء قامت به حول السينما العربية هذا العام.